بيلاروسيا خط أحمر.. تصعيد الحرب الكلامية بين روسيا وأوروبا

في تصريح لافت يعكس تصاعد التوترات الأمنية في أوروبا الشرقية، أعلن رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي، سيرغي ناريشكين، عن استعداد أجهزة الأمن في كل من روسيا وبيلاروسيا للتحرك بشكل استباقي، وذلك في ضوء ما وصفه بـ"التصعيد المتزايد من جانب أوروبا بشأن أوكرانيا". جاءت هذه التصريحات عبر وكالة الأنباء الروسية الرسمية «ريا نوفوستي»، لتضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى المشهد الجيوسياسي المضطرب في المنطقة.
ولم يكتفِ ناريشكين بالإشارة إلى الجاهزية الأمنية، بل ذهب أبعد من ذلك، في تصريحات نقلتها وكالة الإعلام الروسية، حين أكد أن روسيا ستتعامل مع أي هجوم محتمل على أراضيها أو على حليفتها بيلاروسيا كعدوان يستوجب الرد على حلف شمال الأطلسي (الناتو) بأسره، مع تحذير واضح من أن بولندا ودول البلطيق ستكون في مقدمة الدول التي "ستعاني أولاً" من تبعات أي تصعيد عسكري.
خلفية النزاع
تأتي هذه التصريحات في خضم استمرار الحرب في أوكرانيا التي دخلت عامها الثالث، وسط دعم غربي متزايد لكييف من قبل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، مما يثير حفيظة موسكو التي ترى في هذا الدعم تهديداً مباشراً لأمنها القومي ونفوذها الإقليمي.
دور بيلاروسيا
تلعب بيلاروسيا دور الحليف الأقرب لموسكو، ليس فقط جغرافياً، بل أيضاً على المستوى الأمني والاستراتيجي. وتؤكد التصريحات الروسية الأخيرة أن أمن بيلاروسيا يُعد امتداداً مباشراً لأمن روسيا، ما يجعل من أي استهداف محتمل لمينسك بمثابة خط أحمر.
تحذير لبولندا ودول البلطيق
اختيار ناريشكين لهذه الدول تحديداً يحمل أبعاداً رمزية واستراتيجية؛ فهي من أكثر الدول تشدداً في مواقفها تجاه روسيا، وتعد من أبرز ممرات الدعم الغربي لأوكرانيا. التهديد المباشر لها يحمل رسالة ردع مبطنة هدفها التأثير على سياساتها ودورها في دعم كييف.
الناتو في دائرة الاستهداف السياسي
التلويح بالرد على الناتو "ككل" في حال حدوث هجوم، يُظهر أن روسيا باتت تنظر إلى الحلف كطرف أصيل في النزاع، لا مجرد جهة داعمة. وهذا التصور يزيد من مخاطر الانزلاق إلى مواجهة أوسع قد تشمل أراضي دول الحلف نفسها.
دلالات وتبعات محتملة
تصعيد كلامي أم تحضير لتحرك ميداني؟
رغم أن التصريحات قد تبدو ضمن إطار الحرب النفسية والدبلوماسية، إلا أن الإشارة إلى "التحرك الاستباقي" توحي بأن هناك سيناريوهات عسكرية موضوعة وجاهزة للتنفيذ إذا ما تطورت الأحداث على الأرض.
تضييق مساحة التفاوض
مثل هذه التصريحات تُعقد جهود الوساطة الدبلوماسية، وتدفع الأطراف إلى اتخاذ مواقف أكثر تصلباً، مما يفتح الباب أمام مزيد من التوتر العسكري.
احتمالات الرد الأوروبي
من المرجح أن تؤدي هذه التصريحات إلى تعزيز الانتشار العسكري لحلف الناتو في دول الخط الأمامي، ورفع جاهزية القوات الغربية، الأمر الذي قد يزيد من احتمالات وقوع احتكاكات غير محسوبة.
رسالة ناريشكين تحمل في طياتها مزيجاً من التحذير والردع، وتُعد مؤشراً على عمق القلق الروسي من التطورات المتسارعة في أوكرانيا والدور الغربي المتنامي فيها. كما أنها تعكس تحولاً في خطاب موسكو من الدفاع إلى الهجوم الاستباقي، وهو ما يرفع درجة الخطورة في الصراع المستمر ويُدخل أوروبا في مرحلة أكثر اضطراباً وأقل قابلية للتنبؤ.