”الحزام والطريق”.. مبادرة صينية لاقتصاد عالمي أقوى دون هيمنة أو تسلط
الأمين العام للأمم المتحدة: مبادرة فريدة والصين أنقذت 600 مليون شخص من الفقر
د.عادل عامر: المبادرة سوف تنعش الاقتصاد العربي والآسيوي والأوربي
أبوبكر الديب: المبادرة ستدعم التجارة العربية الصينية بصورة كبيرة
د.محمد جاد: مصر شريك أساسي في المبادرة الرائدة
بمناسبة الزيارة المهمة لوزير خارجية الصين، "وانغ يي" لجمهورية مصر العربية خلال هذا الأسبوع، نلقي الضوء على موضوع محوري وحيوي، يتمثل في "مبادرة الحزام والطريق" والتي تهدف في المقام الأول إلى دعم الاقتصاد العالمي، والتي أطلقها الرئيس الصيني، شي بينغ، أول مرة في عام 2013؛ بهدف تعزيز ودعم التجارة مع دول آسيا وإفريقيا وأوروبا.
وجاءت كلمة الحزام في اسم المبادرة الصينية، لتشير إلى الطرق البرية، التي تربط الصين بقارة أوروبا عبر آسيا الوسطى، وجنوب آسيا، بالإضافة إلى جنوب شرق آسيا، أما الطريق فتشير إلى شبكة بحرية تربط الصين بالمواني الرئيسية عبر آسيا والمحيط الهندي والشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا والتي كانت تربط بين الشرق والغرب القديم لنقل الحرير، وأيضا العديد من المنتجات الأخرى، وكان يُطلق عليها "طريق الحرير".
وتتميز هذه المبادرة -التي تعطي دولة الصين- لها اهتمامًا خاصًا، كونها تهدف إلى توسيع التعاون الاقتصادي والبنية التحتية عبر القارات الثلاث، آسيا وإفريقيا وأوروبا، من خلال الطرق البرية والبحرية الإستراتيجية، وقد نجحت المبادرة، في جعل الصين أقرب إلى العالم من أي وقت مضى، وذلك عبر الاستثمارات ومشرعات البنية التحتية، في أكثر من 150 دولة، حيث بلغ إجمالي مشاركة الصين التراكمية في حساب المبادرة في 2022 مليار دولار.
وتهدف "المبادرة"، الى المساعدة في تنفيذ مشروعات بنية تحتية كاملة، من شأنها زيادة الدخل العالمي بحلول عام 2030؛ ما ينتشل ما يزيد على 40 مليون شخص حول العالم من الفقر المدقع والفقر المعتدل.
ومن أبرز الدول المشاركة من القارة الأفريقية، في "مبادرة الحزام والطريق"، تأتي، تنزانيا وكينيا وأثيوبيا، وموزمبيق ومدغشقر وجنوب إفريقيا، وأيضًا مصر والمغرب والجزائر. ولعل الهدف الأكبر من طرح الصين لهذه المبادرة في عام 2013 هو تحسين الترابط والتعاون على نطاق واسع يمتد عبر القارات وليس عبر الدول فحسب بدليل أن هذه المبادرة تضم العديد من الدول وتحقق مكاسب كبيرة في التجارة والاستثمار الأجنبي.
وتشير التقارير الدولية، إلى أن التقديرات بشأن حجم التجارة في اقتصاديات الدول المشاركة في المبادرة يزيد بنحو 30% على إمكانات الاستثمار الأجنبي.
مبادرة فريدة وداعمة للاقتصاد العالم
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن "مبادرة الحزام والطريق" تعتمد على تنفيذ إستراتيجية تنموية تعتمدها الحكومة الصينية، وتطوير البنية التحتية والاستثمارات في 152 دولة ومنظمة دولية في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وإفريقيا.
وأعتبر"غوتيريش" -في كلمة له خلال افتتاح منتدى "الحزام والطريق" الثالث الذي عقد في العاصمة الصينية بكين في شهر أكتوبر الماضي- أن المبادرة كونها تتميز بربط آسيا، مع كل من كل من أوروبا وأفريقيا، سوف تساهم في توفير القدرة على الوصول للأسواق لمختلف الدول.
وأكمل: إن العالم يمر بمنعطف دقيق يشهد فيه تحديات غير مسبوقة، وهنا تأتي "المبادرة" لتوفر فرصا فريدة، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن السنوات الأخيرة، شهدت تقدما كبيرًا وملحوظًا، على مسار التنمية البشرية، حيث انخفض عدد من يعيشون في الفقر المدقع بمقدار النصف، منوهًا بأن الصين وحدها أخرجت أكثر من 600 مليون شخص من هوة الفقر، بالعمل على توفير مياه الشرب، لملايين البشر، فضلًا عن التحاق الملايين بالمدارس، مع تقدم واضح في مكافحة الملاريا والسل وغير ذلك من الأمراض الفتاكة.
وأوضح الأمين العام للأمم المتحدة، أن "مبادرة الحزام والطريق"، وأجندة 2030، مختلفتان في الطبيعة والنطاق، ولكنهما تشتركان في الهدف الأكبر وهو التنمية المستدامة، فضلًا عن أنهما تسعيان إلى خلق الفرص والتعاون الذي يصب في مصلحة الجميع، وتهدفان إلى تعميق التواصل بين جميع الدول والمناطق فيما يتعلق بالبنية الأساسية والتجارة والتمويل والسياسات، وربما أيضا الناس وهو الهدف الأهم.
واختتم "غوتيريش" كلمته بمثل صيني، يقول: "بناء الطريق هو أول خطوة باتجاه الرخاء"، وأكد أن منظومة الأمم المتحدة مستعدة للانضمام إلى الرحلة على هذا الطريق من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة والوفاء بوعد عدم التخلي عن أحد.
إحياء التجارة القديمة
ومن جهته قال الدكتور عادل عامر مدير مركز المصريين للدارسات السياسية والاقتصادية، في تصريحات خاصة لـ "اتحاد العالم الإسلامي": إن الهــدف من "مبــادرة الحـزام و الطريق" هو العمل على إحيـاء طرق التجارة القديمة، عن طريــق إنشــــاء الــحزام الاقتصادي لطريق الحرير البري وطريق الحرير البحري، لربط قارات آسيا بأوروبا وإفريقيا وهذا يعود بكل ايجابية علي الاقتصاد المصري، وكذلك العربي والأفريقي والآسيوي، والأوروبي، والعالم، وخاصة الصين.
وأردف: ومن أهم التـوصيات ضرورة أن يكون لمصر دور هام في "مبادرة الحزام و الطريـق"، لأنها مــدخل أفريقيا، وبالتالي، يجب أن يكون لها دور محوري من خلال وجـــود أجــــندة للتعامل مع الاستثمارات يتيح لها التبادل التجاري من صادارت وواردات، ويجــب أيضا تطوير ميناء "شرق بور فؤاد" ببورسعيد ليصبح مركزا لتقديم كافة خدمات الاستثمار في تطويــر المواني ، لا سيما، التي تحتاجها السفن المــارة من قــــناة السويــس.
و أضاف: اذا استطــعنا أن نجذب الاستثمارات مع الصيــن ستــدخل لنا استثمارات من الهند وإيران وعدد مـن دول آسيا، ما سيكون له تأثير على تخفيض تكلفة النقل نظرا لقصر مدة النقل البرى، ما يؤدى إلى انخفاض أسعار السلع في مصر، كما أنها ستوفر فرص عمل، لذلك يجب استغلال هذا الموقع المتميز في إقامة مناطق صناعية في قناة السويس، ما يرفع من معدلات النمو الاقتصادي في مصر، كما يجــب وجـود أجندة مصرية للتعامل مع الاستثمارات بصورة جيدة.
وأشار عامر، إلى قوة "المبادرة" التي ستغير المعادلة الاقتصادية، في مختلف الأسواق العالمية، تكمن فيما عبر عنه الرئيس الصيني، من أن "مبادرة للحزام والطريق" تفتح آفاقا مشتركة، وهو ما سيكون بمثابة تعاون مشترك قوي، بين الصين وجميع الأطراف في المستقبل القريب.
واعتبر أن جوهر تصريحات الرئيس الصيني، خلال افتتاح الدورة العاشرة، أن "المبادرة"، ستهدف في المقام الأول إلى بناء مشترك بين الدول المشاركة فيها، فضلا عن نقل روح طريق الحرير القديم، هذا غير أنها سوف تخلق انفتاحًا كبيرًا وتعاونا ومنفعة متبادلة وقوة للبناء المشترك لدول "الحزام والطريق"؛ كون طريق الحرير -عندما يأتي- من الصين إلى دول أخرى، سيكون بمثابة تراث تاريخيّ مشترك للدول والشعوب من الأعراق والمعتقدات والخلفيات الثقافية المختلفة في قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا، وهو رمز مهم للتبادل والتعاون بين الشرق والغرب.
ولفت عامر إلى ما قامت به الصين من توثيق مجالات التعاون باستمرار وتواصل سياسي، حيث نجحت في توقيع ما يزيد عن 230 وثيقة تعاون بشأن البناء المشترك للحزام والطريق مع أكثر من 150 دولة و30 منظمة دولية، وأقامت ثلاث دورات من "منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي"، وأنشأت أكثر من 20 منصة تعاون في مجالات متخصصة.
وقال: هناك تم تشغيل مشروعات مهمة تمثلت في خط السكك الحديدية بين الصين ولاوس، وكذلك خط السكة الحديدية بين جاكرتا وباندونح وميناء بيرايوس وغيرها، الأمر الذي سوف يشكل نوعا جيدا من الترابط والتواصل عبر الأرض والبحر والجو والإنترنت، منوها بأن حجم الاستيراد والتصدير بين الصين والدول المشاركة في "الحزام والطريق" بلغ نحو 19 تريليون دولار أمريكي من عام 2013 إلى عام 2022، وتجاوز الاستثمار الثنائي 280 مليار دولار.
مبادرة لمواجهة الفقر
بدوره، يرى المحل الاقتصادي، أبوبكر الديب، أن "مبادرة الحزام والطريق"، نجحت في تعزيز التواصل التجاري، بين العديد من دول أفريقيا وآسيا وأوروبا، منوها بأن مصر ستكون من أكثر الدول التي ستعود "المبادرة"، بالنفع الكبير على اقتصادها كونها تمتلك العديد من الطريق البرية والبحرية والجوية، مع مختلف الدول الأفريقية والآسيوية والأوربية، لافتا إلى هذه "المبادرة" التي ولدت منذ 10سنوات، أكدت أنها قادرة على تغيير جوهري في نمو اقتصاديات الدول المشاركة في "المبادرة"، كون الصين دولة قوية وتتمتع باقتصاد قوي، ولا تميل للنزاعات السياسية، بقدر انشغالها الكبير بالاقتصاد وحركة التجارة، والعمل المستمر على توسعة العمل المشترك مع العديد من دول العالم، بلا استثناء، وهو ما يؤكد نجاح "مبادرة الحزام والطريق".
وأردف: إن أهم مميزات "المبادرة الصينية"، التي ستعتمد بصورة كبيرة على بناء المشروعات العملاقة المتعلقة، بالنقل، مساهمتها وبشكل واضح في زيادة التجارة العالمية بنسبة تتراوح بين 1.7% و6.2%، فضلا عن زيادة الدخل الحقيقي عالميا بنسبة من 0.7% إلى 2.9%.
ونوه، بأن تدشين مشروع مثل السكك الحديدية، وخطوط أنابيب الطاقة، والطرق السريعة؛ وتوفير خط حديدي جديد يتكلف مليارات الدولارات، سوف يعمل على تقليل زمن الرحلة من ساحل البحر الأحمر إلى أديس أبابا في أثيوبيا من 3 أيام إلى 12 ساعة فقط.
المبادرة وتفاؤل عربي
ونوه "الديب" إلى أن هناك تفاؤلا واضحا، من وسائل الإعلام العربية، بالمبادرة الصينية منذ الإعلان عنها في 2013، حيث اعتبرت "المبادرة"، تخفيفا للاعتماد على الاقتصاد الأمريكي في الشراكة التجارية، وأن "المبادرة" سوف تفتح آفاقا تجارياة كبيرة بين مصر والدول العربية، والأسواق الإفريقية والآسيوية.
وأشاد الديب، بقيام الصين بضخ استثمارات تصل قيمتها إلي 100 مليار دولار في اقتصاديات الدول النامية، منوها بأن "مبادرة الحزام والطريق"، هي بمثابة مشروع ضخم يسعى إلى العمل على إنشاء بنية تحتية غير عادية، تهدف إلى توسيع روابطها التجارية، عبر بناء المواني والسكك الحديدية والمطارات والمجمعات الصناعية بهدف زيادة نفوذها الاقتصادي والسياسي في العالم.
وأوضح الديب، أن الاستثمارات المرتقبة والمقرر أدخالها كمشروعات في الدول المشاركة ضمن "المبادرة" ستصل إلى حوالي 9 مليارات دولار في صورة معونات للدول النامية والمؤسسات الدولية التي تشكل جزءا من مشروع "الحزام والطريق".
وأكد أن الدول العربية، جزء أصيل من المشروع، مستشهدا بالاتفاقيات التي أبرمتها الصين مع أكثر من 21 دولة عربية، -بحسب وزارة الخارجية الصينية في تقرير لها نشر عام 2022 - ما يجعل البلدان العربية شريكا رئيسيا في المبادرة.
مصر شريك أساسي
ويرى الدكتور محمد جاد الخبير السياسي، أنه منذ إعلان "المبادرة" منذ عشر سنوات، ومصر كانت شريكًا أساسيًا فيها، نظرًا لموقعها الجغرافي الفريد، منوها بأن مصر، بأن "المبادرة الصينية" سيكون لها تأثير إيجابي كبير في دعم الاقتصاد المصري.
وأكمل: كشفت مشاركة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، نيابةً عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، في الدورة الثالثة لـ "منتدى الحزام والطريق في أكتوبر الماضي، مدى اهتمام القيادة السياسية المصرية، بالمشاركة القوية في "المبادرة"، حيث تعتمد مصر على أربعة محاور أساسية لتحقق ذلك، تتمثل في الممر الملاحي لقناة السويس، والبنية الأساسية للخدمات اللوجستية الدولية، بالإضافة إلى المناطق الصناعية والاقتصادية الخاصة في كل من العين السخنة شرق بورسعيد، وأخيرًا طرق وسكك حديدية وممرات الربط مع دول الجوار، وذلك بهدف ربط قطاع الخدمات اللوجستية المصري مع قطاع الخدمات اللوجستية الصيني، وهو ما يمنح فرصة ذهبية لمصر، لتكون مركزًا رئيسًا تعتمد عليه الشركات الصينية لربط منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بالبحرين الأحمر والمتوسط.
وأوضح جاد، أن المبادرة منذ انطلاقها تعمل على توسعة التبادل التجاري، بين الصين وبين العديد من دول العالم، منوهًا بأن إستراتيجية "المبادرة"، قائمة على العمل نحو تطوير، وتدشين طرق تجارية عملاقة، وكذلك ممرات اقتصادية ضخمة، من شأنها ربط أكثر من 60 بلدًا، وهو ما تسعى إليه الصين من خلال تعزيز ودعم وتوثيق وتقوية الروابط التجارية والاقتصادية بين القارات الثلاث، آسيا وأوروبا وإفريقيا، حيث نصت بنود"المبادرة" على إنشاء شبكات ضخمة من السكك الحديدية وأنابيب نفط وغاز، وخطوط طاقة كهربائية وإنترنت، فضلا عن إنشاء بنية تحتية بحرية، من شأنها تعزيز التواصل التجاري بين الصين مع دول أفريقا وأوروبا.
وأكد جاد أن الصين، لها مكانة خاصة في قلوب المصريين، وهو ما يظهر في إشادة الشعب المصري بهذه "المبادرة"، كونهم يعلمون جيدًا قوة الاقتصاد الصيني، وكيف أن الصين دولة اقتصادية من الدرجة الأولى، ولديها من المقومات الاقتصادية والتجارية القوية ما يجعل مشاركة مصر في الحزام والطريق، أمرًا جيدًا ونافعًا للاقتصاد المصري.