تصيد الأخطاء جريمة أخلاقية لا يعاقب عليها القانون و يرفضها الاسلام
قال الله تعالى في كتابه العزيز:"الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا "(141) سورة النساء .
شرح لنا الله تعالى في آياته أن الشخص الذي يتصيد الأخطاء لأصدقائه أو زملائه في العمل أو خارج العمل، فهو شخص يحب أن يثبت نفسه على حساب الآخرين، وربما يرى فى نجاحك ضررًا له وهذا الشخص بعيدً عن ربه وناقم على الآخرين.
لذلك لابد من مجاهلته ومعاملته بنفس طريقته ولا تحاول إرضاءه، وإذا سعيت في ارضائه سيستمر فى أفعاله الدنيئة، ولكن كن على ثقة أنك سوف تنتصر علية في النهاية، فإن تصيد أخطاء الآخرين ظاهرة متواجدة وبكثرة، وهى بالمعنى الأصح تكون (لقافة).
إن تصيد الأخطاء داء إذا تمكن من النفس أطفأ ما فيها من نور الإيمان.
قال الإمام أحمد لعبد الله بن الزبير الحميدى فى مكة، " تعال لأريك رجلاً لم تر عينك قط مثله وذهب به إلى الشافعى فسألوه مائة مسألة أو أكثر وأجاب الشافعى رحمه الله فلما خرجوا التفت الإمام أحمد إلى عبد الله بن الزبير، وقال له: كيف رأيته؟ قال: ما أعجبه! ولكن هل لاحظت أنه قال كذا وكذا وعدد عشرة أخطاء فقال الإمام أحمد كم هذه قال عشرة قال: لماذا تركز على هذه وعنده تسعون صوابا خذ صوابه واترك خطأه".
ومن هنا نقول أن كل إنسان لديه أخطاء، ولا يوجد أحد خالٍ من العيوب، ولكن للأسف البعض جعل هوايته تصيد أخطاء الآخرين حتى أصبحت لدى البعض ثقافة، حيث انتشرت هذه الآفة حتى أصبحت فى دم بعض البشر عادة.
لماذا لا نحاول جاهدين التخلص من تلك الآفة الخطيرة لأننا لو نظرنا لعيوبنا لانشغلنا بها عوضا عن عيوب البشر، والتغافل عن تصيد الأخطاء لنرى الإيجابيات للشخص ونتغافل عن سلبياته.
عندما تتصيد أخطاء الآخر فإنك تسعى دائما للتقليل من شأنه وتسجيل عيوبه وأخطائه وتقوى الحقد بين الناس.
فإن التغافل من شِيَم الكرام، ومن يُقدم العفو والتسامح محبوبٌ على الدوام، وتجنب سوء الظن مما يميز أهل الإسلام، والمؤمن يحب للناس ما يجب لنفسه، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه، فهو لأجل ذلك يعامل الناس بمثل ما يجب أن يعاملوه به، وقد قال علي رضي الله عنه: (لا تظن بكلمةٍ خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً)، فإذا أخطأ صديقك فالتمس له الأعذار؛ كأن تقول: لعله قصد كذا أو لعله كان متأثراً بكذا، فإن لم تجد له عذراً فقل: لعل له عذراً لا أعرفه، فإن تأكد لك الخطأ منه فتذكر ما عنده من إيجابياتٍ ومواقف سابقةٍ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر عندما همَّ بالرجل: (إنه من أهل بدر، ولعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)، وهذه دعوة لتأمل هذا المنهج العظيم، وقد قال الله تعالى في كتابه: ((خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ))[الأعراف:199].
وأرجو أن يعلم الإنسان أن لوجوده في جماعةٍ ثمنٌ وضريبةٌ لابد أن يؤديها، فعليه أن يسعى في تعليم الجاهل واحتمال المُغضب، ورعاية الكبير، وتوقيره، والشفقة على الصغير، والحرص على توجهيه، وعليه باختصارٍ أن يأتي إلى الناس بمثل ما يحب أن يأتونه به.
فعلى الإنسان تقوى الله ثم بعدم تتبع الأخطاء، لأن ذلك من تتبع العورات الذي ورد النهي عنه، بل جاء التهديد لمن يفعل ذلك بأن الله سوف يتتبع عورته، وأن من يتتبع الله عورته يفضحه ولو في قعر بيته.
عدم الإكثار من انتقاد الآخرين والحرص على أن يكون النقد إذا حصل بنَّاءاً وأن يكون هدفه الإصلاح، ومنهجه الإنصاف، فإنه من الظلم تجريد الناس من الحسنات والنظر إلى العيوب وحدها وتعداد الزَّلات، وطوبى لمن انغمرت سيئاته في بحور حسناته، وكفى بالمرء نُبلاً أن تُعد معايبه، وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث.
وعلى من أراد أن تُقبل نصيحته أن يتلطف فيها، وأن يحرص على أن تكون سرية وخاصة إذا كان الخطأ لا يترتب عليه ضرر عام ككونه يجهر بمخالفته.
فالحياة جميلة ورائعة وعلينا أن نكون أكثر مرونة فى التعامل مع غيرنا ولا ندع الغيرة والانتقام تسيطران على نفوسنا فلا أحد منا معصوم عن الخطأ والإنسان خطاء وخير الخطائين التوابون.