في ذكرى وفاته.. من هو الشيخ أبو الفضل الجيزاوي رائد تطوير التعليم الأزهري
تحل اليوم ذكرى وفاة الشيخ محمد أبو الفضل بن علي الوراقي الجيزاوي المالكي شيخ الأزهر الشريف، الرئيس الثاني لهيئة كبار العلماء.
وظهرت في عهده أهم قوانين تطوير التعليم الأزهري التي تُعَدُّ نواة لنظام التعليم الجامعي والدراسات العليا في الأزهر الشريف.
مولده ونشأته
ولد بقرية وراق الحضر التابعة لمركز إمبابة- إحدى مدن محافظة الجيزة، في عام 1263هـ/1847م.
ونشأ نشأة دينيَّة، حيث التحق بكُتَّاب القرية وهو في سن الخامسة من عمره عام 1269هـ/ 1852م، وأتم حفظ القرآن الكريم عام 1272هـ/ 1855م، ثم التحق بالأزهر الشريف سنة 1273هـ وعمره عشر سنوات.
تعليمه
درس الشيخ الجيزاوي العلوم المقررة آنذاك في الجامع الأزهر مثل: التفسير، والحديث، والتوحيد، والتصوف، والفقه، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والنحو، والصرف، والعروض، والمعاني والبيان، والبديع والأدب، والتاريخ والسيرة النبويَّة، على يد كبار مشايخ عصره.
فأخذ الفقه والحديث على يد الشيخ محمد عليش، والشيخ علي مرزوق العدوي، وتعلم البلاغة وعلم أصول الفقه والمنطق على يد الشيخ إبراهيم السقا، والشيخ محمد الأنبابي، وتلقى التفسير وعلوم القرآن على يد الشيخ شرف الدين المرصفي، والشيخ محمد العشماوي، والشيخ محمد الفضالي الجرواني، ودرس على شيخ الشيوخ العلَّامة الشيخ أحمد محجوب الرفاعي الفيومي، وعلى الشيخ مصطفى العروسي شيخ الأزهر الشريف، وغيرهم من كبار علماء عصره.
وظلَّ الشيخ الجيزاوي مواصلًا تحصيله للعلوم وحضور دروس العلم بكلِّ جدية حتى عام 1287هـ/ 1870م، وفي هذا العام أمره الإمام الأنبابي بالتدريس فوافق بعد تردد.
تدريسه بالأزهر
وبدأ بالتدريس بالجامع الأزهر، وجمع رسالة في البسملة وحديثها المشهور، وابتدأ بقراءة كتاب الأزهريَّة في النحو للشيخ خالد الأزهري، وكان ذلك في أواخر أيام شيخ الأزهر مصطفى العروسي.
وتابع الشيخ الجيزاوي التدريس بالجامع الأزهر، وكان على دراية بجميع كتب الفقه واللغة وأصول الدين والمنطق الْمُتَداولة قراءتها في ذلك الوقت بالجامع الأزهر، حيث قام بتدريسها لكثير من طلاب الأزهر، وأقبل طلاب العلم على حلقات ودروس العلم للشيخ الجيزاوي؛ فتخرَّج على يديَّه عدد كبير من طلاب الأزهر.
ويعود للشيخ الجيزاوي الفضل في إحياء تدريس كتاب الخبيصي في المنطق؛ إذ قام بتدريسه مِرارًا، ودَرَّس كتاب القطب على الشمسية، وقرأ المطول للسعد التفتازاني، وكتب على شرحه وحاشيته أكثر من خمس وأربعين كراسة، وقرأ كتاب البيضاوي ولم يتمه، وكتب شرحًا على أوائله نحوًا من سبع عشرة كراسة.
أمَّا علم الأصول فإنَّه أفنى فيه عمره؛ إذ أقرأ علم الأصول لست طبقات من كبار طلاب الأزهر الشريف.
وكان في كلِّ مرة من هذه المرات الست، يتخرج من درسه الجم الغفير من العلماء، حتى زاد عدد الرسميين منهم على ثلاثمائة، من بينهم أكثر الجالسين على منصات التدريس في العلوم العالية، والقابضين على زمام المحاكم الشرعيَّة، والمديرين لدفة المعاهد الدينيَّة.
عضويته بالجامع الأزهر
وتولى الشيخ الجيزاوي عضوية مجلس إدارة الأزهر مرتين، الأولى في عهد مشيخة الشيخ البشري الأولى، وكان ذلك في ربيع الأول سنة 1317هـ/ أغسطس سنة 1899م، والأخرى في 9 من ذي القعدة سنة 1324هـ/ 24 من ديسمبر سنة 1906م وكان ذلك في أواخر مشيخة الشيخ عبد الرحمن الشربيني.
ثم عُيِّن وكيلًا للأزهر الشريف في 18 صفر 1326هـ/ مارس 1908م، وفي 9 ربيع الآخر 1327هـ/ 29 أبريل 1909م تم تعيينه شيخًا لعلماء الإسكندريَّة بدلًا من الشيخ محمد شاكر الذي تم تعيينه وكيلًا للجامع الأزهر .
نال الشيخ الجيزاوي عضويَّة هيئة كبار العلماء في تشكيلها الأول عام 1329هـ/1911م.
وفي 14 من ذي الحجة 1335هـ/ أول أكتوبر 1917م عُيِّن الشيخ الجيزاوي شيخًا للجامع الأزهر والمعاهد الدينيَّة، ثم أضيفت إليه مشيخة السادة المالكيَّة وكان ذلك في 20 صفر 1336هـ/ 5 ديسمبر 1917م.
وفاته
وبعد رحلة عمريَّة قاربت الثمانين عامًا، كانت حافلة بالعطاء موَّارة بالأحداث، أسس فيها الشيخ الجيزاوي لنشأة الجامعة الأزهريَّة، فضلًا عن مؤلفات علميَّة رصينة، لقى الشيخ ربه في 15محرم 1346هـ الموافق 14 يوليو 1927م، في القاهرة، ودفن بها، وبقي منصبه شاغرًا مدة سنة تقريبًا إلى أن تولى مشيخة الأزهر الشيخ المراغي رحمه الله رحمة واسعة، وأنزله منازل الأبرار.