رئيس جامعة الأزهر يستعرض إعجاز القرآن الكريم في وصف تعاقب الليل والنهار

إعجاز القرآن الكريم هو مفهوم يعبر عن الفاعلية الفائقة والتفوق غير العادي الذي يتمتع به القرآن الكريم من حيث البلاغة، والأسلوب، والمحتوى، والإخبار بالغيب، والعلوم، وكذلك الجوانب التشريعية. يُعتبر القرآن الكريم المعجزة الكبرى التي تحدى بها الله سبحانه وتعالى البشرية أن تأتِ بمثله أو حتى بعشر سور من مثله، مما يجعله معجزة خالدة عبر الزمان.
أبرز جوانب إعجاز القرآن الكريم:
-
الإعجاز البلاغي واللغوي:
- يتميز القرآن الكريم بلغة فصيحة وسامية، تتسم بالبلاغة والعمق اللغوي الذي يعجز البشر عن محاكاته. القرآن يجمع بين الجمال البلاغي والدقة في التعبير، ويستخدم أساليب متنوعة من التشبيه، والاستعارة، والمجاز، وغيرها.
- تحدى القرآن العرب في زمانه الذين كانوا فصحاء في اللغة بأن يأتوا بمثله، ولكنهم عجزوا عن ذلك.
-
الإعجاز العلمي:
- القرآن الكريم تطرق إلى العديد من الحقائق العلمية التي لم تكن معروفة في عصر نزوله، وأصبحت هذه الحقائق مؤكدة بعد تقدم العلم واكتشافات العلماء. على سبيل المثال، تحدث القرآن عن تكوين الجنين في رحم الأم، ودورة المياه، والظواهر الكونية مثل الجاذبية، وغيرها.
- الآيات التي تتحدث عن الفضاء، مثل قوله تعالى: "وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ" (الذاريات: 47)، تشير إلى حقيقة توسع الكون التي اكتشفها العلماء حديثًا.
-
الإعجاز التشريعي:
- يُعتبر القرآن الكريم مصدرًا رئيسيًا للتشريع الإسلامي، وهو يحتوي على قوانين وأحكام تشمل كل جوانب الحياة البشرية من عبادات، معاملات، أخلاق، وحقوق الإنسان. هذه الأحكام تتسم بالعدل والمرونة، وتهدف إلى تحقيق رفاهية الإنسان.
- التشريعات القرآنية تتماشى مع فطرة الإنسان وضروريات الحياة، مما يجعلها صالحة لكل زمان ومكان.
-
الإعجاز في الأخبار بالغيب:
- القرآن الكريم أخبر عن أحداث غيبية ستحصل في المستقبل وحدثت بالفعل بعد نزول الوحي. مثلما وقع حادث الإسراء والمعراج، وأحداث غزوة بدر، وغيرها من الغيبيات التي تحقق في ما بعد.
- من الأمثلة البارزة على هذا الإخبار هو قوله تعالى: "لَقَدْ صَدَقَ اللَّـهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّـهُ آمِنِينَ" (الفتح: 27)، التي تحققت في صلح الحديبية ودخول المسلمين مكة بعد سنوات من ذلك.
-
الإعجاز في حفظ القرآن الكريم:
- من معجزات القرآن أنه محفوظ من التغيير والتبديل منذ نزوله، على الرغم من مرور أكثر من 1400 عام على نزوله. وقد تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظه في قوله: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" (الحجر: 9).
- هذا الحفظ يشمل النص القرآني بمحتوياته من سور وآيات، بالإضافة إلى المعاني التي تبقى ثابتة على مر العصور.
-
الإعجاز في التحدي:
- القرآن الكريم تحدى البشر بأن يأتوا بمثله، بل ولو بعشر سور من مثله، ومع مرور الوقت لم يتمكن أحد من القيام بذلك، رغم محاولات عديدة.
- هذا التحدي يُعتبر دليلًا على عظمة القرآن الكريم ومصدره الإلهي.
وإعجاز القرآن الكريم ليس مقتصرًا على جانب واحد، بل يشمل العديد من الجوانب التي تبرهن على أنه ليس كلام بشر، بل هو وحي من الله تعالى.
وفي هذا السياق أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن القرآن الكريم يتميز بإعجاز بلاغي لا نظير له، ومن ذلك ما ورد في قوله تعالى: "وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون" (يس: 37)، موضحا أن لفظ "نسلخ" المستخدم في الآية الكريمة يعكس دقة متناهية في التعبير، حيث يصور زوال ضوء النهار عن الليل بأسلوب فريد.
وأضاف الدكتور سلامة داود، خلال حلقة برنامج “بلاغة القرآن والسنة”، اليوم الخميس، أن "السلخ" في اللغة يُستخدم لوصف إزالة الجلد عن اللحم، كما يحدث عند ذبح الشاة، وهو ما يعكس التدرج في إزالة النهار شيئًا فشيئًا حتى يحل الظلام، في مشهد كوني مذهل. وتابع قائلاً: “لو استُبدل هذا اللفظ بكلمات مثل 'نذهب' أو 'نزيل' أو 'نمحو' لاختل المعنى البلاغي، إذ إن الظلام لا يأتي دفعة واحدة، بل ينسحب تدريجيًا، تمامًا كما يتم سلخ جلد الشاة عن جسدها.”
وأشار رئيس جامعة الأزهر إلى أن هذه الاستعارة الفريدة لم ترد إلا في هذا الموضع من القرآن، في حين استخدمت ألفاظ أخرى مثل "يولج" و"يكور" في مواضع مختلفة لتصوير إدخال الليل في النهار والعكس، لكن لفظ "نسلخ" يحمل دلالة خاصة على عملية انتزاع النهار من الليل ببطء، مما يجسد إعجازًا لغويًا وبلاغيًا رائعًا يستوجب التدبر والتأمل.
وشدد الدكتور سلامة داود على أن هذه الآية الكريمة تعكس عظمة القرآن الكريم في وصف الظواهر الكونية بأسلوب معجز، داعيًا الجميع إلى التفكر في آيات الله والتدبر في معانيها.