روسيا وإيران تُفعّلان شراكة استراتيجية وسط تصاعد المواجهة مع الغرب

في خطوة تُعدُّ تحولاً استراتيجياً لافتاً في خارطة التحالفات الدولية، وقَّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قانوناً يُصادق بموجبه على معاهدة الشراكة الاستراتيجية الممتدة لعشرين عاماً مع إيران، مؤكداً بذلك انخراط البلدين في مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية تتسم بعمق غير مسبوق في مجالات الدفاع، والأمن، والاقتصاد.
وتأتي هذه الخطوة بعد إعلان مشترك في يناير الماضي بين بوتين ونظيره الإيراني آنذاك، مسعود بزشكيان، أكدا فيه أن الاتفاقية تُدشّن مرحلة جديدة من التعاون "الشمولي"، تشمل التنسيق العسكري، وتبادل الخبرات الأمنية، وتكثيف التدريبات المشتركة، إضافة إلى تطوير المشاريع الاقتصادية المشتركة بعيداً عن الهيمنة الغربية.
من الشراكة الاقتصادية إلى المحور الأمني
تكشف الوثيقة التي نشرها الكرملين أن جوهر الاتفاق يتمحور حول تطوير التعاون العسكري، بما في ذلك التدريبات المشتركة بين القوات الروسية والإيرانية، وهو تطور يُثير قلق العواصم الغربية، خاصة أن كلا البلدين يواجهان عزلة دولية متزايدة بفعل العقوبات المفروضة عليهما.
ويعكس هذا التقارب تقاطع المصالح الجيوسياسية بين موسكو وطهران، في ظل تحوُّل النظام الدولي إلى ما يشبه الاستقطاب الجديد، حيث تسعى القوى المعزولة غربياً إلى بناء تكتلات بديلة، تُعيد تشكيل موازين القوى على الساحة الدولية.
تحالف الضرورة أم استراتيجية طويلة الأمد؟
تأتي المصادقة الروسية على المعاهدة في وقت يشهد العالم تصعيداً غير مسبوق في الصراعات، بدءاً من الحرب الروسية الأوكرانية التي أعادت الحرب الباردة إلى الواجهة، مروراً بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني الذي يهدد بانفجار إقليمي، وصولاً إلى ازدياد التوتر في مضيق هرمز والبحر الأحمر، حيث لإيران نفوذ واسع من خلال وكلائها الإقليميين.
ويوحي توقيت المعاهدة بأنها ليست مجرد اتفاق ثنائي، بل هي ردٌّ استراتيجي على سياسات العزل والعقوبات الغربية، خصوصاً من جانب الولايات المتحدة. فكلا البلدين يسعى لإعادة تعريف موقعه في النظام الدولي من خلال بناء تحالفات مضادة، وخلق شبكات نفوذ تمتد من وسط آسيا إلى الشرق الأوسط.
الرسائل المبطنة.. ماذا تريد روسيا من إيران؟
يبدو أن موسكو، في ظل استنزافها في أوكرانيا، تسعى إلى دعم إمداداتها من الطائرات المسيّرة والتكنولوجيا الإيرانية التي أثبتت فعاليتها في ميدان الحرب. في المقابل، ترى طهران في روسيا حليفاً نووياً وسياسياً يُمكنه كسر العزلة الغربية عنها، لا سيما مع تعثر مفاوضات الملف النووي، وتزايد التهديدات الإسرائيلية بضربة استباقية.
كما تسعى إيران للاستفادة من خبرات روسيا في مجالات الدفاع الجوي والصاروخي، وربما حتى في برامجها الفضائية والعسكرية، مما قد يُثير مزيداً من التوتر مع واشنطن وتل أبيب.
مخاوف إقليمية ودولية.. تحالف يتحدى النظام العالمي
يرى مراقبون أن هذه المعاهدة تُشكل تحدياً مباشراً للنظام الدولي القائم، وتُعمّق من مخاوف الغرب من نشوء محور جديد معادٍ، يُعيد تشكيل توازنات القوى في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. كما أن التعاون العسكري بين بلدين يواجهان اتهامات بانتهاك قرارات مجلس الأمن الدولي قد يفتح الباب أمام مزيد من المواجهات غير المباشرة، عبر ساحات النزاع الممتدة من أوكرانيا إلى سوريا واليمن.
شراكة ما بعد العزلة
تحالف روسيا وإيران لم يعد خياراً تكتيكياً مؤقتاً، بل يبدو أنه يندرج ضمن استراتيجية طويلة الأمد لإعادة رسم خريطة العلاقات الدولية من خارج الإطار الغربي التقليدي. وفي عالمٍ يزداد انقساماً، فإن توقيع هذه المعاهدة ليس مجرد حدث دبلوماسي، بل مؤشر على تغيُّر قواعد اللعبة الجيوسياسية في القرن الحادي والعشرين.