حلم الدينار الذهبي الإسلامي.. رؤية لمستقبل اقتصادي مشرق يُعيد أمجاد الأمة (تقرير)
- خبراء اقتصاديون لـ«اتحاد العالم الإسلامي»: الدينار قوة عالمية للدول الإسلامية
- الدكتور عادل عامر: العملة الإسلامية تحررنا من هيمنة الدولار وتخلق قوة اقتصادية
- الدكتور أبو بكر الديب: سك الدينار الذهبي سيكون له قوة أكبر من الأسلحة النووية
- الدكتور محمد صاديق يكشف معوقات تحول دون إصدار الدينار الذهبي الإسلامي
- الدكتور جميل تعيلب: منظمة التعاون الإسلامي 58 دولة وهي قاطرة الدينار الذهبي
حلم الدينار الذهبي الإسلامي.. تعد فكرة سك عملة نقدية موحدة للعالم الإسلامي من الأفكار التي طرحت مرارًا على موائد المناقشات الإسلامية، وطالبت بها العديد من شعوب الدول العربية والإسلامية؛ كونها فكرة جديرة بالدراسة والتحليل من أجل تنفيذها على أرض الواقع.
وفكرة وجود دينار إسلامي موحد، طرحها القائد ورئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد عام 1997، بديلًا عن الدولار الأمريكي، ووسيلة تبادل مالي في المعاملات التجارية الدولية بين الدول الإسلامية، لكن لم يكتب النجاح للفكرة بسبب الضغوط الدولية لثنيه عنها.
ومن قبل مهاتير محمد، كان هناك البروفيسور عمر إبراهيم فاديلو رئيس دار سك العملات الإسلامية، ومؤسس شركة الدينار الإلكتروني في دبي، ومؤسس منظمة المرابطين الدولية التي أسست عام 1983 في جنوب إفريقيا ولها انتشار واسع في جنوب إفريقيا وأوروبا.
وتشير منظمة المرابطين الدولية، إلى أن وحدة العالم الإسلامي لا يمكن تحقيقها إلا بالعمل الاقتصادي الموحد، حيث كانت أبرز مشروعات الوحدة الاقتصادية التي تسعى إليها المنظمة هو قيام السوق الإسلامية المشتركة بعملة موحدة هي الدينار الذهبي الإسلامي، والذي ظل مستخدمًا وسط أعضاء منظمة المرابطين، ويأملون أن يحل الدينار الذهبي الإسلامي محل الدولار الأمريكي الذي هيمن كعملة رئيسية في العالم.
أول دينار إسلامي في دبي
وصدر أول دينار ذهبي إسلامي في العصر الحديث في عام 1992، وذلك بوزن يعادل 4.25 جرامات من الذهب عيار 22، وفي نوفمبر 2001 تم طرح مجموعة من الدنانير الذهبية بوزن 4.25 جرامات ذهب عيار 22، كما طرحت مجموعة أخرى من الدراهم الفضية بوزن 3 جرامات من الفضة الخالصة، بغرض التداول في دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك بالتعاون بين مجموعة مؤسسات هي: دار سك العملات الإسلامية باعتبارها جهة الإصدار؛ وشركة الإمارات جولد التي تولت عملية السك؛ ومجموعة الرستماني للصرافة التي تقوم بترويج تداول الدينار وتبديله، بينما قدم مصرف الإمارات المركزي التسهيلات الفنية والقانونية لإعادة سك هذه العملات والموافقة على تداولها.
وقبل أن يظهر الدولار الذي بات المهيمن على اقتصاد العالم في الوقت الراهن كان للمسلمين تراث في استخدام النقود حتى الخلافة العثمانية، فقد استخدمت أثناء حياة النبي محمد القطع الذهبية البيزنطية، والدراهم الفضية الساسانية، وكذلك في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه حيث وضعت الدولة الإسلامية بصماتها على العملات رغم الإبقاء على أسماء جهة السك والتاريخ الروماني المنقوش على القطع المعدنية، وذلك من خلال ضرب الدراهم الفضية على الطريقة الكروية، ووضع معيار النقدين على أساس 1.43 درهم فضي لكل دينار ذهبي، فضلا عن إضافة عبارات إسلامية، مثل: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله ، الحمد لله ).
وعند توليِّ سيدنا عثمان بن عفان، الخلافة تم النقش على الدراهم الساسانية عبارة (الله أكبر، بسم الله). وقد تداولت نقود البيزنطيين في الفترة الإسلامية الأولى حتى تولى عبد الملك بن مروان الخلافة خلال العهد الأموي (65-86هـ/ 684-705م) والذي أصدر أمرًا بضرب مصكوكات إسلامية خالصة؛ حيث قام الحجاج بن يوسف الثقفي بأمر الخليفة في سنة 66هـ بضرب أول درهم إسلامي من الفضة الخالصة منقوش عليه: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له).
وتم الحفاظ على شكل الدينار الذهبي طوال العهود الإسلامية إلى زمن الخلافة الإسلامية العثمانية التي كان لها قطعها من الدينار الذهبي والدراهم الفضية الإسلامية، ولكن مع أوائل القرن التاسع عشر حتى بداية الحرب العالمية الأولى، كانت لندن هي المستقر العالمي للعملات الدولية، وبالتالي مركز الثقل للمبادلات التجارية والتحويلات المالية الدولية، وذلك لتمتع بريطانيا بما لديها من ذهب إلى جانب احتلالها لمناطق كثيرة في العالم.
ويرى الخبراء الاقتصاديون أن نجاح الدينار الذهبي المقترح كعملة إسلامية موحدة يرتبط بحجم الإقبال من جانب الدول التي ترغب في التعامل به كعملة رئيسية في التبادل التجاري الدولي. وهناك عدد من الفوائد التي تتحقق من التعامل بهذه العملة، والتي تتمثل في أن الدول ليست في حاجة إلى احتياطيات من العملات الأجنبية لإتمام المبادلات التجارية، وبذلك يكون الدينار الذهبي عملة نموذجية لتسهيل التجارة الدولية وزيادة حجمها وتقلل من عمليات المضاربة في العملات الورقية والتي أدت إلى أزمة العملات الآسيوية العام 1997، وأن وجود وحدة نقدية واحدة بين دول العالم الإسلامي سيزيد من حجم التبادل التجاري بين الدول الإسلامية، وسيساهم في زيادة النمو الاقتصادي إذا توفرت الشروط اللازمة لنجاح الدينار الذهبي الإسلامي.
قوة اقتصادية ضخمة
الدكتور عادل عامر مدير مركز المصريين للدراسات الاقتصادية والسياسية، يقول: إن العالم الآن يشهد تكتلات إقليمية اقتصادية لخلق تبادل للمصالح وخلق قوة اقتصادية وهو ما اتبعته الدول الصناعية الكبرى لتوفير بيئة ملائمة لنموها الاقتصادي وخلق التكيف المطلوب مع متطلبات العولمة والتحرر الاقتصادي من هيمنة الدولار، وترابط المصالح بين الدول، والدول الإسلامية في مجموعها هي بلدان نامية تعاني من التخلف الاقتصادي والتبعية بمعدلات نمو منخفضة نسبيا ومشكلات اقتصادية طاحنة في الغالب الأعم مما جعلها سوقا جيدة لمنتجات الدول الصناعية الكبرى ومصدرًا للمواد الأولية.
ويردف: إن العملة الإسلامية الموحدة تستهدف تقليص هيمنة الدولار عن طريق استخدام الذهب كعملة أساسية في العالم بدلا من الدولار، خصوصا وأن الذهب قيمتها مستقرة على عكس العملات الورقية، مشيرا إلى أن الوحدة النقدية الموحدة سواء كبديل عن العملات المحلية أو إلى جانبها ستؤدي إلى تحول الفوائض المالية إلى دول العجز المالي، وتقوي من مركز العالم الإسلامي ككتلة تجارية واقتصادية واحدة أمام الكتل والتجمعات الاقتصادية الدولية.
وأكد عامر، أن في حال وجود الدينار الإسلامي الموحد فسوف ، يتم الاستغناء عن الاحتياطات من العملات الأجنبية وتوحيد الجهود نحو هذه العملة الموحدة النموذجية وبالتالي تخفيف إجراءات التبادل التجاري في إطار التجارة البينية، مع التقليل من عمليات المضاربة في العملات التقليدية الورقية، وذلك لأن قيمة الذهب ثابتة ما يساهم في الاستقرار الاقتصادي وتجنب التضخم، هذا بجانب إلى المساعدة في حجم التبادل التجاري في العالم الإسلامي وزيادة فرص النمو الاقتصادي والتركيز على السلعة.
وأكمل: الأمة الإسلامية تواجه تداعيًا من الأمم عليها بشتى الوسائل والأسلحة ولهذا التداعي أثارة الراهنة على نمو وتطور الأمة وليس المخرج إلا بالوقوف في وجه المخططات المعادية التي تستهدف العالم الإسلامي وأول خطوات المواجهة الانعتاق من التبعية الاقتصادية ومحاولة خلق اقتصاد تكاملي وخلق وحدة اقتصادية قادرة على الوقوف في وجه القوى المعارضة التي عدائها للإسلام هو عداء تاريخي تأصلت جزوره منذ مئات السنين ،وليست التحالفات والاتفاقات إلا وجها مزيفا للحقيقة فالأمة الإسلامية الآن كيان ضعيف أما الكيانات المعادية وليس للأمة الإسلامية ألا أن تشحذ أسلحتها المتاحة وتعمل على خلق أسلحة جديدة وأول هذه الأسلحة خلق قوة اقتصادية.
كسر هيمنة أمريكا
ومن جهته يؤكد الدكتور أبو بكر الديب الخبير الاقتصادي، أن فكرة سك الدينار الذهب الإسلامي مهمة ويمكن أن تحدث نقلة في النظام الاقتصادي الدولي ويساهم ذلك في كسر الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي وخلق اقتصاديات إسلامية قوية فالعالم الإسلامي يحتل 16.7% من مساحة العالم و20 % من سكان العالم ويبلغ عدد الدول الإسلامية حوالي 57 دولة وستعمل علي زيادة التجارة البينية بين الدول الإسلامية من حيث الصادرات والواردات، وستساعد في إزالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية ونقص التمويل التجاري والحواجز المؤسسية وقصور البيانات الأساسية.
ويمتلك العالم الإسلامي العديد من المقومات الاقتصادية والثروات والموارد البشرية مما يؤهله لتكوين هياكل إنتاجية ضخمة وسوقا واسعا للتبادل المشترك مما يحسن مستوى الأداء الاقتصادي لهذه الدول كما يساهم في خلق مشروعات إنتاجية ضخمة تؤدي إلي حدوث وفورات في الإنتاج كواحدة من التكتلات الاقتصادية الدولية.
وأضاف الديب، أن وجود عملة إسلامية موحدة، ستكون بمثابة قوة ناعمة تفوق قوة الحروب والأسلحة النووية، وتحفظ للشعوب قيمة أموالهم في أيديهم إلى قيام الساعة وستكون مقبولة داخل وخارج العالم الإسلامي، لافتا إلى أنه إذا قام الحكام العرب والمسلمين بهذا وتساندهم فيه الشعوب لتغيرت القوى الاقتصادية في العالم لصالح العالم الإسلامي.
توحيد العملة والقوة الاقتصادية
ويرى المفكر الاقتصادي الدكتور محمد السيد صادق مدير المركز العربي للدراسات السياسية، أن فكرة توحيد عملة نقدية للعالم الإسلامي، هو حلم نسعى إليه جميعا وهو مطلب عام من قبل الشعوب العربية أو الشعوب الإسلامية، كونه مطلب سيعمل على توحيد الصف العربي من ناحية ، وتقوية الاقتصاد الإسلامي، بشكل عام، هذا من الناحية النظرية ولكن من الناحية العملية والتطبيقية، فهناك معوقات وتحديات تقف أمام تحقيق هذا المطلب المهم والثمين للاقتصاد العربي والإسلامي.
وأفاد صادق، بأن المعوقات أمام سك الديناؤ الذهبي تتمثل في أن هناك تباينًا واضحًا بين اقتصادات الدول الإسلامية، والدول العربية؛ فهناك دولًا إسلامية تعيش طفرة اقتصادية كبيرة وهناك دولًا إسلامية أيضا تعيش في محنة اقتصادية، خاصة أن هناك إشكاليات في هياكل بعض اقتصاديات الدول الإسلامية، لافتًا إلى تجربة الاتحاد الأوربي في مسألة توحيد العملة ، وأن يكون اليورو هو وحدة التعامل بين الشعوب الأوروبية أخذت جهود ووقت طويل ولكن نجحوا في النهاية.
واعتبر مدير المركز العربي للدراسات السياسية، أن البعد السياسي له تأثير كبير لعدم تنفيذ هذا المطلب، كون هناك العديد من الدول العربية والإسلامية بها العديد من الإشكاليات الكبير في اقتصادها.
وأضاف، أن هناك حلولًا للوصول إلى توحيد عملة إسلامية موحدة فالحل يكمن في التعاون المثمر بين الدول العربية والإسلامية من أجل إصدار عملة واحدة، مشيرًا إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي كان لهم عد محاولات لتوحيد العملة في الخليج والتي كانت من الممكن أن تكون بداية لتوحيد عملة إسلامية موحدة، ولكن هذه المحاولات مازالت في طي الأدراج ولم تخرج للنور، أو التنفيذ على أرض الواقع، بسبب تباين بين دول مجلس التعاون الخليجي.
منظمة التعاون الإسلامي البداية
ومن جهته أكد الدكتور جميل تعيلب الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، أن فكرة توحيد العملة للعالم الإسلامي، فكرة ليست وليدة اليوم، بل طالب بها العديد من خبراء الاقتصاد حول العالم الإسلامي، لإيمانهم الشديد بأهمية أن يكون هناك عملة موحدة تجمع العالم الإسلامي، وأن يكون للاقتصاد الإسلامي قوة كبيرة في العالم، لافتًا إلى أن منظمة التعاون الإسلامي يوجد بها ما يزيد عن 58 دولة إسلامية، مؤكدًا أنه لو خلصت النوايا والإرادة من أجل تحقيق هذا الهدف لتغيرت المعادلة العالمية لصالح عالمنا الإسلامي، وأصبح لنا كلمة لا يستهان بها عالميا، فالاقتصاد هو أقوى سلاح تعرفه البشرية في الوقت الراهن.
وطالب جميل، العالم الإسلامي بضروة التكاتف والوحدة الاقتصادية، والعمل على مزيد من التبادل التجاري والصناعي، وأن نكون قوة واحدة حتى نكون لها مكانة عالمية في ميدان الاقتصاد العالمي الذي يحكم العلم في الوقت الراهن.