عملية طوفان الأقصي ونجاح الصين وروسيا فى إبطال الحلمين الإسرائيلى الأمريكي
عملية طوفان الأقصى ونجاح الصين وروسيا فى إبطال الحلمين الإسرائيلى الأمريكى فى إقامة (ميناء بن غوريون والممر الهندى – الإسرائيلى) الموازى لمبادرة الحزام والطريق الصينية والبديل لقناة السويس المصرية وميناء غزة
تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية - أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
تأتى عملية "طوفان الأقصى" بقيادة حركة حماس فى مواجهة الإحتلال الإسرائيلى فى مصلحة الصين بالأساس ومشروعها للحزام والطريق، بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية مع كلاً من الهند وإسرائيل عن إنشاء (مشروع الممر الهندى - الأوروبى عبر إسرائيل) والذى يمر عبر ميناء حيفا فى تل أبيب، كبديل محورى لمبادرة الحزام والطريق الصينية وقناة السويس المصرية، لذا تأتى الحرب الإسرائيلية الخفية لتهجير أهالى قطاع غزة إلى الحدود الشمالية بالقرب من معبر رفح الحدودى مع مصر، لسبب جوهرى وخطير، ألا وهو محاولة إسرائيل الإستيلاء على ميناء غزة الفلسطينى، لربطه مباشرةً بالممر الهندى المزعوم بقيادة واشنطن لضرب وتقييد وتحجيم كلاً من الصين عبر ضرب وتحجيم مشروعاتها فى طريق الحزام والطريق، ثم لتقييد حركة قناة السويس المصرية، بإنشاء ممر إقتصادى بديل يتمثل فى هذا الممر الهندى، والذى تحدث عنه لأول مرة علانية رئيس الوزراء الهندى "ناريندرا مودى" صراحةً فى خطاب إذاعى، معلناً أهميته وخطورته الدولية، مصرحاً، بأن "هذا الممر الهندى الجديد، والذى تم الإعلان عنه على هامش قمة مجموعة الـ ٢٠ فى نيودلهى، سيصبح هو أساس حركة التجارة العالمية لمئات السنين القادمة".
حيث يعد (مشروع الممر الهندي الأوروبى) أول رد فعل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وحلفاؤهم الغربيين، لإستخدام البنية التحتية في مواجهة وإحتواء بصمة النفوذ الصينى المتنامية حول العالم، فضلاً عن محاولة الضغط على مصر إستخباراتياً وجيوسياسياً عبر قناة السويس كأهم ممر مائى حول العالم، عبر محاولة خلق ممر مائى بديل يمر ويعبر عبر إسرائيل وتكون متحكمة فى كافة مفاتيحه وممراته الدولية. لذا، أطلقت مجموعة الدول السبع والولايات المتحدة الأمريكية مشروع (شراكة من أجل البنية التحتية العالمية والإستثمار) في عام ٢٠٢٢، بهدف تعبئة ٦٠٠ مليار دولار في مشاريع البنية التحتية العالمية بحلول عام ٢٠٢٧، ويعد مشروع البوابة العالمية، بمثابة رد من الإتحاد الأوروبى كحليف للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على مبادرة الحزام والطريق الصينية. وهذا (الممر الهندي الأوروبى الذى سيمر عبر إسرائيل) سيعد منافساً حقيقياً لقناة السويس المصرية، والتى تعد بمثابة الممر المائي المستخدم لنقل البضائع بين مومباى فى الهند وأوروبا. ومن هنا جاءت أبرز التعليقات العالمية حول هذا الممر الهندى الأوروبى، والذى يمر عبر إسرائيل ذاتها، من خلال الخبير الإقتصادى الهندى المعروف "سواميناثان أيار" في عموده بصحيفة "تايمز أوف إنديا"، بتأكيده على أنه: "بقدر ما يعمل الممر الهندى على تحسين علاقاتنا مع الإمارات والسعودية، فإنه سيضر كثيراً بعلاقاتنا فى الهند مع مصر".
ومن هنا أدركت الصين ومعها حليفتها الروسية مدى خطورة إنشاء هذا الممر الهندى على مصالحهما الدولية ولا سيما الإقتصادية، ومصالح حليفتهما المصرية فى قناة السويس. لذا كانت عملية "طوفان الأقصى" فى مصلحة كلا البلدين ثم لمصلحة مصر أيضاً وكافة بلدان المنطقة، لتخويف العالم كله من الإقتراب أو إقامة أى مشاريع إقتصادية أو ممرات مائية أو بحرية دولية كبيرة بهذا الحجم فى دولة الإحتلال الإسرائيلى، خشية من عوامل عدم الإستقرار السياسى والعسكرى والإستراتيجى فى تل أبيب. لذا، باتت كافة الدوائر الإستخباراتية والأمنية فى الصين وروسيا تترقبان خطوة بخطوة مدى تطورات ونجاح عملية "طوفان الأقصى" فى إشاعة حالة من عدم الإستقرار بالنسبة لإسرائيل، وبالتالى إبطال مشروعها الخطير الموازى لقناة السويس المصرية ولمبادرة الحزام والطريق الصينية، عبر هذا "الممر الهندى"، الذى قضى على آمال إنشاؤه المزعوم، بسبب ما خلفته عملية "طوفان الأقصى" دولياً من عدم إستقرار سياسى وأمنى وإقليمى ودولى بالنسبة لإسرائيل، وهو ما نجحت كلاً من بكين وموسكو فى الإستفادة منه بشكل تام.
ومن هنا، يمكننا التأكيد وبصراحة وفهم أسباب هذا التأييد الصينى الروسى الصامت لما فعلته حركة حماس ببدء عملية "طوفان الأقصى" فى مواجهة جيش الإحتلال الإسرائيلى لضرب وتقييد وتحجيم مصالحه، وتصدى الصين وروسيا لكافة مشاريع القرارات الأمريكية والإسرائيلية والغربية فى مجلس الأمن الدولى والأمم المتحدة لتصنيف حماس كمنظمة إرهابية، بعد أن نجحت عملية "طوفان الأقصى" وحرب غزة تماماً فى عرقلة مساعى إسرائيل لأن تصبح مركزاً عالمياً للتجارة الدولية، خاصةً بعد هذا النشاط الإسرائيلى الملحوظ فى السنوات الأخيرة لإقامة ممرات برية وشبكات سكك حديدية، لتمهيد الطريق أمام السلام الإقتصادى من وجهة نظر تل أبيب، وللتمهيد لكى تصبح إسرائيل مركزاً تجارياً لأوروبا مع غرب آسيا فى مواجهة مصالح مصر والصين وروسيا.
لذا تضافرت كلاً من الصين وروسيا سوياً لعرقلة وإبطال هذا الحلم الإسرائيلى فى مواجهتهما ومواجهة حليفتهما المصرية، برفض الدعوى الأمريكية والإسرائيلية والغربية الدولية لتصنيف حماس كمنظمة إرهابية، وإعتبارها كمحور للمقاومة الفلسطينية المشروعة، إدراكاً منهما بأن حركة حماس قد نجحت فعلياً فى تحقيق مصالحهما بشكل تام فى إضعاف الجانب الإسرائيلى ومعه الأمريكى إقتصادياً وأمنياً وسياسياً وعسكرياً وجيوسياسياً، بل ومن كافة النواحى، مما تمخض ونتج عنه فى نهاية المطاف فى (إبطال الحلم الإسرائيلى لتمرير وإنشاء ميناء بن غوريون على أنقاض ميناء غزة الفلسطينية وقناة السويس المصرية، وبالتالى تمرير وإنشاء هذا الممر الهندى الأوروبى الذى سيمر عبر إسرائيل).
ونجد هنا بأن الهدف الأساسي للدبلوماسية الروسية والصينية يتمثل في إضعاف النظام العالمى الغربى بقيادة واشنطن، مع دعم وتأييد الرؤية التي ترى أنه من الضروري إنشاء نظام عالمى بديل بدلاً من النظام الحالى القائم الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها الظالمة حول العالم، وهو المشروع الذي يتقاسمه معها بشكل خاص حلفاؤها الإيرانيون والكوريون الشماليون وكافة بلدان المنطقة فى الشرق الأوسط. ومن هنا، فمنذ بداية عملية "طوفان الأقصى"، وقفت روسيا والصين مع الفلسطينيين في تصريحاتهما، وإعتبرتا سوياً ما حدث فى ٧ أكتوبر، هو نتيجة حتمية لسياسات الحكومات الإسرائيلية، وتحديداً حكومة "بنيامين نتنياهو" المتطرفة بحق الفلسطينيين. وتعرضت الصين وروسيا لإنتقادات غربية على خلفية عدم إدانتهما الصريحة لحركة حماس وعدم ذكرها بالإسم في بياناتهما، في حين كان إنتقادهما لإسرائيل واضحاً. كما جاءت بيانات وزارتى الخارجية الصينية والروسية، بأن ما تفعله إسرائيل يتجاوز حدود الدفاع عن النفس، ويجب على قادتها التوقف عن فرض عقاب جماعي على سكان غزة. كما أن لدى الرئيس الصينى "شى جين بينغ" هدفاً كبيراً يتمثل فى تحقيق رؤيته للصين كقائدة للجنوب، والذى يتكون من كافة الدول النامية والأفريقية والآسيوية والعربية والإسلامية، وهو ما يتيح له وضع نظام دولى جديد لصالح مصالح الصين في مواجهة واشنطن وحلفائها الغربيين.
كما بات الحضور الصينى بالأخص فى الشرق الأوسط بات جوهرياً بالنسبة لها سياسياً وإقتصادياً وإستخباراتياً واستراتيجياً بالأساس، لسعى بكين لتوظيف موقفها السياسى المنتقد لإسرائيل، لتقوية مبادرتها للحزام والطريق، على حساب الممر الإقتصادى الهندى الأوروبى الإسرائيلى الأمريكى، والذى ينطلق من الهند ويمر عبر إسرائيل، وهو ما يعد بمثابة إنحياز أمريكى كامل لحكومة "بنيامين نتنياهو" التى تضع آخر إهتماماتها موضوع السلام والتطبيع فى الشرق الأوسط، وهى الأرضية التى تنطلق منها مبادرة الممر الهندى الإسرائيلى المشترك برعاية أمريكية فى مواجهة الصين. حيث بات التخوف الأكبر بالنسبة لبكين هو نجاح الولايات المتحدة الأمريكية عبر حليفتها الإسرائيلية فى تمرير مشروع الممر الهندى عبر تل أبيب، وإقامة "ميناء بن غوريون" على أنقاض ميناء غزة بعد طرد سكانه منه، وهو ما تحاول الصين منعه بشتى الطرق والوسائل، من خلال ضرب كافة تلك التحالفات الأمريكية الجديدة فى مواجهتها، سواء العسكرية أو الإقتصادية والتنموية، وهى تلك التى تعقدها واشنطن لإحتواء وتقييد نفوذ وتمدد الصين، والتى يأتى أهمها فى الشرق الأوسط متمثلاً فى (مشروع الممر الهندى الشرق أوسطى الأوروبى عبر إسرائيل"، والذى يعد بمثابة نواة لمشاريع أكبر برعاية أمريكية بالأساس، تستهدف إيجاد طرق ومشاريع بديلة ومشاريع بعيداً عن مشروعات مبادرة الحزام والطريق الصينية.
لذا، فإن ما يجرى فى غزة فى الوقت الحالى بعد عملية "طوفان الأقصى" ومع توقع طول أمد الحرب، يفقد ثقة الأطراف الأوروبية والشرق أوسطية والهند، فى إمكانية نجاح هذه المشاريع، أو أن تتم عبر إسرائيل بالأساس نظراً لوضعها الأمنى والعسكرى غير المستقر، وهو ما يصب فى مصلحة الصين بالأساس وحليفتها الروسية بالطبع. لذا ومن وجهة نظرى يأتى الهدف الأساسى والمحورى الآن بالبنسبة للصين وحليفتها الروسية فى تعطيل بل وإلغاء كافة كل تلك المشروعات الأمريكية، والهادفة لجعل الهند مقابل الصين فى إطار المنافسة الجيو- إقتصادية، والتى تقودها الولايات المتحدة الأمريكية فى مواجهة مشروعات الصينيين.
وهنا حاولت كلاً من الصين وروسيا الإستفادة من علاقتهما بمحور المقاومة أو الممانعة، والمقاوم لسياسات الإحتلال الإسرائيلى والهيمنة الأمريكية فى المنطقة، بقيادة إيران، لضرب هذا الحلم الإسرائيلى فى (إقامة ميناء بن غوريون والممر الهندى الأوروبى الذى سيمر عبر إسرائيل كبديلين لقناة السويس المصرية ولمبادرة الحزام والطريق الصينية). وهو ما أدى لتخوف الولايات المتحدة الأمريكية بعد إندلاع عملية "طوفان الأقصى" لدخول أطراف وميليشيات إقليمية مسلحة فى مواجهة إسرائيل، لذا جاء الحضور العسكري الأمريكى، كمحاولة لكبح جماح القوى المساندة لقطاع غزة، أى ما يعرف بمعسكر المقاومة، والذى يضم كلاً من (إيران وحزب الله اللبناني وأنصار الله اليمنية والمقاومة الإسلامية العراقية). ونجد بأنه رغم تحريك تلك القوات الأمريكية، إلا أنه لا تزال المقاومة الفلسطينية قادرةً على مواجهة الإحتلال الإسرائيلي، وكان هناك أكثر من ٧٠ هجوماً من أطراف المقاومة ضد القواعد الأمريكية والإسرائيلية.
كما بلغ التحدى الروسى مداه الأقصى لواشنطن وإسرائيل، من خلال إستقبال موسكو لوفد من قادة حركة حماس زار موسكو بعد بدء عملية "طوفان الأقصى" فى ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٣، وإلتقوا خلالها مع "ميخائيل بوغدانوف" مستشار الرئيس الروسى "بوتين" للشرق الأوسط. وهو ما وصفه الجانبين الإسرائيلى والأمريكى بكونه حدث صادم وزيارة مؤلمة بالنسبة لها وتم إدانتها من قبلهما. ومن جانب آخر وبعد حرب غزة، بدأت هناك سياسة إعلامية ثابتة عبر وسائل الإعلام الروسية والصينية ببث تقارير تعكس وقوفهما إلى جانب الفلسطينيين وتظهر معاناة أهالى قطاع غزة وإستهداف المدنيين، على عكس الدعاية التى تقدمها وسائل الإعلام الغربية التي تدعم الإحتلال الإسرائيلى صراحةً وتنتهك حقوق الإنسان. وبناءً عليه، فقد إستفادت روسيا والصين من حرب غزة فى تعزيز نفوذهما فى الشرق الأوسط، كما إعتبرت روسيا بأن تلك الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة فرصة لتوجيه دعم الولايات المتحدة الأمريكية والغرب العسكرى من أوكرانيا إلى إسرائيل، وهو ما يشتت الإنتباه بعيداً عنها، كما إستفادت الصين كذلك بتقديم نفسها لبلدان الشرق الأوسط والدول العربية والإسلامية كصانعة للسلام مقابل فشل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها فى الغرب من تحقيق ذلك، بدعمهم السافر لإسرائيل، وهو ما نجحت فيه بكين وبشدة فى سياق منافستها المحتدمة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وبناءً على ذلك، تقدم الصين وروسيا، ومن خلال حرب غزة، صورة عن فشل الولايات المتحدة الأمريكية فى نظامها الدولي الظالم، وسياسة البلطجة التي تمارسها إسرائيل على دول المنطقة، ما يقدم الصين على أنها قوة بديلة وداعمة لدول الجنوب والعالم النامى.