من الأشهر الحُرُم.. ما فضل رجب وحكم صيامه وكيف تستقبله؟
ساعات قليلة تفصل الأمة الإسلامية عن استقبال أول أيام شهر رجب وهو من الأشهر الحرم. قال الله تعالى في سورة التوبة: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) سورة التوبة الآية 36.
ويعد الدعاء والذكر طاعة لله وامتثالًا لأوامره جل في علاه؛ ويقول الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
وروى الإمامان البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه، أن النبي قال: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ؛ ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرٌّ الَّذِى بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ".
وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على استحباب الصيام في الأشهر الحرم (ورجب من الأشهر الحرم) فقَالَ صلى الله عليه وسلم: (صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ) رواه أبو داود (2428) وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود، وهذا الحديث -إن صح- فإنه يدل على استحباب الصيام في الأشهر الحرم، فمن صام في شهر رجب لهذا، وكان يصوم أيضاً غيره من الأشهر الحرم فلا بأس، أما تخصيص رجب بالصيام فلا.
وتأتي الشهور الحرم بجانب شهر رمضان بفضل خاص، وتشمل:- ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب. وفي هذا السياق، يعد شهر رجب من أشرف الشهور.
وتعد الأسماء المتعددة لشهر رجب من إشارات تدل على شرفه وكماله في مجموعة من الأمور. وقد ذكر العلامة الفيروز آبادي في "بصائر ذوي التمييز" والعلامة ابن دحية الكلبي في "أداء ما وجب من بيان وضع الوضَّاعين في رجب" مجموعة من الأسماء لشهر رجب، مثل "الفرد" و"الأصم".
وتُظهر الأحاديث التي تناولت فضل شهر رجب بأنه شهر يستحق الاهتمام، حيث روى النسائي وغيره حديثًا عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال فيه: "يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ».
وتظهر مشابهة بين شهر رجب وشهر رمضان، حيث كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم رجب تمهيدًا للشهر الفضيل، وهو ما يعكس أهمية هذا الشهر وتشابهه بفضائل شهر رمضان.
فتوى شيخ الإسلام والفقهاء
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (25/290): "وأما صوم رجب بخصوصه فأحاديثه كلها ضعيفة، بل موضوعة، لا يعتمد أهل العلم على شيء منها، وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل، بل عامتها من الموضوعات المكذوبات. وفي المسند وغيره حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بصوم الأشهر الحرم: وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم. فهذا في صوم الأربعة جميعا لا من يخصص رجبا".
وقال ابن القيم رحمه الله: "كل حديث في ذكر صيام رجب وصلاة بعض الليالي فيه فهو كذب مفترى".
وقال الحافظ ابن حجر في "تبيين العجب" (ص11): "لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه ولا صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة"، كما قال الشيخ سيد سابق رحمه الله في "فقه السنة" (1/383): "وصيام رجب ليس له فضل زائد على غيره من الشهور، إلا أنه من الأشهر الحرم، ولم يرد في السنة الصحيحة أن للصيام فضيلة بخصوصه، وأن ما جاء في ذلك مما لا ينتهض للاحتجاج به".