سورة الجاثية
وصفت السورة الذين يعرضون عن آيات الله بالاستكبار والكبر الذي هو بطر الحق، وفي السورة يخبرنا الله عز وجل عن تكبر بني اسرائيل، فيقول عز وجل (ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات)، فضل عظيم حبا به الله بني اسرائيل، أعطاهم التوراة والانجيل والحكم بما فيهما، ورزقهم من كل ما سألوا الله فأعطاهم من الطيبات والاقوات والثمار والاطعمة وفضلهم على عالمي زمانهم، (فما اختلفوا) متى اختلفوا؟ لما عرفوا الحق وجاءهم انكروه ولم يريدوا اتباعه وآثروا الباطل، سبب هذا الاختلاف هو البغي بينهم والحسد والتكبر طلبا للرفعة والرئاسة، ان ربك يا محمد يحكم بين المختلفين من بني اسرائيل يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون في الدنيا، وفي هذا تحذير لهذه الأمة من أن تسلك مسلكهم.
شريعة كاملة
(ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون)، الله عز وجل جعل النبي صلى الله عليه وسلم على منهاج واضح من أمر الدين الذي أوحى له بالقرآن واوحى له بالسنة، لذلك يأمر الله نبيه باتباع الشريعة الحقة، وهذا امر لكل مؤمن، وفيه دلالة عظيمة على كمال هذا الدين وشرفه ووجوب الانقياد لحكمه وعدم الميل الى اهواء الكفرة والملحدين.
(إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا)، ان هؤلاء المشركين بربهم الذين يدعون الى اتباع اهوائهم لن يغنوا عنك يا محمد من عقاب الله شيئا ان اتبعت اهواءهم، ان الظالمين المتجاوزين حدود الله من المنافقين واليهود وغيرهم، بعضهم انصار بعض على المؤمنين بالله واهل طاعته، والله ناصر المتقين ربهم بأداء فرائضه واجتناب نواهيه.
الخير العظيم في كتاب الله
(هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون)، هذا القرآن فيه بصائر يبصر به الناس الحق من الباطل ويعرفون به سبيل الرشاد وهدى ورحمة لقوم يؤمنون بحقيقة صحته وانه تنزيل من الله العزيز الحكيم.
شتان بين الأبرار والفجار
(أم حسب الذين اجترحوا السيئات)، بل هل ظن الذين اكتسبوا السيئات وكذبوا رسل الله وخالفوا أمر ربهم وعبدوا غيره ان نجعلهم كالذين آمنوا بالله وصدقوا رسله وعملوا الصالحات وأخلصوا له العبادة دون سواه ونساويهم بهم في الدنيا والآخرة؟ ساء حكمهم بالمساواة بين الفجار والأبرار في الآخرة.
تحذير
(أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه)، أفرأيت يا محمد من اتخذ هواه إلها له فلا يهوى شيئا إلا فعله وأضله الله بعد بلوغ العلم إليه وقيام الحجة عليه، فلا يسمع مواعظ الله ولا يعتبر بها وطبع على قلبه فلا يعقل به شيئا، وجعل على بصره غطاء فلا يبصر به حجج الله؟ فمن يوفقه لإصابة الحق والرشد بعد اضلال الله إياه؟ لعلكم تذكرون أيها الناس فتعلموا ان من فعل الله به ذلك فلن يهتدي أبدا، ولن يجد لنفسه وليا مرشدا؟ وفي هذا تحذير من ان يكون الهوى هو الباعث للمؤمنين على اعمالهم. (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر)، الدهر بالنسبة لهم هو الزمن غير المتعلق بشيء، يرون ان الحياة ما هي الا حياتنا الدنيا التي نحن فيها لا حياة سواها، تكذيبا منهم بالبعث بعد الممات، وما يهلكنا إلا الأيام وطول العمر، إنكارا منهم ان يكون لهم رب يفنيهم ويهلكهم، وما لهؤلاء المشركين من علم بذلك ما هم إلا يتكلمون بالظن والوهم والخيال. (واذا تتلى عليهم آياتنا بينات)، الآيات العلامات الواضحة مبينة في نفسها ومبينة للخير والحق، ورغم ذلك انكروها، وما كانت حجتهم أي مطلبهم هو ليس مطلب بل هو تعنت بأن يبعث لهم آباءهم الذين هلكوا، يظنون انهم بذلك يعجزون الرسول صلى الله عليه وسلم، (قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة)، قل يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بالبعث: الله سبحانه وتعالى يحييكم في الدنيا ما شاء لكم الحياة ثم يميتكم فيها ويجمعكم جميعا أحياء الى يوم القيامة، لا شك فيه، ولكن اكثر الناس لا يعلمون حقيقة ان الله يحييهم بعد مماتهم.