خطيب الجامع الأزهر يوصي الشباب باتخاذ دروسا في التضحية والفداء من الهجرة النبوية
ألقي خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر أ.د ربيع الغفير، أستاذ اللغويات المساعد بجامعة الأزهر، ودار موضوعها حول "الهجرة النبوية وقفات وتأملات".
وأوضح الدكتور ربيع الغفير، أنه في الساعات القليلة المقبلة تهل علينا ذكرى عطرة تحتفل بها الأمة الإسلامية كلها وهي ذكرى بداية العام الهجري الجديد، والذي يذكرنا بحدث هو الأشهر من نوعه في تاريخ الإسلام، وهو حدث هجرة الحبيب المصطفي ﷺ من مكة إلى المدينة
وأكد أن الهجرة حدث فاصل في تاريخ الإسلام بين العهدين الرئيسيين، حتى إن علماء القرآن حين أرادوا أن يقسموا القرآن إلى مكي ومدني قسموا ذلك بحسب زمن النزول وجعلوا الهجرة هي الخط الفاصل، فما كان قبل الهجرة فهو مكي أياً كان مكان نزوله، وما كان بعد الهجرة فهو مدني حتى وإن نزل في جوف الكعبة، وجدير بالمؤمن أن يقف أمام نفسه في برنامج مراجعة دقيقة، ويتفكر في نعم الله عليه كما نفعل في برامج مراجعات وحسابات الدنيا.
واستشهد الدكتور ربيع الغفير بما روي عن رسول الله ﷺ حينما أراد أن يعلم أمته حين خطب في الناس يوماً وقال: "أيها الناس إن لكم معالماً فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم إن المؤمن بين مخافتين؛ بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه، وبين أجل قد بقى لا يدري ما الله قاضٍ عليه فيه. فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن حياته لموته، ومن الشبيبة قبل الكبر، فوالذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار.
وتابع خطيب الجامع الأزهر، أن الهجرة كانت الهجرة في شهر ربيع الأول، شهر مولد الحبيب محمد ﷺ، حين خرج من مكة غرة ربيع الأول في أول أيامه وظل يضرب في بطن الصحراء اثنتي عشرة ليلة، حتى وصل يوم الثامن إلى قباء وأقام بها أربع ليال، وأنشأ بها أول مسجد في الإسلام ثم أكمل طريقه إلى المدينة ودخلها في يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول، ولما جاء عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه واتسعت رقعة الدولة الإسلامية وكثرت الفتوحات الإسلامية في بلاد الفرس والروم وشتى بقاع الارض؛ أصبحت هناك حاجة ماسة إلى وجود تاريخ خاص بالمسلمين، ولم يكن باستطاعة سيدنا عمر رضي الله عنه أن يجعل بداية التقويم شهر ربيع الأول، فقد جاء الإسلام والعرب يعبثون بترتيبات الشهور فيما عرف تاريخياً بعملية "النسيء"، حيث كانوا يقدمون شهراً على شهر في الأشهر الحرم ليستمر القتال وليعبثوا بسنن الله في الكون، وجاء الإسلام فجعل هذا التعدي جريمة على سنن الله في كونه وحرمه القرآن الكريم.
واستشهد بقول الله سبحانه وتعالي: ﴿إِنَّمَا ٱلنَّسِىٓءُ زِيَادَةٌ فِى ٱلْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُۥ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُۥ عَامًا لِّيُوَاطِـُٔواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ ۚ زُيِّنَ لَهُمْ سُوٓءُ أَعْمَٰلِهِمْ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْكَٰفِرِينَ﴾،
وتابع وفي حجة الوداع في الخطبة العصماء التي رتلها الزمان في جميع عصوره وأرسي المعالم الأساسية للإسلام؛ وكان من ضمن ما قال فيها سيدنا رسول الله ﷺ "إنَّ الزَّمانَ قد استدار كهيئتِه يومَ خَلَق اللهُ السَّمواتِ والأرضَ، السَّنةُ اثنا عَشَرَ شَهرًا، منها أربعةٌ حُرُمٌ، ثلاثٌ متوالياتٌ: ذو القَعْدةِ، وذو الحِجَّةِ، والمحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بين جُمادى وشَعبانَ". فوضع النبي ﷺ هذه الخريطة وأرسي هذه المعالم. فلم يكن باستطاعة سيدنا عمر ولا غيره رضي الله عنه وأرضاه أن يقدم أو يؤخر في الشهور. غايه ما كان يستطيع أن يجعل حدث الهجرة هو البداية التاريخية لتقويم المسلمين والذي نسب إلى الهجره فقيل التقويم الهجري.
وأوصى خطيب الجامع الأزهر، الشباب والفتيات أن يتخذوا من الهجرة النبوية دروسًأ في التضحية والفداء، فلماذا لا يتخذ شبابنا علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه قدوة وهو يضحي بنفسه وينام في فراش رسول الله ﷺ في ليلة الهجرة؟ وهو يعلم يقيناً أن أولئك الكفار مرابطين بباب رسول الله ﷺ وسيهجمون على فراشه ويضربون ذلك الجسد المسجى بالسيف، يجهزون عليه دون أن يبحثوا من هو، فهم يعلمون أنه رسول الله ﷺ ومع ذلك نام علي رضي الله عنه في فراش رسول الله ﷺ، ولماذا لا تتعلم فتياتنا ويأخذن السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قدوة لهن؟ حيث كانت تخرج في نحر الظهيرة وفي جوف الليل في الظلام تذهب بالطعام إلى رسول الله ﷺ وصاحبه في غار ثور الذي مكث فيه ثلاثة أيام قبل بدء مسيرة الهجرة. ضحت بنفسها حتى أنها شقت نطاقها لتلف به الطعام وانطتقت بالنصف الآخر فسميت بذات النطاقين.
وختم الدكتور ربيع الغفير، حديثه بقوله إن الهجرة مليئة بالأحداث والعبر والتساؤلات نتعلم منها الكثير والكثير مثل التخطيط المادي والأخذ بالأسباب، ونتعلم أن نهجر الكسل إلي العمل، وأن نهجر السلبية إلي الإيجابية، نهجر التباغض إلى الإتحاد والتآلف، نهجر الكذب إلى الصدق، نهجر الخيانة إلى الأمانة، ونهجر الرذيلة إلي الفضيلة. ومن الواجب علي الأمة في هذه الأيام المباركة أن تتعلم من دروس الهجرة؛ فهي هجرة مباركة مقدسة. ولتعلم أن ما قدر فسوف يكون وما كان لك فسوف يأتيك.