مظاهرات نيجيريا.. ثورة الأمعاء الخاوية تنتفض ضد الفقر
احتشد الشباب النيجيريون خلال الأسابيع الماضية للاحتجاج على الجوع والفقر في البلاد، وقد بدأت الدعوة إلى الاحتجاجات في الأول من أغسطس الجاري، فيما لم يحدد الداعون للمظاهرات الفترة الزمنية التي ستستغرقها بعد ذلك.
من بين أكثر من 220 مليون نسمة، يعاني حوالي 161 مليون نيجيري من انعدام الأمن الغذائي، ويعاني 39.4 مليون شخص من سوء التغذية، وفقًا لتقرير “حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم” لعام 2024م.
ويلجأ النيجيريون اليائسون إلى المواد الغذائية التي اقتربت فترة صلاحيتها من الانتهاء، أو إلى تلك التي يجب التخلص منها؛ لأن خياراتهم محدودة بشكل متزايد؛ بحسب ما أوردته هيئة الإذاعة البريطانية في تقرير لها.
يعكس شعار End Bad Governance in Nigeria (وضع حد للحكم غير الرشيد في نيجيريا)، وهو من الهاشتاغات المستخدَمة لحشد المحتجين، والتي تُجسّد مشاعر بعض النيجيريين الذين يعانون من مشكلات وأزمات اقتصادية حادة تحت رئاسة بولا تينوبو، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة المعيشة وزيادة الرسوم الإدارية بشكل متزايد.
هذا، ويشعر العديد من المواطنين بأن حكام البلاد لا يزالون يديرون البلاد بشكل سيئ، معتبرين أن الحكومة الحالية من أكبر الحكومات على مدى التاريخ النيجيري التي تشهد تعثُّر الاقتصاد وارتفاع تكاليف المعيشة، والتي تجعل البقاء على قيد الحياة اليومية أكثر صعوبة بالنسبة للملايين من النيجيريين.
لم يكن الاقتصاد النيجيري في أفضل حالاته عندما انتهت ولاية الرئيس السابق محمد بخاري العام الماضي. لكن إعلان الرئيس تينوبو عن إلغاء دعم الوقود خلال تنصيبه في 29 مايو 2023م أثار سلسلة من الأحداث التي فاقمت الصعوبات الاقتصادية في جميع أنحاء البلاد.
وقد شهد التضخم ارتفاعًا ملحوظًا نتيجة لهذا الإعلان؛ فضلاً عن تأثير أسعار السلع والخدمات بشكل مباشر. وتأثرت الشركات أيضًا بارتفاع تكاليف التشغيل، وأغلقت الشركات التي لم تتمكن من مواكبة هذا الارتفاع أو خفَّضت عدد موظفيها.
وقد أشار دوروتيمي داودو، وهو رجل أعمال في لاغوس قام بحشد الناس للمشاركة في الاحتجاجات، إلى أن “أحد المعطيات التي تؤثر عليه هو بصورة شخصية هو إلغاء دعم الوقود”، مضيفًا “إن أسعار المواد الغذائية لم تكن مرتفعة من قبل، وتكاليف النقل شهدت ارتفاعًا، والاقتصاد في حالة ركود… ويعتمد عملي على إمدادات الطاقة المستمرة، وعليه فإن ارتفاع أسعار الوقود يؤثر عليَّ بصورة مباشرة. ومن الصعب على الشركات الصغيرة مثل شركتي أن تبقى وتستمر. نحن مضطرون إلى إنفاق المزيد وحتى رفع رواتب الموظفين”؛ على حد تعبيره.
من جهة أخرى، أدى تعويم العملة المحلية، النايرا، إلى تفاقم الظروف المعيشية في نيجيريا. ففي يونيو 2023م، تم تداول الدولار الأمريكي مقابل 469.50 نايرا، بينما يتم تداوله حاليًّا مقابل حوالي 1600 نايرا للدولار الواحد. قد أسهم هذا الوضع في زيادة التضخم؛ حيث تأثرت الواردات بشكل خاص. كان الأثر شديدًا على بلد يعتمد على عدد كبير من هذه المنتجات المستوردة في مختلف الصناعات، بل وعلى الاستهلاك الفردي المباشر.
ووفقًا لجمعية المصنّعين النيجيريين، فقد أغلقت مئات الشركات أبوابها في السنوات الأخيرة؛ حيث تخنق بيئة الأعمال الإنتاجية بشكل متزايد. ويبدو أن تزامن ارتفاع أسعار المواد الغذائية وارتفاع أسعار الوقود والبطالة وتفاقم أزمة غلاء المعيشة بشكل عام قد أجبر الناس أخيرًا على النزول إلى الشوارع.
وفي شهر يوليو الماضي، ارتفع الحد الأدنى للأجور في نيجيريا من 30،000 إلى 70،000 نايرا، أي ما يعادل 43 دولارًا في الشهر، ولكن العديد من الناس يرون أنه لا يكفي للتعامل مع غلاء المعيشة المتزايد في البلاد.
من بين القضايا التي يرغب المحتجون في مناقشتها: إلغاء دعم الوقود، وانعدام الأمن، والإصلاحات الدستورية والانتخابية والقضائية.
“إن النخبة السياسية لبلادنا لا تُولي الاهتمام بالمواطنين؛ لأنهم بعيدون عن المشاكل. لا يهتم الساسة إذا كانت المستشفيات سيئة أو إذا تم خطف الأطفال من المدارس؛ لأنهم لا يهتمون بذلك شخصيًّا”، مضيفًا “على غرار متظاهرين آخرين، نريد إلغاء دستور 1999م الذي أصدره آخر نظام عسكري في البلاد. وأضاف “نريد دستورًا يركز على الشعب، يمكننا فيه أن نقرر كيف تُدار شؤون بلادنا”؛ على حد قول دوروتيمي.
ج
على غرار احتجاجات End Sars لعام 2020م، لم يتم تحديد أيّ مجموعة أو فرد كمنظم رئيسي للاحتجاجات EndBadGovernanceinNigeria ، لكنَّ عددًا من نشطاء حقوق الإنسان والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي والسياسيين المعارضين مثل بيتر أوبي وأوموييلي سوور من ضمن المؤيدين للمظاهرات.
يعتقد العديد من المتابعين أن هذه إستراتيجية ملائمة لمنع السلطات من استهداف منظمي المظاهرات، وحتى لا يمكن التعرف عليهم. على الرغم من عدم وجود قادة، تم تحديد ما لا يقل عن ستة وعشرين مجموعة كمنسقين للاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد.
فقد أعلنت إحدى هذه المنظمات “حركة العودة”، يوم الجمعة الماضي، أن حسابها المصرفي قد “جُمِّد بسبب تورطها في الاحتجاجات المقبلة”.
وتم إلقاء القبض على بعض الأشخاص مِن قِبَل أفراد الأمن الذين اتهموهم بالوقوف وراء المظاهرات المخطط لها، ثم أُفرِج عنهم، ويخشى أن يكون هناك آخرون لا يزالون رهن الاحتجاز.
قالت ييمي أداموليكون، المديرة التنفيذية لمنظمة Enough is Enough (طفح الكيل): “إذا كرّست الحكومة نفس الوقت والطاقة للجري في جميع الاتجاهات، ومحاولة وقف الاحتجاج، ولإيلاء اهتمام حقيقي لما يشتكي منه النيجيريون، فلن يكون لدى النيجيريين سبب للاحتجاج”.
ووفقًا لـ أداموليكون، لم يعد العديد من النيجيريين الذين يعملون بجد قادرين على إعالة أُسرهم، ويضطرون الآن إلى التسول للحصول على مساعدة مالية من أصدقائهم.
دعا رئيس نيجيريا بولا تينوبو الشباب إلى عدم المشاركة في التظاهرات، معتبرًا أن الدافع وراءها “أشخاص كئيبون يستغلون الصعوبات الاقتصادية في البلاد”.
كما دعا العديد من المسؤولين، بمن فيهم حكام الولايات والوزراء والزعماء التقليديون، النيجيريين إلى التخلي عن المظاهرات.
من جهتها، حذرت الشرطة السرية في نيجيريا وأجهزة أمن الدولة (SSS) من التظاهرات، مؤكدةً أنها كشفت “خطة لبعض العناصر تهدف إلى التسلل إلى الاحتجاجات واستخدامها لإثارة الفوضى والعنف الشديد”.
وقالت وزارة الدفاع في بيان لها: إن التظاهرات كان من شأنها أن تخرج عن نطاق القانون. وثمة المخاوف لها صلة باحتجاجات #EndSars 2020 التي انتهت بأعمال عنف.
لكن احتجاجات EndSars لم تكن عنيفة إلا بعد تعرُّض المحتجين للقمع. ولم يكن الأشخاص الذين شاركوا في الاحتجاجات عنيفين.
ومن جانبها أصدرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا تحذيرات أمنية لمواطنيها في البلاد، محذرة من أعمال عنف محتملة.
كما قالت منظمة هيومان رايتس ووتش: إن التصريحات الأخيرة لكبار المسؤولين في الحكومة النيجيرية والأجهزة الأمنية بشأن الاحتجاجات تثير “مخاوف جدية”.
فيما أشارت أنيتي إيوانغ، الباحثة في برنامج إفريقيا في منظمة حقوق الإنسان، إلى أن “خطاب المسؤولين يشير إلى وجود رغبة مقلقة في خنق المعارضة،
مما يزيد من المخاوف من القمع العنيف”؛ على حد تعبيرها.