حكم تارك الصلاة رد حاسم من مفتي الديار المصرية
تحدث الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، عن قضية تارك الصلاة التي أثارت جدلًا فقهيًا عبر العصور، حيث انقسمت الآراء بين من يكفر تارك الصلاة ومن يرى أن التقصير فيها لا يخرج عن الملة، مشيرًا إلى ضرورة التفريق بين كفر الملة وكفر النعمة.
وأضاف «عياد» في حواره مع الإعلامي حمدي رزق، خلال برنامج «اسأل المفتي»، الذي يُذاع على قناة «صدى البلد»، أن كفر الملة يتحقق عندما ينكر الإنسان فرضية الصلاة، أو يجحد وجودها وأدلتها القاطعة عمدًا.
وأكد نظير عياد أن من ينكر وجوب الصلاة بهذه الصورة يخرج من الملة، لكن مع ذلك، تظل له حقوقه الإنسانية، ولا يجوز الاعتداء عليه أو الإساءة إليه، حيث أن الأمر متروك لله سبحانه وتعالى ولأولياء الأمور في الدولة.
أما كفر النعمة، أوضح نظير عياد، أنها تتمثل في التقصير أو التكاسل عن أداء الصلاة، رغم الإقرار بفرضيتها، حيث حذر من خطورة هذا النوع من الكفر، موضحًا أن التقاعس عن أداء الصلاة قد يكون سببًا في زوال النعم.
وبيّن نظير عياد، أن التهاون في الصلاة يخلق حاجزًا نفسيًا وروحيًا بين الإنسان وربه، قد يتفاقم مع الوقت ليصبح حاجزًا يمنعه من القرب إلى الله.
وأشار عياد إلى فئة المنافقين الذين يظهرون التزامهم بالصلاة رياءً أمام الناس، دون إخلاص النية لله، مستشهدًا بقول الله تعالى: "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى."
كما أكد مفتي الجمهورية، أن هذا السلوك منافٍ تمامًا لروح العبادة، حيث ينبغي أن تكون الصلاة مقرونة بالتواضع والخشوع لله.
ولفت المفتي إلى أن الله لا يتقبل الصلاة إلا من المتواضع الخاشع، مستشهدًا بالحديث النبوي: "إِنَّمَا أَتَقَبَّلُ الصَّلَاةَ مِمَّنْ تَوَاضَعَ بِهَا لِعَظَمَتِي."، مشيرًا إلى أن السجود يمثل لحظة لقاء فريدة بين العبد وربه، حيث يطرح الإنسان همومه بين يدي الله، ويطلب العون والتوفيق في حالة من الانكسار والتواضع.
واختتم عياد حديثه بالتأكيد على أن العلاقة مع الله في الصلاة تتطلب خضوعًا تامًا وانقيادًا صادقًا، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"من تواضع لله رفعه"، مشيرًا إلى أن هذه العلاقة تقوم على الانكسار أمام عظمة الله، الذي يقول: "العظمة إزاري والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدة منهما أدخلته ناري ولا أبالي".
وقال الدكتور نظير عياد، مفتي الديار المصرية، إن قضية التكفير تُعد واحدة من أخطر القضايا التي تواجه المجتمعات في عصرنا الحالي، واصفًا إياها بالطاعون أو الوباء الذي يتسبب في أضرار جسيمة على المستويات الفكرية والمجتمعية.
وأضاف مفتي الديار المصرية، أن إطلاق حكم التكفير بلا ضوابط شرعية، يترتب عليه نتائج خطيرة، مثل منع الميراث والزواج، واستباحة الدماء، وحرمان الشخص من الدفن في مقابر المسلمين، وهو أمر شديد الخطورة يتطلب حذرًا بالغًا من الأفراد والمؤسسات.
وأوضح المفتي أن المؤسسات الدينية، بالتعاون مع الجهات القضائية، تضطلع بمسؤولية تحرير المصطلحات، ووضعها في سياقاتها الصحيحة، مشددًا على أن الحكم بالتكفير ليس من صلاحيات الأفراد، وإنما هو مسؤولية الجهات المختصة، مثل القضاء.
وأضاف أن دور العلماء يتمثل في الحكم على الأفعال أو الأقوال لا على الأشخاص، بينما يظل الحكم النهائي من اختصاص القضاء، لتجنب الفوضى والاعتداء على حرمات الدين والإنسان.
واستشهد المفتي بتحذيرات النبي صلى الله عليه وسلم من التسرع في إطلاق أحكام التكفير، مستدلًا بحديثه: «إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما»، مشيرا إلى أن الإسلام يدعو إلى التماس الأعذار للآخرين، والبعد عن الظنون السيئة، موضحًا أن الجهل، الخطأ، الإكراه، وسوء التأويل من الموانع التي تحول دون الحكم بالكفر على الشخص.
وأوضح المفتي، أن التسرع في إطلاق أحكام التكفير، قد يكون مدفوعًا بالهوى الشخصي، أو الإعجاب بالرأي، مما يؤدي إلى فساد في الأرض، واستباحة النفوس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، مستشهدا بقول الله تعالى: «وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد».
وأكد الدكتور نظير عياد، مفتي الديار المصرية، أن هناك علاقة بين التطرف الديني والتطرف اللاديني، حيث ينطلق كلاهما من النصوص الدينية، ولكن بأسلوب مختلف ومشوه.
أوضح مفتي الديار المصرية، أن التطرف الديني يتسم بالانغلاق على النصوص الدينية وقراءتها بطرق بعيدة عن مقاصد الشريعة وأهدافها وحكمها، مما يؤدي إلى نتائج خاطئة ومؤذية.
أما التطرف اللاديني، فقد وصفه بأنه مرض من نوع آخر، ينطلق في بعض الأحيان من الحقد أو الحسد أو الرغبة في التحرر والانفلات أو لديه شهوة، أو حتى بهدف إثارة الشبهات والتشكيك، دون أسس علمية أو موضوعية.
وأشار المفتي إلى أن بعض من يطلق عليهم رموز التنوير والحداثة يتعاملون مع النصوص الدينية بطرق مجتزأة أو موجهة تخالف المنطق العلمي والشرعي، مستشهداً بمثال خاطئ للتفسير يروج له بعض من يدعون التنوير، وهو تفسير آية التعدد في الزواج {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]، حيث يدعي البعض أن التعدد لا يتوقف عند أربع زوجات فقط، بل يصل إلى تسع، مستندين إلى تفسير بعيد عن اللغة العربية وأصولها، ودون أي دليل عقلي أو شرعي يدعم هذا الادعاء، وهذا النوع من التأويل يمثل اجتزاء للنصوص وبُعداً عن الفهم السليم لمقاصد الشريعة.
وشدد على أن كلا الاتجاهين، سواء التطرف الديني أو اللاديني، يسيء إلى النصوص الدينية، والمظلوم الحقيقي هو النص نفسه، مشيرا إلى أهمية تعامل المؤسسات الدينية مع النصوص بكل إجلال واحترام، والتزام الموضوعية والفهم الصحيح للنصوص من أجل مواجهة هذا الخطر المزدوج.