اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

ميثاق نيروبي.. تصعيد جديد يعمّق الانقسامات في السودان

ميثاق نيروبي
ميثاق نيروبي

أثار توقيع "ميثاق نيروبي" بين قوات الدعم السريع وحلفائها قلقاً دولياً، حيث اعتبرته الأمم المتحدة والولايات المتحدة "تصعيداً جديداً" يعيق تحقيق السلام في السودان. وأثارت الخلافات بشأن الميثاق في السودان جدلاً حول قضايا دستورية هامة، مثل تشكيل حكومة في مناطق سيطرة الدعم السريع، وتقرير مصير الدولة والعلمانية.
في أول رد لها، أعربت الخارجية الأمريكية عن قلقها من محاولات الدعم السريع وحلفائه تشكيل حكومة في مناطقهم، معتبرة أن ذلك قد يؤدي إلى تقسيم السودان، مؤكدة أن السلام لن يتحقق إلا بوقف الأعمال العدائية وتشكيل حكومة مدنية.
من جهة أخرى، تم إلغاء مؤتمر كان من المقرر عقده لتوقيع الدستور، بسبب خلافات بشأن تفسير بعض بنوده، خاصة ترسيم الحدود السودانية. إلا أن مصدراً في "تحالف تأسيس" أكد أن الخلافات كانت إجرائية وليس جوهرية.
الميثاق السياسي الذي وقع عليه 24 كياناً وحزباً، نص على حظر تأسيس أحزاب دينية أو عنصرية، وأكد على هوية سودانية قائمة على التنوع والعدالة. كما شمل الميثاق بنوداً تتعلق بإخضاع الجيش للرقابة المدنية وتأسيس جهاز أمن مهني ومستقل.
العدالة والمحاسبة
ورد في الميثاق التزام بالعدالة والمحاسبة التاريخية وإنهاء الإفلات من العقاب، مع تجريم التطرف والانقلابات العسكرية واستغلال الدين لأغراض سياسية. وأكدت دواعي تشكيل "حكومة سلام انتقالية" على إنهاء الحرب، وتحقيق سلام شامل ودائم، وحماية المدنيين والمساعدات الإنسانية، واستعادة المسار الديمقراطي.
وأثار الدستور خلافاً داخل "تحالف تأسيس"، ما أدى إلى تأجيل مؤتمر التوقيع. يتألف الدستور من 12 باباً، تشمل الدولة، والمبادئ فوق الدستورية، الفترة الانتقالية، النظام "اللا مركزي"، وهياكل السلطة.
الدستور، الذي أثار الجدل، ينص في بابه الأول على أن السودان دولة علمانية ديمقراطية لا مركزية ذات هوية سودانية، تقوم على فصل الدين عن الدولة والمواطنة المتساوية. كما يشدد على مبدأ عدم الإفلات من العقاب، وعدم الاعتداد بالحصانة فيما يتعلق بالانتهاكات منذ خروج المستعمر.
تقسيم جديد
يشير الدستور إلى تقسيم إداري جديد للسودان قائم على 8 أقاليم، ويحدد عاصمة اتحادية وقوانين خاصة للأقاليم. السلطة التشريعية تتكون من مجلسين: مجلس النواب (177 عضواً) ومجلس الأقاليم (24 عضواً). كما يتشكل مجلس رئاسي من 15 عضواً، بينهم حكام الأقاليم، ويحق له تعيين رئيس وزراء، مع تحديد عدد الوزراء بـ 16.
اعتبر الطاهر حجر، عضو مجلس السيادة السابق وأحد الموقعين على الميثاق السياسي، أن هذه الخطوة تمثل بداية فعل جماعي توحد حول قضايا الوطن الكبرى. ودعا القوى السياسية والاجتماعية غير المشاركة إلى الانضمام للعمل معاً لتحرير الشعب السوداني من سيطرة المؤتمر الوطني.
في المقابل، رفضت عدة قوى سياسية إقرار العلمانية، معتبرة أن القضايا الدستورية، مثل العلمانية وتقرير المصير والفيدرالية، يجب أن تُناقش في مؤتمر دستوري. وأكد حزب الأمة القومي أن الميثاق يتضمن قضايا مصيرية تتعارض مع توجهاته، مثل العلمانية وتقرير المصير، ويجب أن يتم النقاش حولها بإجماع شعبي.
من جانبه، شدد حزب المؤتمر الشعبي على ضرورة ترك القضايا الخلافية، مثل تقرير المصير والعلمانية، للاستفتاء الشعبي بدلاً من فرضها عبر التفاوض، مؤكدًا أن وحدة البلد وأمنها وسلامتها هي الأولوية القصوى.
وثيقة مرتبكة
وفيما يتعلق بأهداف الميثاق، اعتبر نور الدائم طه، القيادي في حركة تحرير السودان بقيادة مناوي، أن الوثيقة "مرتبكة" وتحمل تناقضات، حيث تدعو للحريات وحقوق الإنسان ثم تقترح إنشاء مفوضية لتقييدها.
اعتبر رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير، أنه من الخطأ التقليل من أهمية مشروع الحكومة الموازية، مشيراً إلى أن وجود حكومتين في السودان يُشكل تهديداً لتكامل البلاد ويعزز الانقسام الوطني. وأكد الدقير أن التغافل عن تأييد بعض القوى السياسية والمجتمعية للحكومة الموازية يعنى تجاهل الواقع، محذراً من أن المواطنين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الموازية سيضطرون للتعامل معها.
من جانبه، كشف الهادي إدريس، رئيس الجبهة الثورية، عن بدء مشاورات لتشكيل الحكومة الموازية، التي ستُعلن قريباً من داخل السودان. في حين حذر تحالف "صمود" من تبعات توقيع ميثاق "تأسيس" في نيروبي، معتبراً أن الميثاق يؤثر على مسار الحرب والسلام.
وأثارت استضافة كينيا لتوقيع الميثاق غضب الحكومة السودانية، التي وصفتها بأنها تدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. وكشف وكيل وزارة الخارجية السودانية عن ترتيبات ضد كينيا تشمل حظر استيراد المنتجات الكينية، خاصة الشاي، كإجراء تصعيدي بسبب ما يعتبره تدخلاً في الشأن السوداني.
ورغم أن الحكومة الموازية قد لا تحظى بالاعتراف الإقليمي أو الدولي، يرى مراقبون أنها قد تُعتبر سلطة أمر واقع من قبل بعض الدول والمنظمات.