ميناء الموت.. غارات أمريكية على رأس عيسى تخلّف 38 قتيلاً وتكشف تحولاً عسكرياً في اليمن

في تصعيد نوعي ينذر بمزيد من التعقيد في المشهد اليمني والإقليمي، أعلنت وزارة الصحة في صنعاء، وقناة "المسيرة" التابعة لجماعة الحوثيين، عن مقتل ما لا يقل عن 38 شخصًا وإصابة أكثر من 100 آخرين، نتيجة قصف أمريكي استهدف ميناء رأس عيسى النفطي غربي اليمن، الخميس. وبحسب الرواية الحوثية، فإن الضحايا جميعهم من العاملين المدنيين في الميناء.
القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، أكدت بدورها تنفيذ الهجوم، مبررة الضربة بأنها تستهدف "إضعاف البنية الاقتصادية" للحوثيين، الذين يعتمدون على مبيعات الوقود كمصدر رئيسي لتمويل عملياتهم العسكرية. هذا الموقف يعكس تحوّلًا استراتيجيًا في سياسة واشنطن تجاه اليمن، إذ لم تعد تكتفي بردع الهجمات البحرية الحوثية فقط، بل بدأت في ضرب الأعمدة الاقتصادية التي يرتكز عليها نفوذ الجماعة.
تحول في نمط الاشتباك
منذ منتصف مارس، بدأ الجيش الأمريكي تنفيذ حملة عسكرية متصاعدة ضد الحوثيين، شملت ضربات دقيقة وعنيفة باستخدام قاذفات B-2 الشبحية وقنابل خارقة للتحصينات، في سابقة هي الأوسع منذ دخول الرئيس دونالد ترامب البيت الأبيض في يناير الماضي. ويبدو أن واشنطن تسعى، عبر هذه العمليات، إلى فرض معادلة ردع جديدة تتجاوز الحماية البحرية إلى شلّ قدرات الحوثيين اقتصاديًا ولوجستيًا.
الضربة التي طالت رأس عيسى تمثل تحولاً واضحًا في مسرح العمليات، إذ لم يُستهدف موقع عسكري أو منصة إطلاق، بل مرفق حيوي يرتبط مباشرة بقطاع الطاقة والوقود. وبينما تؤكد واشنطن أن الهدف من الضربة ليس إيذاء المدنيين، إلا أن ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين يضع تساؤلات أخلاقية وقانونية حول مشروعية استهداف منشآت مدنية حيوية.
الحوثيون.. من الدفاع عن غزة إلى تكريس النفوذ
في سياق موازٍ، يواصل الحوثيون تبرير هجماتهم على سفن البحر الأحمر بأنها رد فعل على العدوان الإسرائيلي في غزة، في محاولة لربط النزاع اليمني بقضية إقليمية تحظى بتعاطف واسع، لكن ما يتّضح بشكل متزايد هو سعي الجماعة لتكريس حضورها الإقليمي والضغط على القوى الكبرى من خلال أوراق اقتصادية وأمنية، تشمل تهديد الملاحة والتصعيد في وجه العقوبات.
تصريحات CENTCOM بأن الحوثيين "يستخدمون الوقود كسلاح للسيطرة" وأن أرباح الميناء "تموّل الإرهاب"، تُظهر أن الصراع لم يعد يُقرأ فقط من زاوية حرب بالوكالة، بل كصراع اقتصادي-سياسي على الموارد والنفوذ في منطقة تتداخل فيها خطوط النفط والممرات البحرية والاستراتيجيات الكبرى.
ردود دولية غائبة ومخاوف من انفجار إنساني
رغم ضخامة الحدث وعدد الضحايا، لم تُسجّل حتى الآن مواقف دولية واضحة تدين أو تدعم الهجوم الأمريكي، ما يعكس حالة من الترقب وربما التواطؤ الصامت تجاه تصعيد بات يهدد حياة آلاف المدنيين في اليمن. وتشير الحادثة إلى إمكانية تصاعد حاد في الأزمة الإنسانية، إذ يُعد ميناء رأس عيسى من المنافذ الحيوية لإمداد المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بالوقود والغذاء.
وفي ظل إصرار واشنطن على مواصلة العمليات حتى "توقف هجمات البحر الأحمر"، يُخشى أن تتحول الهجمات على البنية التحتية إلى استراتيجية مستدامة، على حساب المدنيين الذين يجدون أنفسهم عالقين بين مطرقة الضربات وسندان الحصار.
الضربة على ميناء رأس عيسى تمثل أكثر من مجرد عملية عسكرية محدودة؛ إنها رسالة استراتيجية مزدوجة من واشنطن: إلى الحوثيين بأن قواعد الاشتباك قد تغيرت، وإلى حلفائها بأن الهيمنة على مفاتيح الاقتصاد والنفط في المنطقة ما تزال أولوية قصوى. لكن ثمن هذه الرسائل يُدفع بالدم، من قبل المدنيين الأبرياء الذين تتكاثر أرقامهم في كل موجة تصعيد جديدة.