حرب الآخرين على أرض غزة : النصر لإيران والهزيمة لإسرائيل والشهداء لفلسطين
بسم الله الرحمن الرحيم "ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أوأشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون "
صدق الله العظيم ,هكذا قال الله عن بنى إسرائيل فى كتابه الكريم واصفا قلوبهم القاسية.
ودائما ما تحرص إسرائيل على إثبات تلك القسوة والشذوذ عن الفطرة الإنسانية السوية ,فطرة الله التى فطر الناس عليها بتحريم القتل والتعدى على الأطفال والنساء والضعفاء.
ففى عدوان متواتر تشن إسرائيل عمليات عسكرية بربرية على غزة منذ عملية السابع من أكتوبر والتى تعد وفقا للقانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة مقاومة مشروعة لقوات الإحتلال الإسرائيلى والتى يحق فيها لمن وقع عليه الاحتلال استخدام كافة الأساليب بما فيها العسكرية للتحرر الوطنى.
ومن ثم فإسرائيل ليس لها الحق فيما تسميه الدفاع عن النفس
بل أن الأمر تجاوز هذا الحد ووصل إلى درجات كبيرة لن ينساها التاريخ من الإنحطاط الإنسانى بقصف المستشفيات والكنائس فمثل هذة السلوكيات الشاذة لا يقوم بها إلا رعاع البشر.
وحتى كتابة هذة السطوراستشهد ما يناهز التسعة آلاف من الشهداء نصفهم تقريبا من الأطفال وغالبيتهم العظمى من الشعب الفلسطينى الأعزل ,فى الوقت الذى تتحصن فيه ميليشيات حماس الإرهابية تحت الأنفاق بعدما قامت بعمليتها الإستفزازية للعدو الإسرائيلى متسلحة بكل ضروريات الحياه من مأكل ومشرب وأدوية حتى - الشامبوه والبلسم - تاركة الفلسطينيين العزل يعانون القصف والجوع وانهيار المنظومة الصحية.
إن هذة الجرائم اللاإنسانية التى تحدث الآن فى غزة يتحمل مسئوليتها الأخلاقية والتاريخية المحتل الإسرائيلى وجماعة حماس الإرهابية وغير المشروعة التى قامت بعمل إستفزازى وهى تعلم مسبقا رد الفعل الإسرائيلى الغاشم الذى لن يتحمله الفلسطينيون.
ويتحمل إنهيار فرص التسوية السلمية للصراع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلى الحالى السفاح نتينياهو ,وهى الحكومة الأكثر تطرفا ,والتى من الطبيعى أن تخلف هذا المقدار الهائل من الكراهية ,فالتطرف لن يقابل إلا بالتطرف ,وهذا الفجور فى القتل ودهس فرص السلام والحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى لن يؤدى إلا لمزيد من العنف كسبيل وحيد لتحقيق ما يتعذر الوصول إليه عبر الطرق السلمية.
كما تتحمل دولة إيران الراعية للميليشيات الإرهابية فى الوطن العربى ومن ضمنها حركة حماس غير المشروعة المسئولية التاريخية والأخلاقية لما يحدث الآن ,فإيران ودولة الإحتلال الإسرائيلى يتقاتلان الآن متخذين دمائنا العربية واستقرار بلادنا وقودا لمدافعهما فى معارك بالوكالة عبر أيدى هؤلاء الميليشيات الإرهابية أمثال حزب الله اللبنانى وحماس الذين خانوا عروبتهم وجعلوا من أنفسهم وبلادهم مطية لمصالح إيران مقدمين الأمن والسلام الإقليمى مهرا لطهران متعددة الأزواج والتى لم تتمنع عن مواعدة الإسرائيليين والأمريكيين كلما دعت مصلحتها لذلك بينما تملأ الدنيا ضجيجا ضدهما أمام الشاشات.
وقد ساهم المحتل الإسرائيلى وفقا لوثائق فى صناعة حماس بهدف ضرب وحدة الصف الفلسطينى وخلق الإنشقاق الداخلى والذرائع للتنصل من مفاوضات جادة بحجة أنه لا توجد سلطة مركزية تعبرعن الفلسطينيين.
والحقيقة التاريخية التى ستظل باقية إلى يوم الدين ,أن حماس والقسام والجهاد الإسلامى وحزب الله مشمولين فى حكم محكمة مصرية قضت بقيامهم باقتحام الحدود المصرية فى 2011 وقتل المتظاهرين السلميين وحرق أقسام شرطة القاهرة واقتحام السجون .
واستمرت عمليات حماس الإجرامية دعما لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية ,وقاموا بتفجير الكنائس وكمائن الجيش والشرطة المصرية ,لكن مصر ترتقى وتترفع وتصر على عدم تحميل شعب غزة مسئولية المارقين من حكامه ولازالت تمد يد العون عن قوة.
وبينما تسفك بحور من الدماء الفلسطينية الآن نكتب هذة السطور محاولين الكشف عن الحرب الحقيقية ,لا تلك التى تحدث على أرض غزة ,بل التى تحدث بين الكبارفى الغرف المغلقة ,الذين لا يواجهون بعضهم البعض ,تاركين لوكلائهم هذة المهمة.
وعلى الرغم أن الأحداث الدامية لازالت جارية ولم تنته الحرب بعد إلا أن بعض النتائج قد لاحت فى الأفق ,وهذة السطور محاولة للإستماع إلى صوت العقل التائه بين دوى المدافع وصرخات المعذبين.
وهناك سيناريوهان لتفسير ما حدث,
الأول :يرى أن العملية تشبه ما اسموه بمسرحية هجمات الحادى عشر من سبتمبر ,بمعنى أن إسرائيل سمحت بتلك العملية من أجل خلق الذريعة لتحقيق الأهداف التى يتعذر عليها تحقيقها فى الظروف العادية.
فمن وجهة نظر هذة السطور هذا التفسير يجانبه الصواب لعدة أسباب:
أسباب جيوسياسية ,فإسرائيل تقع فى " كماشة " جيوسياسية صنعتها إيران بإحكام ,ويصعب تصور أن إسرائيل يمكن أن تضع نفسها فى مأذق كهذا.
نفس الأمر بالنسبة للولايات المتحدة ,فإيران تقع على مسافات قريبة من عدة أهداف أمريكية عالية القيمة ,فى أفغانستان والخليج والعراق وسوريا واليمن ومنطقة القرن الإفريقى ,وتنتشر فى هذة المناطق قواعد عسكرية أمريكية تقع فى نطاق مدايات الصواريخ الإيرانية.
هذا بخلاف مقدرة إيران على تهدديد حركة الملاحة الدولية فى مضيقى باب المندب وهرمز.
أسباب سياسية ,فرئيس الوزراء الإسرائيلى يمر بأزمة سياسية داخلية طاحنة ,عقب الاحتجاجات الشعبية واسعة النطاق بسبب رفض التغيرات المتعلقة بالمحكمة العليا ,هذا علاوة على اتهامات بالفساد تلاحقه.
ومن ثم فالسفاح نتينياهو ليس فى وضع يسمح له بحدوث أكبر إهانة تتعرض لها إسرائيل بعد حرب أكتوبر المجيدة.
أما بالنسبة لواشنطون ,فليس من مصلحة الرئيس الأمريكى الذى يتلقى الإهانات تلو الإهانات فى أوكرانيا دون تحقيق أى إنجاز ,أن يشعل جبهة جديدة على هذا القدر العالى من الأهمية ,مما يثقل أعباءه بما لا يطيق.
من جانب آخر ,فإن التوقيت الذى حدثت به هجمات الحادى عشر من سبتمبر فى 2001 ,كانت واشنطون تجلس وحدها على عجلة قيادة العالم ,أما الآن أصبحت كل من بكين وموسكو جبهة تقد مضاجع واشنطون ,والأكثر من ذلك خطورة هو وقوفهما بقوة خلف إيران.
أسباب عسكرية ,دولة الإحتلال الإسرائيلى ليست على ذات القدر من القوة التى يتصورها الكثيرون ,فعلى رأس نقاط الضعف قلة عدد السكان ومن ثم القوات العاملة بالجيش ,وبالتالى فهى غير قادرة على خوض معارك طويلة الأمد ولا تقدر إلا على الحرب الخاطفة.
أسباب إقتصادية ,دولة الإحتلال أساسا كانت تعانى من أزمة اقتصادية بسبب الاضطرابات السياسية المتعلقة بالإصلاحات القضائية ,مما أدى إلى تباطؤ الاستثمارات وعلى رأسها قطاع التكنولوجيا الفائقة المحرك الرئيسى للنمو ,مما دفع مكتب الإحصاء الإسرائيلى المركزى توقع تباطؤ النمو إلى 3% فى هذا العام بالمقارنة 6% العاام الماضى.
ومع هذة الحرب البربرية إسرائيل ستكون فى مواجهة الأسوأ وهذا ما يحدث بالفعل.
ووفقا لتصريحات وزيرالمالية فإن مليار شيكل هى الكلفة اليومية التى تتحملها إسرائيل إضافة إلى 38 مليون دولار يتحملها القطاع الصناعى ,مع إنهيارقطاع الطيران والسياحة.
واستدعاء الاحتياطى أدى إلى تخفيض 8% من قوة العمل.
ووفقا لوكلات التصنيف الائتمانى أن الأسهم الإسرائيلية هى الأسوأ فى العالم وهبطت البورصة بنسبة16%بما يعادل 25 مليار دولار.
وأعلن البنك المركزى الإسرائيلى عن حزمة مساعدات لدعم العملة بقيمة 45مليار دولار.
ومنذ اللحظات الأولى يظهر بوضوح حالة التخبط والارتباك فى صفوف المحتل الإسرائيلى ,وعدم وجود أهداف عسكرية محددة وقابلة للتنفيذ وعدم وجود خطة محددة للخروج من غزة ,وأصبحت إسرائيل كالأسد الجريح الذى يزأر مخلفا الكثير من الضجيج بلا مقدرة على القتال .
أما المدرسة الآخرى وهذا ما تتبناه هذة السطور ,هو أن إيران هى التى أشعلت هذة الحرب بهدف تحقيق هدفين رئيسيين :
الأول إرباك إسرائيل وتشتيتها جيوسياسيا ,و تستميت طهران لجرجرة تل أبيب إلى فخ الإجتياح البرى لغزة لمزيد من الإرباك والتخبط والخسائر.
وإرسال رسالة تحذيرية إلى إسرائيل بعدم الإقدام على أى عمل عسكرى معادى.
وذلك يحقق الهدف الأسمى لإيران بتهيئة المناخ الإقليمى لحدث جلل يتعلق ببرنامجها النووى ,ويعتقد كاتب هذة السطور أن إيران بصدد إعلان مهم يخص قنبلتها النووية وتريد أن تكون إسرائيل فى وضع لا يسمح لها بالرد.
أما الهدف الثانى هو تعطيل اتفاق التطبيع المزمع بين السعودية وإسرائيل ,لإن تلك الاتفاقات الإبراهيمية من الأساس موجهة ضدها.
ويعزز هذة الفرضية أمران ,
توقيت العملية عقب اتفاقات التهدأة التى تمت بين الخليج وإيران برعاية صينية وهو حدث جلل حتما له إنعكاساته على المشهد.
وبذلك ضمنت إيران توازن الموقف الخليجى ,لأنه ووفقا للخبراء العسكريين إسرائيل غير قادرة على توجيه أى ضربات عسكرية لإيران بدون تنسيق إقليمى مع الخليج وتحديدا السعودية والإمارات.
الأمر الآخر ,هو ما سبق وأكده الخبراء منذ ما يزيد على العام أن إيران أصبحت قاب قوسين أو أدنى من انتاج قنبلتها النووية ولم يعد يبعدها عن حلمها النووى إلا ستة أشهر فقط.
من جانب إيران هى تحاول إجهاض الاتفاقات الإبراهيمية الموجهة ضدها ,ومن جانب الولايات المتحدة وإسرائيل هما يحاولان البناء على ما تم من اتفاقات مع الخليج كتحالف إقليمى ضد إيران.
تبقى المملكة العربية السعودية معضلة أمام الحلم الإسرائيلى باكتمال هذا التحالف ,فليس لدى الرياض مانع مبدأى من تطبيع العلاقات مع تل أبيب ,ولكنها لا تريد ذلك مجانيا.
وتصاعد الأوضاع الإقليمية بهذة الطريقة فرصة ذهبية لن تتركها الرياض تمر بلا ثمن ,ومطالبها من الجانب الأمريكى معلنة.
فالرياض تريد من واشنطون ثلاثة أمور ,استكمال برنامج طائرات الإف 35 ,اتفاق دفاع مع واشنطون حيث تلتزم الأخيرة بالدفاع عن الرياض حال تعرضها لتهديدات من قبل طهران ,وأخيرا برنامج نووى سعودى على غرار إيران.
والحقيقة أن شخص الرئيس الأمريكى جوزيف بايدن سبب رئيسى فى توتر العلاقات بين واشنطون والرياض ,بسبب الغطرسة والفوقية التى تتعامل بها واشنطون ,بخلاف التدخل فى شئون الرياض الداخلية وفرض القيم الأمريكية وانتقاد أوضاع حقوق الإنسان ,بل وصلت الوقاحة الأمريكية لحد إملاء سياسات خارجية بعينها لغلق الباب أمام الصين وروسيا وعدم التنسيق مع الأخيرة فى إطار اوبك + وفرض عقوبات إقتصادية عليها على خلفية الحرب الأوكرانية.
كل هذة الأمور اعتبرتها السعودية سلوكا معاديا كان له أصداء سلبية على سير المفاوضات مع الجانب الإسرائيلى , ولكن ماذا لو تم انتخاب ترامب على سبيل المثال فى الإنتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة ,هل سيظل هذا التوتر مستمرا؟
ما ستسفر عنه المفاوضات بين السعودية وإسرائيل مرتهن بالمرونة التى سيبديها بايدن لمطالب السعودية الثلاث ,أوما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة.
وتدور أحداث هذة الحرب الهمجية فى لحظة دولية معقدة , حيث تصارع واشنطون فى معركة حياة أو موت من أجل البقاء منفردة على عجلة قيادة العالم ,بينما تستميت بكين وموسكو من أجل تغيير النظام الدولي الظالم وجعله أكثر عدالة من وجهة نظرهما بإفساح المجال لهما لقيادة تشاركية لهذا العالم ,تلك اللحظة الدولية الملتهبة تعيدنا إلى ما كانت عليه الأمور إبان الحرب الباردة حينما كانت تتصارع قوتان قيادة العالم ,وحيث انعكس هذا الصراع على جميع القضايا الجزأية ,الآن نعود من جديد إلى ذات جوهر الصراع ,ومن ثم أصبحت منطقتنا العربية مسرحا لصراع النفوذ المحموم بين بكين وموسكو من جانب وواشنطون من الجانب الآخر.لذا يجب أن تفسر كل الأحداث الإقليمية فى ضوء تلك اللحظة الزمنية التى نعيشها.
وتتسابق القوى الدولية على إرسال أسلحتها إلى شرق البحر المتوسط والخليج العربى ,فواشنطون ارسلت حاملتى طائرات وفرقة الدعم السريع ,3200 عنصر من المارينز.
أما الصين فحركت ست قطع بحرية قبالة سواحل الخليج العربى ,وروسيا أعلنت عن صواريخ كينجال المتطورة ومعدات أخرى.
إن مثل هذا الوضع يجعل الجوار الجغرافى لمصر بركان قد أوشك على الانفجار.
وقد كشفت هذة الحرب البربرية عن عدة أمور,
أولا : ثبات الموقف المصرى فى دعم القضية الفلسطينية كطرف لا يمكن الإستغناء عنه فى تسوية كافة الأمور المتعلقة.
وكذلك صمود إرادة القيادة المصرية أمام الوقاحة الأمريكية التى حاولت تهديد مصر تارة من خلال صندوق النقد الدولى , وتقديم الإغراءات تارة من خلال ضخ الاستثمارات ووضع حلول لأزمة الديون المصرية ,وذلك من أجل تسويق فكرة توطين أهل غزة فى سيناء ,إلا أن مصر وقفت ثابتة شامخة أمام كل هذة الأمور ,وأصرت على رفض تلك الفكرة الخبيثة وإجبار الطرفين الأمريكى والإسرائيلى على إدخال المساعدات الإنسانية.
ثانيا : تنامى النفوذ الإيرانى بشكل خطير حيث أصبحت طهران أقوى الفاعلين الإقليميين من غير العالم العربى ,وصاحبة الكلمة النافذة ,وهى تقود منطقتنا إلى الجحيم ثمنا لتحقيق أهدافها القومية ,غير عابئة بالدم العربى وحالة الفوضى وعدم الاستقرار التى تشيعها, بحيث أصبح العرب وقودا لطموحاتها القومية التى لا تتوقف.
وتدور الآن على آرضينا العربية المعارك حامية الوطيس بين إيران من جانب وإسرائيل والولايات المتحدة من جانب آخر ,وليس أدل على ما يحدث الآن فى سوريا والعراق واليمن من قبل أذرع إيران الأخطوتية ضد المصالح الأمريكية بهدف إرباكها.
ثالثا : التوتر المتنامى الكبير بين إسرائيل وروسيا على خلفية دعم الأخيرة لإيران ,فى الوقت الذى تستميت فيه موسكو لإغتنام مكانة أدبية شديدة التميز فى نفوس العالم العربى والإسلامى بشتى الطرق ,وقد نجحت فى ذلك ,فنجد الرئيس الروسى يدين العمل الآثم بحرق نسخة من القرآن الكريم تارة ,ويصدر التصريحات الداعمة للموقف العربى تارة ,ويدين إزدواجية معايير الغرب تارة .ويقترح على مجلس الأمن مشروع قرار لوقف اطلاق النار تارة ,يمنعه فيتو أمريكى من نصبوا أنفسهم رسلا سماوية لحماية حقوق الإنسان.
والحقيقة أن تلك الفجوة المتنامية بين روسيا وإسرائيل تكشف عن تخبط الأخيرة إزاء تطورات الواقع الدولى ,فتل أبيب تدرك ما أصاب واشنطون من وهن وتراجع كبير فى نفوذها لصالح موسكو ,وبدلا من أن يصنع العقل الإسرائيلى السيناريوهات المناسبة للتعامل مع تلك التطورات ,نجده ينافس العقل الأمريكى فى الحماقة والإرتباك والعناد الأعمى.
الأمر الذى يجعلها تشارك ربتها الأمريكية السباحة فى بحر من الأزمات الدولية وسيتعين عليها دفع قسط كبير من ضريبة الضعف والهوان الأمريكى بلا سند دولى كروسيا.
رابعا : المزيد من الفشل الأمريكى فى فرض قرارها والتخبط أمام روسيا والصين اللذين يزدادان نجاحا فى حصد المزيد من الأصدقاء وتسجيل الأهداف فى الشباك الأمريكية.
وفى خضم تلك الأحداث الملتهبة وحالة الإرتباك والتخبط الكبيرة التى تعانيها دولة الإرهاب فى تل أبيب ,لاتجد إلا ما سبق وأن طرحته مرارا وتكرارا بتوطين أهل غزة فى سيناء وأهل الضفة فى الأردن ,فى محاولة أعماها الغضب عن الفكر الرشيد ,لتخلو لهم أرض فلسطين العربية التاريخية بالكامل.
هذا المخطط الإجرامى لم يخف على مصر والأردن اللتين تخوضان الآن المعارك الدبلوماسية حامية الوطيس من أجل حماية آراضيهما وأمنهما القومى والقضية الفلسطينية.
والهدف من سيناء واضح ,فتل أبيب وواشنطون يريدان اجترار ما سبق وتسبب فى الحرب الأهلية اللبنانية حينما كانت منظمة التحرير الفلسطينية تشن العمليات العسكرية ضد إسرائيل من لبنان ,مما جعل المحتل يرد على تلك العمليات فى لبنان ,حتى تعقد الوضع مسببا اندلاع الحرب الأهلية بين أبناء الشعب اللبنانى أنفسهم.
والحقيقة أن الشعب المصرى واعى لتلك المخططات الإجرامية ولن يفرط فى شبر واحد من تراب سيناء الطاهرة ,فليس بعد إثنى عشر عاما من النضال الوطنى ضد الجماعات الإرهابية بما فيها حماس راح ضحيتها الآلاف من أبناء الجيش والشرطة المصرية البواسل ,تفتح أبواب سيناء المقدسة لجماعة حماس الإرهابية مجددا لنعود مرة أخرى إلى نقطة الصفر.
على مستوى النتائج ,
عسكريا :فحتى كتابة هذة السطور فشل المحتل الإسرائيلى فى تحقيق أى نصر عسكرى أو سياسى ,وكذلك فشل فى العمليات البرية المحدودة كما كان متوقعا وحذر منه كل الخبراء ,بسبب الأنفاق والكثرة السكانية لقطاع غزة ,مما مثل إهانة جديدة فى مشهد أظهرعورات قوات الإحتلال التى ترتجف الآن من مجرد فكرة مواجهة حماس.
سياسيا ,يضج المحتل الإسرائيلى بالتخبط والتمزق الداخلى ,فكلا الحكومة والجيش يحاولان التملص من تحمل مسئولية ما حدث ومسئولية ما اسموه بالاجتياح البرى المتوقع فشله ,كما يحاول كل طرف إتهام الآخر.ولم ينتج عن مجلس الحرب المشكل أى قرار جامع وعاقل ,ويبحثون عن كبش فداء لتحمل مسئولية ما حدث.
ويواجه نتينياهو السفاح أكبر عاصفة سياسية من شعبه وهو لايريد أن يتحمل كلفة المزيد من الاخفاقات ,ويزداد غضب أهالى الأسرى عليه ,وقد امتد هذا الغضب لصفوف الجيش الذين أثارهم تهرب ابن نتينياهو من واجب الاستدعاء بمساعدة أبيه فى الوقت الذى يلقى بالجيش فى حرائق مواجهة حماس.
ونتينياهو مجرم حرب يقاتل الآن من أجل حماية ماء وجهه ومستقبله السياسى لا من أجل تحقيق أى انتصار يناسب حجم الإهانات البالغة التى تعرضت لها دولة الإحتلال.
ولم يعد أمامه إلا التهدأة والتراجع عن فكرة الاجتياح ,وقبول اقتراح حماس بالافراج عن كل الرهائن مقابل الافراج عن كل السجناء الفلسطينيين ,ولكنه لا يريد تحمل هذا المساروحده.
لم يعد لدى دولة الإرهاب الإسرائيلي أى مجال لتحقيق أى انتصار سوى المزيد من القصف الوحشى للتغطية على فشلهم العسكرى ولحماية ماء وجههم ,ولكنهم والولايات المتحدة فى وضع جيوسياسى لا يسمح لهم بالكثير خاصا مع غياب التنسيق الخليجى معهم والفشل فى اختراق الأنفاق وصلابة الموقف المصرى والأردنى فى فكرة تفريغ أرض فلسطين التاريخية من شعبها.
فكل الطرق تؤدى إلى الإذعان لحماس الإرهابية ,وقبول الهدنة ثم محاكمة نتينياهو وقادة الجيش والمؤسسات الأمنية ككبش فداء للرأى العام الإسرائيلى.
أما مستقبلا ,فهذا الفجور فى القتل تجاه الأطفال ووحشية رد الفعل الإسرائيلى لن يؤدى إلا للتطرف المقابل ,فإسرائيل الحمقاء التى صنعت بيديها حماس ها هى تكتوى بنارها وها هى الآن تخلق البيئة النفسية والذهنية المناسبة ليتحول معظم الفلسطينيين إلى حماس ,وهؤلاء الأطفال الذين فقدوالأرض والأهل والبيت والغد فقدوا حتى الحياة وهم يتنفسون لن يكونوا إلا بركان الغد الذى لن يقوى المحتل الإسرائيلى على حماية نفسه منه ,لا اتفاقات إبراهيمية ولا قبة حديدية ولا سلاح نووى ولا حماية دولية ,لا شئ سيحمى إسرائيل من جدران الكراهية والثأر التى ستنهار يوما ما على إسرائيل وهى جدران تخلقها بنفسها.
لاسبيل تحمى به إسرائيل نفسها إلا السلام المبنى على العدالة وحقوق الشعب الفلسطينى المشروعة بحل الدولتين.
ستنتهى هذة الحرب آجلا أم عاجلا ,فدولة الإحتلال الإسرائيلى لا تملك المقدرة العسكرية والإقتصادية لإطالة أمد المعارك ,لقد وجهت لها صفعة أفقدتها صوابها ,لذلك وضعت أهدافا لا تستطيع تحقيقها ,وهى الآن عبثا تحقق أى شئ لحماية ماء وجهها وتحسين موقفها التفاوضى ,كما حدث فى السابق بعد حرب أكتوبر المجيدة ,فقد استمات العدو الإسرائيلى فى تحقيق أى انتصار عسكرى محدود لم يكن ليغير شيئا من أجل موقف أفضل قبل أن يصدر مجلس الأمن قراره بوقف اطلاق النار.
وعند حد معين ستضطر واشنطون إجبار تل أبيب على التوقف.
أما إيران فتراهن على عنصر الوقت ,فهى تعلم أن الوقت سلاح فتاك ضد إسرائيل لأنها لن تستطيع الصمود فى المعارك الطويلة ولن تتحمل النزيف الاقتصادى نتيجة استمرار عملية استدعاء الاحتياطى للجيش.
وبعد أن تصمت المدافع ستذهب جميع الأطراف لحصد النتائج , ومنهم المنتصرون ومنهم المنهزمون.
من حيث المنتصرين:
فإيران هى أكبر منتصر فى هذة الحرب اللاعقلانية ,فبصرف النظرعن ما قد تعلنه إيران عن الجديد فى برنامجها النووى ,فقد استبقت طهران تل أبيب وأوقعتها فى الفخ وكشفت عوراتها العسكرية أمام شعبها والمنطقة ,كما أرسلت الرسالة التحذيرية التى أرادتها ,واستعرضت قوتها وأدواتها أمام الجميع بالشكل الذى يحقق الردع ,والحقت بإسرائيل هزيمة نكراء بطعم الإهانة ستجعل المواجهة العسكرية بينهما مسألة أكثر ألما مما تطيق إسرائيل ,كما عطلت ولو بشكل مؤقت اتفاق تطبيع العلاقات المحتمل بين السعودية وإسرائيل.
ولكن سيكون أمامها مواجهة التهديد الأكبر فى إعاقة اتفاق التطبيع المتوقع.
أما السعودية فقد أصبحت أكثر قوة فى مواجهة الغطرسة الأمريكية ,وهى الآن تجلس فى أريحية منتظرة العروض الشيقة التى سيتعين على إسرائيل والولايات المتحدة تقديمها.
أما روسيا فهى مستفيدة بالإنشغال الأمريكى بالوضع فى الشرق الأوسط الذى سيؤثر على الدعم العسكرى لأوكرانيا ,كما أن المناخ ملائم جدا للصيد فى المياه العكرة والفوز بالموقف العربى وحصد المزيد من المؤيدين.
أما الصين فمستفيدة أيضا من الإنشغال الأمريكى علاوة أنها أصبحت الطرف المؤثر الوحيد الذى تلجأ إليه واشنطون للتأثير على طهران.
وسيكون أمام الصين وروسيا تحديا كبيرا فى إحداث توازن بين أصدقائهما العرب من جانب وإيران من جانب آخر ,حتى يحافظا على علاقات إقليمية جيدة لمواجهة النفوذ الأمريكى.
على مستوى المنهزمين :
فواشنطون تلقت هزيمة جديدة فوق الهزائم السابقة ,فهى لم تفلح فى جعل حليفها الإسرائيلى ينتصر.وكذلك لم تفلح فى تحجيم النفوذ الصينى فى منطقة الشرق الأوسط ,ولم تفلح أيضا فى التأثير على الموقف المصرى العصى الشامخ.
أما المحتل الإسرائيلى فشل فى تحقيق الأهداف المبالغ فيها التى أعلن عنها فى بداية الأزمة ,ولم يعد لديه خيارات.
وقد انتهى مستقبل نتينياهو السياسى إلى الأبد وسيكون وأخرون كبش الفداء لتهدأة الرأى العام .
وستتشكل حكومة جديدة سيكون عليها تدارس ما حدث وإعداد الخطط لمواجهة مستقبلية مع إيران.
أما الفلسطينيون فسيحصون شهداءهم.
فهم الطرف الذى يتحمل القسط الأكبر من الهزيمة ,فبعد طوفان الشهداء وتلك الآلام النفسية المبرحة ودمار البيوت وإلى آخر تلك الأثمان الباهظة لم يحقق الفلسطينيون شيئا وكل المكاسب كانت من نصيب ميليشيات حماس الإرهابية التى تحصنت بالأنفاق تاركة شعبها الفلسطينى الأعزل فى مواجهة الوحشية الإسرائيلية وحده.
وأقول كلمة للتاريخ لن يمكن لأى دولة أن تقدم مساعدة للشعب الفلسطينى بالشكل الذى يعيد إليه استقراره طالما استمر الفلسطينيون فى التشظى والانقسام الداخلى.
ويتحمل شعب غزة المسئولية التاريخية أمام الوطن العربى والأجيال القادمة فى جعل غزة مطية لإيران.
إن هذا الوضع المهترئ هو أصل الداء ولا سبيل للوصل إلى حل ناجز إلا باستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية ووحدة الصف تحت قيادة الرئيس محمود عباس أبو مازن كممثل وحيد ومشروع للدولة الفلسطينية ,وتحجيم الدور الإيرانى التخريبى.
والحل الجذرى يكون بوحدة الصف العربى والإصطفاف مع القيادة المصرية كطرف شريف يقاتل بإخلاص من أجل مصلحة الوطن العربى ,وتبنى موقف مصر فى الدعوة لتكوين قوة دفاع عربية مشتركة.
وقد آن للسعودية التى اجهضت هذة الفكرة أن تدرك أن السبيل الوحيد لمواجهة العدو الإيرانى يكون من خلال الحاضنة العربية لا بالاتفاقات الفردية التى لا تراعى إلا مصلحتها الوطنية الذاتية.
إن إيران وإسرائيل يتقاتلان الآن ,ودماؤنا العربية هى وقود لمدافعهما ,وستنتهى معركة غزة بهزيمة العدو الإسرائيلى وانتصار العدو الإيرانى ,وكأن العالم العربى يستبدل عدو بعدو.
وأقول لكل المهللين إن تحقيق حماس لانتصار تكتيكى ما هو إلا هزيمة استراتيجية للعالم العربى ,سرعان ما ستزول فرحتنا لنجد أنفسنا أمام العدو الإيرانى وقد ازداد غطرسة وغرورا.
وبالنهاية نثمن نضال الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى وسياساته الحكيمة غير الإنفعالية فى معارك حماية سيناء ونصرة القضية الفلسطينية وإدخال المساعدات الإنسانية رغم التهديدات والضغوط الأمريكية.
وأدعو للإصطفاف الوطنى خلف القيادة المصرية فى هذا التوقيت العصيب وهذا الجحيم الإقليمى للعبور إلى برالآمان,
ستظل مصر أم الدنيا والبيت الكبير الحاضن لكل الوطن العربى ,والصخرة التى تتحطم عليها مكائد أهل الشر.
إن مصر أشرف من أن يشكك فى سياساتها وأذكى من أن تستدرج ,وأقوى من أن تنكسر ,وهى وحدها من يحدد متى وكيف وماذا تفعل.
وعلينا أن نستعد للأسوأ ,فثمن الاستقلال والسيادة باهظ ,ولكنه ألم حلو المذاق وسيتحمله المصريون بصمود معتاد عبرالزمن أثقله عظم المحن ,فنحن شعب تمرس على النضال وقد أذللنا المحال ومن خلفنا جيش طاب له القتال ,فإن كانت المعارك تدق أبوابنا فنحن أهله.
تحيا مصر ,وتحيا فلسطين دولة ذات سيادة على حدود 67وعاصمتها القدس.