اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون رئيس التحرير محمود نفادي
الدكتور محمد الضويني: الأزهر صاحب رسالة عالمية لنشر الصورة الصحيحة للإسلام الرئيس الفرنسي يحث القادة اللبنانيين على تهدئة التوترات وعدم التصعيد ”الصحفيين” تتلقى ردًا من البرلمان حول ملاحظات قانون الإجراءات الجنائية حسن نصر الله: التفجيرات الإسرائيلية ”إعلان حرب” وتستلزم الرد وزير الأوقاف المصري: جمَّل الله عز وجل رسوله بكل جميل من الأخلاق ”اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان” تستضيف جلسة حوارية في جنيف لمعالجة العنف ضد النساء والفتيات مرصد الأزهر يصدر بيانًا بشأن ظاهرة «التغني بالقرآن» ويحذر من موجة مسيئة للإسلام مؤتمر ”تريندز” السنوي بطوكيو يوصي بوضع إطار عمل واضح لتنظيم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بمشاركة فلسطين: ”ألكسو” تعقد مؤتمرا لمناقشة واقع تعليم الأطفال بالقدس المحتلة رئيس المعاهد الأزهرية يتابع استعدادات العام الدراسي الجديد بمنطقة الأقصر فلسطين: الانسحاب من الأراضي المحتلة أصبح الآن مطلبا دوليا وليس فلسطينيا فقط «الأزهر للفتوى» يوضح مرضعات النبي ﷺ وإِخوته في الرَّضاع وحواضنه

إسرائيل فشلت فى تحقيق كل أهدافها والوقت ينفذ منها

من السهل أن تشعل الحروب ,لكن من الصعب انهائها ,هذا هو حال المحتل الإسرئيلى الآن بعد ما يزيد على الأربعين يوما من حربه الهمجية على غزة ما يعرف بالسيوف الحديدية ,تكبد فيها المحتل خسائر اقتصادية وبشرية هائلة دون تحقيق أى إنجاز يذكر حتى الآن ,بل ليس من الواضح أنه فى وضع يسمح له بتحقيق مكسب يوازى حجم الخسائر والإهانات البالغة التى تعرض ,ويزداد وضع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتينياهو سوءا بسبب إخفاقه فى حماية أمن شعبه أولا ,ثم إخفاقه فى تحقيق الأهداف المبالغ فيها التى أعلن عنها فى بداية الحرب ثانيا.

وكل التحذيرات لم تردع نتينياهو فقد أصبح رجلا أحمقا أرعنا يقامر من أجل النجاة بنفسه والهرب من شبح السجن الذى يطارده بسبب اتهامات بالفساد.

ونود أن نؤكد أن منطقة غلاف غزة والتى انطلقت منها العمليات العسكرية الأخيرة مسببة هذة الحرب البربرية ,هى آراضى الدولة الفلسطينية وفقا للقرار المنشئ لدولة إسرائيل الصادر من الأمم المتحدة ,بما يعنى أن الفلسطينيين يحق لهم مقاومة المحتل الإسرائيلى بكافة الوسائل بما في ذلك العسكرية وفقا للعهد الدولى للحقوق السياسية والمدنية.

وعلى الرغم أن حركة حماس حركة إرهابية نشأت بمباركة إسرائيلية من أجل إحداث إنشقاق عن السلطة الشرعية الفلسطينية وإعطاء المحتل الإسرائيلى الفرصة للتذرع بهذا الإنشقاق للتملص من التزاماته ,إلا أن حقوق الشعب الفلسطينى فى مقاومة المحتل مكفولة ولا تستطيع أية قوة أن تسلبه إياها.

و لا يوجد أي مبررات تسوغ الاعتداء الهمجى الإسرائيلى على غزة والضفة الغربية وهذا السلوك الوحشى الذى تجاوز حد مزاعم الادعاء غير الصحيح أصلا بالحق فى الدفاع عن النفس.

والآن وصل حجم الجرائم اللاإنسانية التى ترتكبها دولة الإرهاب الإسرائيلى أكبر من قدرة أى طرف على الاحتواء وغض الطرف بما فى ذلك الولايات المتحدة نفسها التى لن تستطيع الاستمرار بعيدا فى تقديم الدعم لهذا الإرهاب الإسرائيلى أكثر من ذلك.

فشعوب العالم تنتفض الآن رفضا لتلك السلوكيات الإسرائيلية الشاذة عن السواء النفسى والتى لايقوم بها إلا رعاع البشر ,بما يشكل ضغطا لا يحتمل على حكومات العالم بما فيها الأوروبية.

إن الوقت ينفذ أمام إسرائيل وليس لديها مزيدا من الفرص لتحقيق أهدافها ,ولن تجنى شيئا من بحثها عن السلاح بين أجساد المبتسرين الهزيلة ,ومع دخول الهدنة حيز التنفيذ لأول مرة منذ اندلاع الحرب والإتفاق على صفقة تبادل الأسرى وتقليص حجم قوات الاحتياط ,دخلت دولة الإرهاب الإسرائيلى مرحلة جديدة فى الحرب عنوانها التراجع.

ولإسرائيل سبعة أهداف بعضها غير معلن ,فما هى تلك الأهداف ,ولماذا فشلت فى تحقيقها ,وماهى الفرص المتاحة ,وما هى محددات الموقف الأمريكى , هذا ما سنحاول الإجابة عليه فى السطور التالية.

يعرف العسكريون الطرف المنتصر فى الحرب ,بأنه الطرف الذى يحقق أهدافه المعلنة , فإسرائيل فشلت فشلا ذريعا فى هذة الحرب.

ومعيار انتصارها هو الوصول إلى الأنفاق التى تتحصن بها ميليشيات حماس ,لأنها السبيل الوحيد الذى سيحقق لها الأهداف التى أعلنت عنها.

وللمحتل الإسرائيلى سبعة أهداف من هذة الحرب ,هدف آنى يريد تحقيقه الآن ,وخمسة آخرين متوسطى الأمد ,وهدف بعيد الأمد ,وهى أهداف مبالغ فيها وغير قابلة للتحقيق.

ويبقى الهدف الأسمى هو تهجير غزة إلى سيناء ,والضفة الغربية إلى المملكة الأردنية الهاشمية قسريا.

فيما يتعلق بالهدف الآنى هوالقضاء على حماس ,ولن يتحقق ذلك إلا بالوصول إلى الأنفاق وذلك من أجل تحقيق ثلاثة أهداف فرعية.

الوصول إلى قيادات حماس يحى السنوار ومحمد ضيف ,مراكز القيادة والسيطرة ,ومخازن الأسلحة ,وكل تلك الأهداف هى الطريق الوحيد للقضاء على حركة حماس.

وتحتاج إسرائيل لثلاثة أمور لكى تصل إلى الأنفاق ,قنابل ومتفجرات من نوع خاص تصل إلى الأعماق المطلوبة ,وهذا بالأمر الهين بالنسبة لها ,وخرائط تلك الأنفاق وهذا شق مخابراتى فشلت فيه ,أما الأمر الأخطر هو تفريغ غزة من سكانها لكى تتمكن من التعامل مع الأنفاق.

وحيث أن مصر تقف عقبة كئود أمام الطموح الإسرائيلى فى هذا الهدف الشيطانى ,علاوة على بسالة أهل غزة وصمودهم التاريخى فى التمسك بآراضيهم ,فإن الأمل مقطوع أمام تل أبيب فى الوصول إلى الأنفاق ومن ثم القضاء على حماس وإغتيال قادتها.

أما الخمسة أهداف المتوسطة الأمد :

  • الاستيلاء على غاز الدولة الفلسطينية :

منذ بداية الألفية الجديدة وهناك اكتشافات كبيرة للغاز فى المياه الإقليمية الفلسطينية قبالة سواحل غزة.

وأهم تلك الحقول ,مارين 1 وهو أول الحقول المكتشفة فى شرق المتوسط ,على بعد حوالى 36 كيلو مترا من شواطئ غزة وبعمق 600 مترا تحت سطح البحر أى ضمن المياه الإقليمية الفلسطينية وفقا للقانون الدولى للبحار .تقدر كميتةبأكثر من تريليون قدم مكعب ,بطاقة إنتاجية تقدر بعشرين سنة ,يكفى لسد احتياجات الشعب الفلسطينى لثلاثين عاما ,مع العلم أن حكومة رام الله تنفق 8 مليارات سنويا لشراء الكهرباء من إسرائيل لقطاع غزة.

وهناك حقل غاز مارين ب وهو مشترك مع الحدود الجنوبية الإسرائيلية تقدر كميته

5 ,1تريليون قدم مكعب ,يقوم اللص الإسرائيلى بسرقته ,وقد تم استنفاز كل هذة الكمية فى 2010 وتم تجفيفه.

وإجمالى ما استولت عليه إسرائيل من غاز فلسطينى قرابة 4.5 تريليون قدم مكعب بما يقدر بحوالى عشرين مليار دولار.

ويقوم المحتل الإسرائيلى بإعاقة أية محاولة لتطوير أو استخراج الغاز والتحكم فى إمدادات الغاز للقطاع لجعل غزة تعتمد عليها فى واردات الطاقة.

وهذة الممارسات تخالف بروتوكولات باريس الاقتصادية المنبثقة عن اتفاقية أوسلو والتى أعطت للسلطة الفلسطينية حق السيطرة على منطقتها البحرية قبالة سواحل غزة.

وقد صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة عدة مرات لصالح مشروع قرار السيادة على الموارد الطبيعية ينص على حق الفلسطينيين بالمطالبة بالتعويض نتيجة استنزاف مواردهم الطبيعية.

  • الاستيلاء على الضفة الغربية بتهجيرهم إلى الأردن:

تحظى الضفة " يهودا والسامرة "بخلاف قيمتها الدينية بأهمية استراتيجية ,وصرح نفتالى بينيت رئيس وزراء إسرائيل السابق إن عدم اعتبار واشنطون ليهودا والسامرة أرض محتلة ,يؤكد أن الوقت قد حان لتطبيق السيادة فى المنطقة ج ,وهى مستطونات الضفة.

وأهمية الضفة تأتى وفقا لأبعاد متعددة:

البعد المائى :يحظى بأهمية خاصة لدى الأمن القومى الإسرائيلى ,لما تمثله المياه من ركيزة أساسية لزيادة الرقعة الزراعية وتدفق هجرات اليهود.

ولدى المحتل خطط لسرقة الأنهارالعربية خاصا اللبنانية وأهمها الليطانى والحاصبانى.

وفى الوقت الذى تعانى منه إسرائيل من الفقر المائى ,تتمتع الضفة الغربية بوفرة مائية كبيرة.

وتستهلك إسرائيل حوالى 2,4 مليار متر مكعب لجميع الأغراض ,وتحصل على احتياجاتها من المياه من بحيرة طبريا بنسبة 30% ومن الضغة الغربية من نهر الأردن وثلاثة أحواض مائية كبرى تستولى عليها من حقوق الشعب الفلسطينى ,علاوة على محطات التحلية المتقدمة تكنولوجيا.

وتعانى إسرائيل من فقر مائى خاصا مع النمو السكانى وزيادة الطلب على زيادة المساحات الزراعية ,ويعمل التغير المناخى على خلق تحديات كبيرة بسبب تدهور ونقص المياه وكميات الأمطار فى السنوات الأخيرة.

وبسبب السلوك الإسرائيلى الجائر ,هناك تـأثيرات سلبية على كميات وجودة المياه فى بحيرة طبريا التى انخفض منسوبها إلى الخط الأسود على عمق 215 مترا تحت مستوى البحر الذى توجد به مضخات المياه ,وتحصل أيضا على المياه من المياه الجوفية و نهرالأردن الذى

أصبح تحت خط الشح المائى ,وبلغ نصيب الفرد 80 مترا مكعبا سنويا.

كما تؤدى هذة الممارسات إلى أضرار بيئية.

البعد الطبوغرافى :أى العلم الخاص بإرتفاعات اليابسة عن سطح الأرض ,والضفة طبوغرافيا مرتفعات ,بينما آراضى إسرائيل هى معظمها ساحلية فى حالة انكشاف لديها.

ومن ثم فتل أبيب تريد حرمان الفلسطينيين من تلك الميزة ,وهذا ما يفسر تمسكها بالجولان السورية ,على الرغم أنها ليست ضمن أرض إسرائيل الدينية.

البعد الاقتصادى :فالضفة الغربية لها اطلالة على البحر الميت فى جنوبها الشرقى ,وله أهمية سياحية كبيرة تثير لعاب اللص الإسرائيلى.

هذا فضلا عن خصوبة التربة ,وغناها بالمعادن والأحجار.

وبحسب تقرير من البنك الدولى عام2013 ,فإن الضفة بما تملكه من امكانات صناعية وزراعية وسياحية يمكن أن توفر ما يعادل 2,2 مليار دولار سنويا.

وبحسب تقرير صدر عن الأونكتاد "مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أن الشعب الفلسطينى دفع تكلفة تراكمية تقدر ب50 مليار دولار من 2000 وحتى 2020 بسبب قيود المحتل الإسرائيلى فى حرمان الفلسطينيين من استغلال الثروات والأنشطة الاقتصادية فى المنطقة ج.

وبحسب التقرير أيضا فإن المساهمة السنوية لمستطونات المنطقة ج غير الشرعية فى الاقتصاد الإسرائيلى تقدر ب41 مليار دولار بما يعادل من 227%من إجمالى الناتج المحلى الفلسطينى لعام 2021.

غور الأردن :جزء من أخدود وادى الأردن ,هو سهل خصيب يقع على امتداد نهر الأردن و تمتد منطقة الأغوار من بيسان وصفد شمالا ,ومن عين جدى وحتى النقب جنوبا ,وتبلغ مساحته 2400 كيلومترا ويمثل 30%ْ من مساحة الضفة.

وقد شيد المحتل الإسرائيلى 31 مستطونة التهمت 27 الف دونم.

يمرعبره المنطقة الحدودية بين الأردن شرق النهروالضفة الغربية غرب النهر ,وجزء من الحدود الشمالية لإسرائيل ,لذلك يتمتع بأهمية أمنية كبيرة وهناك عقيدة إسرائيلية تقول إن حلم السلامة للبلاد تقتضى أن يكون نهر الأردن حدودا شرقية للبلاد.

والأغوارمن أخصب المناطق الزراعية لدرجة يطلق عليها سلة غذاء ,وتحتوى على كميات كبيرة من المياه الجوفية ,وتضم البحر الميت بما يوفره من امكانات سياحية وصناعية ومعدنية ,الأمر الذى يجعل الأغوار العمود الفقرى للدخل القومى الفلسطينى المستقبلى ,لذا يستهدف المحتل اللص الإسرائيلى حرمان فلسطين منه لإعاقة إقامة الدولة.

كما أن لنهر الأردن أهمية دينية.

وقد تعهد نتينياهو بضم هذة المنطقة فى حملته الإنتخابية ,وقال اسحق رابين ,رئيس الوزراء الأسبق "الحدود الأمنية للدفاع عن دولة إسرائيل ستكون فى وادى الأردن" ولم يقل النهرأى أن هناك نية إسرائيلية فى التعدى عل سيادة الأردن أيضا.

  • التغلب على واحدة من أهم نقاط الضعف لدى إسرائيل وهى ضيق المساحة :بما يمثل خللا استراتيجيا كبيرا يؤثر سلبا على تفوقها العسكرى ,فبالاستيلاء على غزة والضفة الغربية ستزداد مساحة إسرائيل وفقا لقرار الأمم المتحدة المنشئ 181 لعام 47 على مساحة 15 الف كم بما يعادل 57,7% من فلسطين التاريخية.

  • حفر قناة بن جوريون : لتجعل إسرائيل من نفسها قلب العالم والرقم الصعب لحركة الملاحة الدولية.

والحقيقة أن قناة بن جوريون المزعومة يعتريها الكثير من أوجه الخلل والمشاكل الاقتصادية والجيولوجية ,ولكن أهداف إسرائيل غيرعاقلة تعتمد على الإفراط فى الغرور والثقة المتزايدة فى النفس كغرور هتلر الذى قاده إلى التهور ثم الهزيمة.

يبقى الهدف الشيطانى السابع وهو هدف بعيد الأمد وبعيد التحقيق أيضا ,وهو الفوز بسيناء.

ويحضرنى هنا سبب اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية ,فقد كانت بسبب منظمة التحرير الفلسطينية ,حينما كان ياسر عرفات يشن العمليات العسكرية على إسرائيل من لبنان ,مما اقتضى من تل أبيب شن العمليات العسكرية المضادة على الفلسطينيين فى لبنان ,ثم خرجت الأمورعن السيطرة.

يبدو أن إسرائيل تريد اجترار الماضى الذى يجب أن تؤصد أبوابه ,فالترحيل القسرى لأهل غزة بما فيهم حركة حماس الإرهابية إلى سيناء ,سيقتضى قيام حركات المقاومة الفلسطينية بشن العمليات العسكرية على إسرائيل من سيناء ,بما يقتضى على تل أبيب الرد عليهم فى سيناء ,ثم فى مرحلة لاحقة تقوم بالهجوم على مصر بحجة عدم قدرتنا على حماية حدود إسرائيل.

وقد واجهت مصر بشجاعة وبسيادية كل الضغوط الغربية من أجل قبول التهجير القسرى لغزة إلى سيناء ولم ولن تمكن هؤلاء الشياطين من مآربهم ,فسيناء التى سالت من أجلها بحور من دماء الجيش والشرطة المصرية البواسل محاربة للإرهاب الإخوانى والحمساوى حتى وصلنا لهذة المرحلة من الأمن والاستقرار ,لن تكون مأوى لهم مجددا ,ولو سالت من أجل ذلك بحور من الدماء مرة أخرى.

والآن فشلت إسرائيل فى تحقيق كل أهدافها ,وكل ما تدعيه عن إنجازات هو من قبيل الاستهلاك الإعلامى الشعبوى.

وليس أمامها إلا قتل المدنيين العزل والشيوخ فى أسرتهم والأطفال فى أحضان أمهاتهم والمرضى فى المستشفيات وقتل كل ما تطاله يداها القذرتان ,لأنها غير قادرة على تحقيق أى شئ آخر ,والمزيد من الدماء لن يغير من تلك الحقيقة فى شئ ولن يجعل دولة الإرهاب الإسرائيلى تنتصر ,بل سيغرقها فى وحل جرائم الحرب ودنائة السلوك وسيزيد موقفها سوءا.

كما فشلت فى معركة السرديات ,أى تسويق وجهة نظرها أمام المجتمع الدولى ,تلك المعركة التى لا سلاح فيها وتدور أحداثها فى ساحات الإعلام ,حقق الفلسطينيون انتصارا باهرا وكشف عورات إسرائيل أمام العالم ووجهها القبيح التى لطالما أخفته خلف المخططات الإعلامية ودعاياتها الكاذبة ,كما كشف أكذوبة القيم الغربية "الراقية" التى أصبحت كإمرأة لعوب خلعت رياح الحقيقة عنها لباس الشرف ووقفت مكشوفة العورات على قارعة الطريق.

لكن الفشل الأكبر الذى وقعت فيه دولة الإحتلال الإسرائيلى هو ما يتعلق بمقومات نشأة الدولة فى ذاتها وعوامل بقائها على قيد الحياة.

نشأت إسرائيل بالمخالفة للتعاليم اليهودية حيث المسيح عليه السلام هو المنوط به إنشاء الدولة من أجل إقامة العدل ورفع الظلم التاريخى عن بنى إسرائيل ,ولكن حينما بعث الله سيدنا عيسى عليه السلام ,كفروا به وتآمروا عليه واعتبروه

- حاشا لله - مدعى نبوة ,ومن ثم فاليهود حتى اللحظة فى انتظار بعثة المسيح.

أما الصهيونية حركة سياسية علمانية قومية ,وهى العلاج الدنيوى لفكرة الخلاص الدينية - أى لا تنتظر المسيح - وتهدف إلى إقامة دولة إسرائيل فى مكان ما لم يحدد على وجه الدقة فى بادئ الأمر ,وذلك من أجل علاج أزمة عدم الاندماج أو ما يعرف فى الأدبيات الأوروبية بالمسألة اليهودية.

وجاءت انطلاقا من مجموعة مبادئ ,الخلاص الذاتى والعلمانية والقومية اليهودية والهجرة أو العودة من الشتات ,وتحت شعار لا تعايش ,أى لا مجال للعيش المشترك بين اليهود وغيرهم من البشر.

ومضمون تلك المبادئ هو أن الصهيونية نظرت بكثير من الاحتقار للديانة اليهودية واعتبرتها تعج بالميتافيزيقيات -أى ما وراء الطبيعة والإيمان بما لا يمكن اخضاعه للقياس-

وقالت أنه لا سبيل لعلاج الأوضاع المهينة التى يعيشها اليهود إلا بالتخلى عن الأفكار الخرافية وعلى رأسها انتظار المسيح ,ودعت اليهود لتخليص أنفسهم بأنفسهم من خلال البحث عن الحلول الدنيوية المادية لجعل واقعهم المعيشى أفضل ,وفى مرحلة متقدمة من نضج الفكرة التقى العقل الاستعمارى البريطانى مع العقل الصهيونى فوقع الاختيار على دولة فلسطين العربية لتكون هى المكان لإقامة تلك الدولة.

ويكون الهدف الأسمى من إنشاء دولة إسرائيل بالنسبة لليهود هو رفع الظلم التاريخى والمعاناة عن بنى إسرائيل وإقامة العدل وتحقيق التوافق المفقود بين الواقع المعيشى لليهود وبين الصورة الذهنية لما يجب أن يكون عليه هذا الواقع.

وبعد قرون من الظلم التاريخى الذى عانى منه اليهود وفقا لمعتقداتهم ,من احتقار الآخرين لهم والنظر إليهم بدونية ,وكراهيتهم وتعرضهم على مدار تاريخهم إلى ألوان من العذابات والاستعباد كالسبى البابلى وإذلال فرعون لهم ,للحد الذى جعل من تلك المعاناة حجر الزاوية فى تعريف اليهودى لذاته ,ها هم أخيرا يؤسسون دولتهم التى من المفترض ألا يكون بها ظلم ولا معاناة ,بل عدل وقوة ,بل جبروت يزيل ما علق بأنفسهم من إحساس بالدونية والذل والاستعباد.

إنهم يستميتون من أجل تغيير حياتهم بعيدا عن تلك الصورة الذهنية الدونية التى علقت بأذهان البشر على نطاق واسع من العالم والتى جسدها وليام شكسبير فى رائعته تاجر البندقية والتى رسم خلالها شخصية شايلوك ,المرابى اليهودى الذى يحتقره ويكرهه الجميع ,والذى أراد الانتقام من البطل الأوروبى المسيحى باقتطاع قطعة لحم من كتفه.

ومن ثم فخلق أوضاع اقتصادية وسياسية جيدة لتوفير حياة كريمة لليهود داخل إسرائيل ,وجاذبة لليهود خارج إسرائيل بحيث تشجعهم على الهجرة وترك أوطناهم الأصلية ,يعد من المقومات الأساسية لبناء واستقرار الدولة بل وبقائها على قيد الحياة ,وأى خلل فى تلك الأوضاع بحيث تصبح على النحو المنفر القائم الآن من انعدام للأمن وسوء الأوضاع الاقتصادية ,وتنامى النظرة الدونية القديمة من قبل العالم إلى اليهود وتنامى الإحساس بالكراهية المتجسدة فى تلك المظاهرات العارمة على مستوى العالم بما فى ذلك الولايات المتحدة ,لهو بلا مبالغة طعنات قاتلة للأسس التى أنشأت على أساسها إسرائيل ,وفشل فى تحقيق الهدف الأسمى من إنشائها.

فمن جديد عاد الإسرائليون إلى حيث بدأت رحلتهم ,أناس منبوذة قاسية لا يرى فيهم العالم إلا شايلوك ,وبعد خمسة وسبعين عاما أصبحت إسرائيل الجيتو الأكبر فى حياتهم.

أما فيما يتعلق بالولايات المتحدة فليس صحيحا أنها قادرة على الدعم اللانهائى لإسرائيل أو أنها منحتها شيكا على بياض ,فيخضع القرار الأمريكى فى هذا الأمر لمحددات تتعلق بالمستوى الشخصى للرئيس الأمريكى جوزيف بايدن ,ومستوى مصالح الولايات المتحدة,

فبايدن وضعه السياسى يرثى له بعد الفشل فى كل الملفات وأبرزها أوكرانيا ,بخلاف حالته الصحية التى أصبحت مسارا للتندر ,علاوة على قضايا فساد تلاحق ابنه ,كل هذة الأمور جعلت من شعبيته فى أدنى مستوياتها.

ومن ثم فبايدن الذى تنتظرة انتخابات تمهيدية عاصفة فى الحزب الديموقراطى على بعد أيام ,غير قادر على تخطى كل هذة المشاكل ,والاستمرار فى دعم الإرهاب الإسرائيلى بهذا الشكل هو انتحار سياسى ,خاصا مع حالة الاصطياد فى المياه العكرة التى يقوم بها الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب والذى سيكون من المرجح الفائز فى الانتخابات الرئاسية القادمة.

أما فيما يتعلق بمستوى مصالح واشنطون ,فهى تواجه فى السنوات الأخيرة تنامى لنفوذ أعدائها فى بكين وموسكو فى الشرق الأوسط ,الذين يقتاتان على الإخفاقات الأمريكية والرفض الشعبى فى الشارع العربى لسياساتها والرفض على مستوى الحكومات العربية حتى من قبل هؤلاء الذين كانوا يعدون حلفاء واشنطون فى المنطقة. وذلك بسبب أسلوب الغطرسة والفوقية التى يتعامل بها بايدن على وجه الخصوص مع مصر والخليج العربى ,والتدخل فى شئونهم الداخلية ,وفرض القرار والقيم الأمريكية ,ودعم البرنامج النووى الإيرانى ,والضغط بورقة حقوق الإنسان الكاذبة ,وإيقاف صفقة طائرات اف 35 للسعودية والإمارات.

ثم جاءت حرب اوكرانيا لتزيد الأوضاع اشتعالا فنجد البنك الفيدرالى الأمريكى يلتهم الأموال الساخنة من العالم.

كل تلك الأسباب جعلت من واشنطون حليفا غير جدير بالثقة , مما فتح الباب لبكين وموسكو تقديم أنفسهم باعتبارهما صديقين حريصين على علاقات مع العالم العربى يسودها الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

أما المحدد الأخطر أمام واشنطون هو عدم قدرتها على القتال على جبهتين متزامنتين إسرائيل وأوكرانيا التى تعانى الآن أكثر من أى وقت مضى ,والرئيس الروسى فلادمير بوتين ماهر جدا فى مهارة الاصطياد فى المياه العكرة.

قريبا ستقول واشنطون لنتينياهو قف.

وليس أدل على ذلك من تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق إيهود باراك الذى قال منذ أسبوعين ,ليس أمام تل أبيب سوى ثلاثة أسايع وتقول لها واشنطون انتهى الوقت وترفع عنها الغطاء الاستراتيجى.

إن الوقت ينفذ من إسرائيل ولم يعد أمامها إلا أيام قليلة وترغم على وقف اطلاق النار الدائم والانسحاب وقبول شروط حماس ,كل الرهائن مقابل كل السجناء ,كما بدأ يحدث حاليا ,لتنتصر حماس ,بينما سينسحب جيش الإحتلال الإسرائيلى وهو يجر أذيال الخيبة والعار ,عار قتل ما يزيد على الخمسة آلاف طفل ,عار قصف المستشفيات ,عار اختناق الأطفال المبتسرين ,عار استهداف النساء والشيوخ ,عار العدوان على دور العبادة ,وستظل هذة الحرب سبة على جبين إسرائيل لن تستطيع محوها من التاريخ الإنسانى وستنهار آلاتها الإعلامية وستفشل فى تجميل صورتها كدولة مرتبط اسمها فى ذهنية الرأى العام الدولى بالإنحطاط الإنسانى ,وهو سقوط أخلاقى يتناقض مع النشأة الأخلاقية المدعاة لقيام دولة إسرائيل.

ثم ستنشغل إسرائيل بالانتخابات لتشكيل حكومة جديدة والبحث عن كبش فداء يقدم للشعب ,وسينتهى الحال بنتينياهو إلى السجن ,وسيخسر بايدن الانتخابات.

أما إيران فستحصل على انتصار معيب ملطخ بدماء الفلسطينيين الذين جعلوا من أنفسهم حشو بنادق لمعركة طهران وتل أبيب على آراضيهم ,ولن يحصل الفلسطينيون على أى شئ سوى الشهداء الذين استشهدوا من أجل إيران لا من أجل فلسطين.

أما دول الخليج العربى التى تبرعت بالفتات إلى أشقائهم الفلسطينيين وهم فى هذة المحنة ,وتمنعت عن الضغط بورقة البترول كما فعلت فى أوكرانيا ,والسعودية التى رقصت على جثامين شهداء أشقائها لن يحصلوا إلا على العار الذى لن يمحى من التاريخ العربى.

أما القضية الفلسطينية فهى الخاسر الأكبر مهما حققت حماس من نجاح ,سيحصى الفلسطينيون شهداءهم وهم ينزفون ألما ,بينما ستستقبل حماس سجناءها وهم يرقصون فرحا.

أصبحنا منهكين بسبب المعارك الجانبية ,كالمصالحة الفلسطينية الفلسطينية ,وفك الحصار على غزة وإيقاف الحرب على غزة ,لم نعد قادرين على القتال فى ساحة المعركة الأساسية والسامية وهى إنهاء الإحتلال خاصا فى القدس - مربط الفرس فى الصراع العربى الإسرائيلى - وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس.

ستتهى الحرب خلال أيام قليلة ,أما نحن فسنزداد تشرزما وسيبقى أمام الجميع المعضلة الأكبر من هى السلطة البديلة لحماس إذا ما افترض جدلا أن حماس يمكن أن تنتهى.