الإعلام الإسلامي بين سندان الحرية ومطرقة الرسالة الإعلامية الغربية (تقرير)
الدكتور رضا عكاشة: الإعلام الإسلامي يحتاج إلى إمكانيات ضخمة وتزيد فيه مساحة الحرية.
الدكتور محمد جمال: العالم الإسلامي مازال غير قادر على خلق إعلام عالمي مؤثر لصالح قضايا.
سعيد محفوظ : العالم الإسلامي لديه فرصة ذهبية حاليا لخلق قناة فضائية تغير قواعد اللعبة
الإعلام.. هو أحد أقوى الأسلحة التي تمتلكها الدول والأمم؛ به تتغير وجهات نظر الرأي العام العالمي، وبه تتحكم الدول في تصدر الصور الذهنية الراغبة في ترسيخها داخل عقول من تستهدفهم من الجمهور المحلي، أو العالمي، ففي في كتابه "الإعلام الإسلامي والتحديات المستقبلية"، يقول الدكتور محمد فتحي عمارة، إنه في عقد الخمسينيات من القرن الماضي كانوا يقولون إذا كنت تملك، تليفونًا فأنت نصف رئيس جمهورية، وكان المخرج العالمي مصطفى العقاد يقول: «أعطوني فضائية وخذوا العتاد العسكري، الذي تريدون، وفي أيامنا هذه لم يعد الإعلام قانعًا بمجرد كونه السلطة الرابعة كما كان يقال قديما - بل أصبح ودون نزاع هو السلطة الأولى في عصرنا هذا لما يلعبه من دور خطير آخذ في التزايد بشكل كبير مع مرور الوقت.
وفيما يتعلق بالإعلام الإسلامي فما من شك في أن مستقبله يبقى مرتبطًا بقدرته على فهم الآخر والانفتاح عليه وفهم طبيعة الحوار معه ، والذي يتطلب مهارات ورؤية عصرية تتواكب مع التكور الرقمي الكبير الذي يشهده وتشهده وسائل الإعلام حول العالم.
ويكمل فتحي عمارة في كتابه: إننا لابد أن نعترف أن الإعلام الحالي يسهم بشكل أو بآخر في خلق وعى زائف لدي الإنسان العربي، والمسلم ويعمل على إعاقة نموه الفكري، وإحساسه بعمقه وامتداده الحضاري، ويمارس اعتداءا منظما وصريحا على منظومة الأخلاق والقيم العربية والإسلامية. بل أصبح متهمًا بمساهمته الكبيرة في نشر الجرائم،الأخلاقية داخل المجتمع. حتى قيل إذا كان السجن هو المدرسة الابتدائية للجريمة فإن التلفزيون هو جامعتها، ولذلك من هنا يأتي الدور المهم ، للإعلام الإسلامي في العمل على تقديم رسالة أكثر أخلاقية معتمدًا على الحرية المقترنة بالمسؤولية, إلا أنه ليس كالإعلام الحكومي ف بعض النظم الشمولية حول العالم،والذي يأخذ توجهًا رأسيًّا «من أعلى إلى أسفل» وغير قابل للنقاش. وهو ما يطلق عليه الإعلام الأبوي. إذ يعتقد أن جمهوره طفلًا صغيرا لا يدرى مصلحته.
وأشار إلى أنه من القضايا التي يجب أن يركز عليها الإعلام الإسلامي هي إعادة الاعتبار إلى الإنسان – فهو الغائب الأكبر في هذه المشاريع الإعلامية والاهتمام بأبعاده الروحية والعقلية والمادية دون التركيز على البعد المادي الذي يعد السمة الأساسية للحضارة الغربية. فلا أحد ينكر سيطرة مظاهر الحياة، مؤكدا أن التحدي الأكبر الذى يواجه الإعلام الإسلامي هو محاولة تصحيح صورة الإسلام التي شوهها الإعلام الغربى؛ فبعد أن انتهت الحروب الأيديولوجية "رأسمالية وشيوعية"، رأى الغرب أن الحروب القادمة هى حروب دينية. أو بالأحرى حروب بين الحضارة الغربية والإسلام» وهو ما أوجد مبررًا لمحاولات الولايات المتحدة الأمريكية الرامية للهيمنة وفرض رؤية.
عدم القدرة على خلق إعلام مؤثر
ومن جهته قال الباحث الدكتور محمد جمال الأستاذ المساعد بكلية الإعلام بجامعة الأزهر، في تصريحات خاصة لـ "اتحاد العالم الإسلامي"، إن أزمة الإعلام الإسلامي، نفس أزمة الإعلام بشكل عام، لافتا إلى أن قوة الإعلام تأتي من حجم مساحة الحرية، منوها في الوقت نفسه إلى أن العالم الإسلامي وهو يزيد عن 58دولة، مازال غير قادر على خلق إعلام إسلامي قوي، يقدر من خلاله يطرح قضايا المصيرية، للرأي العالم العالمي.
وأكمل: إن فكرة تدشين قناة عربية إسلامية باللغة الإنجليزية، ظلت حلما طويلا نسمع عنه من حين لآخر لاسيما عند الأزمات الكبرى التي يتعرض لها العالم الإسلامي، من قبل الغرب، مثل الإساءة للقرآن الكريم التي حدثت أكثر من مرة خلال عام 2023 في السويد، من قبل شاب متطرف، وكذلك الإساءة لرسولنا الكريم في أكثر من بلد غربي، مرجعا ذلك لتقصير العالم الإسلامي، من خلق قنوات إعلامية متنوعة تبث بعدة لغات أجنبية مثل الإنجليزية والفرنسية، كي تكون صوتا صادقا عن العرب والمسلمين تهدف إلى تصحيح صورة العرب والإسلام والمسلمين، وذلك توقف المواقف المتكررة التي تخرج علينا من حينا لأخر، من خلال تدشين وسائل إعلام حتى عصرية مثل قنوات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، لكي نستغل الزخم الجماهير المتواجد على مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم، والتي كان لها دور ربما أثر وأكبر من دور الإعلام التقليدي في توصيل حقيقة ما يحدث في غزة من إبادة ممنهجة، واغتيال الصحفيين بشكل متعمد حتى لا تصل الحقيقة للرأي العالم العالمي، ولكن الحقيقة الصورة الحقيقة وصلت بشكل كبير ولأول مرة، نجد مظاهرات ضخمة في بلاد غربية تندد بالجرائم الوحشية التي يتعرض لها سكان غزة .
وختم جمال بقوله: إن العالم الإسلامي، عليه أن يعي الأهمية القوى أن يكون لديه إعلام قوى ذات تأثير قوي لدى الرأي العام العالمي، مما يعطيه فرصة لعرض قضايا بكل صدق أمام الرأي العام العالمي .
حرب عزة والفرصة الذهبية
ويرى المفكر الإسلامي سعيد محفوظ مدير الدعوة بالمركز الإسلامي، أن هناك فرصة ذهبية حقيقية أمام دول العالم الإسلامي، لاستغلال الحراك العالمي من مظاهرات وفعاليات واعتصامات واحتجاجات شعبية، من قبل الشعوب الغربية، من أجل وقف إطلاق النار في غزة، وأنهم بصدق قد عرفوا الحقيقة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، التي كانت تنقل الصورة، بشكل فوري، الأمر الذي لم يترك فرصة للإعلام الغربي الموالي للاحتلال، أن يضلل الرأي العالم العالمي، مؤكدا أن من محسان السوشيال ميديا سرعة انتشار المعلومات والصور وكشف كذب كل من يريد أن يوصل صورة على غير الحقيقة تجاه العالم العربي والإسلامي.
وأكد محفوظ في تصريح خاص لـ "اتحاد العالم الإسلامي"، أن وجود إعلامي عربي وإسلامي قوي داخل المجتمعات الغربية سوف يكون له تأثير قوي، يهدف إلى خدمة القضايا العربية والإسلامية، ويعمل على تصحيح صورة العرب والمسلمين، المغلوطة، لدى ذهنية العقل الغربي، مشيرا إلى أن حرب غزة لها منافع عظيمة منها تصدر القضية الفلسطينية ومعرفة العالم الغربي، بحقيقة القضية، منوها إلى استطلاع مثل الذي قامت به بعض الصحف الأمريكية، وجاءت نتائجه أن 50% من شباب أمريكا يرى أن الحل يتمثل في زوال الاحتلال من أرض فلسطين، لهو أمر عظيم لو تعلمون، وخطوة مبشرة، لوصول الحقيقة للأجيال القادمة وهو ما سوف يجعل الإعلام الأمريكي والغربي، أن يصدر صورة مسيئة عن العرب والمسلمين مرة أخرى، وذلك بعد انتشار مقاطع الفيديو التي أظهرت قوة وصلابة أهل فلسطين وغزة ، أمام ما يتعرضون له من إبادة مخيفة تحت مسمع وبصر كل المنظمات الدولية المعنية بالإنسان .
وطالب "محفوظ" بضرورة وجود كيان إعلامي عربي إسلامي، داخل دول العالم الغربي، تكون تحت رعاية إشراف العالم العربي والإسلامي ويخصص لها ميزانية ضخمة، لكن تكون صوتا قويا وملفتا للرأي العالم العالمي، ومن هنا نستطيع عرض قضايا بالشكل الصحيح والمطلوب، وذلك من خلال إعلاميين مؤهلين في توصيل الرسالة الإعلامية، لدى الغرب .
مساحة الحرية
أكد الكاتب الصحفي بمجلة عقيدتي وأستاذ ورئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا الدكتور رضا عكاشة، في تصريح خاص لـ "اتحاد العالم الإسلامي" أن الإعلام الإسلامي ضروري للغاية ، لاسيما في الوقت الراهن، وفي الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية، مؤكدا أن الإعلام الإسلامي تأتي أهميته تجسد في أنه سيكون منوط به طرح الأفكار الصحيحة والحقيقية التي جاء بها الإسلام للبشرية، وبالتالي هذه الأفكار سوف تكون أحد أهم الأسباب لتوضيح صورة العرب والمسلمين، لدى الغرب الذي مازال لديه صور مغلوطة عن العالم العربي والإسلامي.
وأضاف "عكاشة" أن الفكر الإسلامي، في دنيا الناس قد يتعرض لبعض المضايقات وللمؤامرات ، بعضها من أنفسنا كمسلمين وبعضها من أعداؤنا ، فضلا عن بعض المستشرقين يتعمدون الإساءة المستمرة ضد الإسلام ، وهو ما يجعل تقوية الإعلام الإسلامي، أمرا ضروريا للرد بقوة على هذه الشبهات التي تهدف إلى تشويه صور العرب والمسلمين، مؤكدا في الوقت نفسه على أهمية الإعلام الإسلامي، لمواجهة كل أنواع التدليس والتحيز الواضح ضد القضايا العربية والإسلامية، ومشددا على أهمية الإعلامي الإسلامي ضروريا لكي يكون سفيرا صادقا ليعبر عن قضايا .
وعن التحديات التي يواجه الإعلام الإسلامي منذ عقود، وهو عدم التأهيل الجيد ، لخلق وسائل إعلامية إسلامية من شأنها طرح الأفكار الإسلامية الصحيحة، فضلا عن الضعف والهوان الذي يرافق معظم الإعلامي الإسلامي في جميع الدول العربية والإسلامية، لافتا إلى المساحة الحرية يجب أن تزيد للإعلام الإسلامي، وأن يكون هناك مناقشة جادة من قبل رابطة العالم الإسلامي، لكي يكون هناك إعلام إسلامي قوى، من خلال العمل على وجود إمكانيات كبيرة من أجل خلق قنوات إعلامية معاصرة وقوية تستطيع مواكبة التحديات التي نواجهها نحن العرب والمسلمين .
طاقات جبارة
وأكد الدكتور ميسر سهيل أستاذ الإعلام في معهد الفتح الإسلامي، أن الإعلام الإسلامي في حاجة إلى تطوير حقيقي وملموس في أساليبه الشكلية والموضوعيّة والاستعداد بشكل دائم لاستيعاب وسائل العصر والتفاعل معها بشكل إيجابي من حيث الاستخدام وأخذ ما هو مفيد ونافع ورفض ما هو مفسدة وخداع , وتسخيرها بالتالي لإنتاج وتقديم ما ينسجم مع منهجه النابع من عقيدة سماوية تهدف إلى خير البشرية جمعاء بالتزامه بقواعد التقويم للإعلام الإسلامي ، لافتا إلى أن المجتمع الإسلامي، قد من مشكلة التأخر في الولوج إلى عالم التقنيّات الإعلامية الحديثة بسبب الجهل تارة والخوف منها تارة أخرى والتزمت حيالها في بعض الأحيان وهذا ما فرض على المستنيرين منهم ضرورة اللهاث المحموم في طلبها ومواجهة القوى المعادية في الغرب في احتكارها لهذه التقنيّات وعدم السماح إلا لمن شاؤوا بامتلاكها وفي شروط محددة لاستخدامها إضافة إلى تحديد سقوف تقنية غير مسموح بتجاوزها .
وأكد سهيل، أن الإعلام الإسلامي بحاجة إلى الطاقات المبدعة لتقوم باختراق الجدران العازلة سواء مع أعدائهم الخارجيين من محتكري التكنولوجيا الإلكترونية والرقمية أم أعدائهم الداخليين من متزمتين يخشون من كل جديد دون أن يكلّفوا أنفسهم الإطلاع عليه وفهمه، أوليس لديهم الأهلية للقيام بهذا التكليف فيجدون الرفض مخرجاً سهلاً من مسؤوليّاتهم