في مثل هذا اليوم 9 مارس .. عندما اندلعت ”ثورة 19” في مصر
اندلعت ثورة 1919 بسلسلة من الاحتجاجات الشعبية على السياسة البريطانية في مصر عقب الحرب العالمية الأولى، بقيادة الوفد المصري الذي كان يرأسه سعد زغلول ومجموعة كبيرة من السياسيين المصريين، كنتيجة لتذمّر الشعب المصري من الاحتلال الإنجليزي وتغلغله في شؤون الدولة بالإضافة إلى إلغاء الدستور وفرض الحماية وإعلان الأحكام العرفية وطغيان المصالح الأجنبية على الاقتصاد.
البداية:
بدأت أحداث الثورة في صباح يوم الأحد 9 مارس 1919، بقيام الطلبة بمظاهرات واحتجاجات في أرجاء القاهرة والإسكندرية والمدن الإقليمية.
تصدت القوات البريطانية للمتظاهرين بإطلاق الرصاص عليهم، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى.
استمرت أحداث الثورة إلى شهر أغسطس وتجددت في أكتوبر ونوفمبر، لكن وقائعها السياسية لم تنقطع واستمرت إلى عام 1922، وبدأت نتائجها الحقيقية تتبلور عام 1923 بإعلان الدستور والبرلمان.
دور كبير للوفد المصري إلى مؤتمر السلام في باريس:
كان لتأليف الوفد المصري المنوط به السفر إلى مؤتمر باريس للسلام، لمناقشة القضية المصرية بعد انتصار الحلفاء، أثره الكبير كمقدمة أدت إلى اشتعال الثورة.
فقد اعتقلت بريطانيا سعد زغلول وثلاثة من زملائه لتشكيلهم الوفد ونفتهم إلى جزيرة مالطا، الأمر الذي أدى إلى بداية الاحتجاجات في مارس 1919.
انطلقت تظاهرات في العديد من المدن والأقاليم المصرية وكانت القاهرة والإسكندرية وطنطا من أكثر تلك المدن اضطرابًا، الأمر الذي أدى السلطات البريطانية إلى الإفراج عن سعد زغلول وزملائه، والسماح لهم بالسفر لباريس.
وصل الوفد المصري إلى باريس في 18 إبريل، وأُعلنت شروط الصلح التي قررها الحُلفاء، مؤيدة للحماية التي فرضتها إنجلترا على مصر.
دعوة بريطانيا المصريين إلى المفاوضات:
دعت بريطانيا المصريين إلى الدخول في مفاوضات لإيجاد علاقة مرضية مع مصر غير الحماية، فمضت وزارة عدلي بمهمة المفاوضات، ولم تنجح المفاوضات بعض رفضها لمشروع المُعاهدة، فنشر سعد زغلول نداءً إلى المصريين دعاهم إلى مواصلة التحرك ضد الاحتلال البريطاني فاعتقلته السلطة العسكرية هو وزملائه، ونفي بعد ذلك إلى سيشيل.
وحققت الثورة مطالبها، ففي 28 فبراير ألغت بريطانيا الحماية المفروضة على مصر منذ 1914. وفي 1923، صدر الدستور المصري وقانون الانتخابات وألغيت الأحكام العرفية. لم تستطع الثورة تحقيق الاستقلال التام، فقد ظلت القوات البريطانية متواجدة في مصر.
وفاة السلطان حسين كامل:
توفي السلطان حسين كامل في 9 أكتوبر 1917، وكان قد عَرض السلطنة على نجله كمال الدين حسين، لكنه تنحى عن ذلك، وارتقى السلطان فؤاد الأول العرش. لم يشأ فؤاد تغيير الوزارة، فعهد لحسين رشدي بتأليف الوزارة من جديد. كانت مصر قد صرفت من خزائنها في مصلحة بريطانيا منذ بداية الحرب 3.5 مليون جنيه إسترليني. انتهت الحرب العالمية الأولى، في 11 نوفمبر 1918، بهزيمة ألمانيا وانتصار قوات الحلفاء.
الوضع المصري قبيل الثورة:
كانت مصر في طليعة الدول التي خاضت جولات ضد حكم الفرد والتدخل الأجنبي، فكانت البداية على يد مصطفى كامل ومحمد فريد فكان الحزب الوطني مُمهد للثورة. ظهر مشروع السير وليام برونيت - المستشار المالي للحكومة البريطانية في مصر - لوضع تعديلات في القوانين والنظم القضائية والإدارية لتنسجم مع الحماية البريطانية. سُميت اللجنة «لجنة الامتيازات الأجنبية»، فقد وضع هذا المشروع لإنشاء مجلس نواب مصري، تكون له سلطات استشارية، ومجلس شيوخ تكون فيه الأغلبية للأعضاء الرسمين (الوزراء) والمستشارون الأجانب ثم الأعضاء المُنتخبين. أرسل برونيت نسخة من المشروع في نوفمبر 1918، ما كان له أثره في ازدياد السخط على السياسة البريطانية، لإهدارها للاستقلال الداخلي لمصر..
الوضع الاجتماعي
انتشر التعليم وارتقت أساليب الحياة عما كان قبل 1919 وحدثت نهضة أدبية وعلمية وصحفية، ما جعل المجتمع على دراية أكثر وأشد تبرمًا على النظم الاستعمارية. خلال عامي 1918 و1919 اتسع نطاق الحراك الوطني ليشمل طبقات كانت بمعزل عنه كالموظفين والفلاحين وكذلك طبقة الأعيان والنساء.
تأليف الوفد المصري
اجتمع سعد زغلول مع بعض أعضاء الجمعية التشريعية وغيرهم، لرغبتهم في تأليف وفد يسافر إلى باريس للمطالبة باستقلال مصر لدى مؤتمر السلام. ذهب سعد زغلول وعلي شعراوي وعبد العزيز فهمي إلى دار الحماية البريطانية لمقابلة السير ريجنالد ونجت عقب عهد الهدنة في الأربعاء 13 نوفمبر 1918، دار الحديث بينهم دون نتيجة تذكر.
كان هناك اجتماعات لمجموعات أخرى غير مجموعة زغلول، فقد اجتمع فريق من أعضاء نادي المدارس العليا، واتجهت أنظارهم لتكليف مجموعة سعد زغلول بالمطالبة بالاستقلال. قصد مصطفى النحاس وعلي ماهر سعد زغلول وعرضوا عليه موقفهم، أخفى عليهم زغلول ما يقوم به هو وزملاؤه، إلا أنهم لم يقتنعا وعاد النحاس لمقابلة عبد العزيز فهمي. اقتنع فهمي بصدقهم فأخبرهم بما يجري. بدأ الوفد في جمع توكيلات من المصريين لتوكيلهم في الدفاع عن القضية المصرية. في هذه الأثناء ظهرت حركة أخرى من أعضاء الحزب الوطني لتأليف وفد آخر بتأييد من عمر طوسن وكيل الجمعية التشريعية. قابل سعد زغلول عمر طوسون في محاولة منه لتوحيد صف الوفد، فقبل طوسون فضُمّ مصطفى النحاس وحافظ عفيفي.
جمع التوقيعات لتفويض سعد زغلول:
استمر الوفد في جمع التوقيعات للضغط على الإنجليز للسماح بالسفر للوفد إلى باريس. ألقى سعد زغلول أول خطاب في أول اجتماع بعد تأليف الوفد في 13 يناير 1919، أعلن فيه أن الحماية باطلة بموجب القانون الدولي، ووضع في هذا الخطاب مبادئ الدستور السياسي لمصر المستقلة؛ تضمنت المبادئ بقاء نظام الامتيازات الأجنبية، بهدف كسب تأييد الدول التي تتمتّع رعاياها بهذه الامتيازات، حتى تعاون مصر في مؤتمر السلام لنيل استقلالها. أيد حسين رشدي باشا رئيس الوزراء حينها وعدلي يكن وزير المعارف حركة التوكيلات هذه، وطلبا من المعتمد البريطاني السماح لهما وللوفد بالسفر، فجاء الرد بعدم الموافقة، بحجة انشغال اللورد بلفور بمفاوضات الصلح لقرب انعقاد مؤتمر السلام. تقدم الأثنان باستقالتهما للسلطان فؤاد الأول 2 ديسمبر 1918. لم يقبل السلطان فؤاد هذه الاستقالة لعلّ يقبل الإنجليز عرض رشدي باشا بالسفر إلى لندن.
في 21 يناير 1919، سافر المعتمد البريطاني السير ونجت إلى لندن في محاولة إقناع حكومته بسفر الوزيرين إلى لندن لكن الحكومة البريطانية رفضت، فبقي هناك ولم يعد.
أصرّ الإنجليز على موقفهم وظلت الاستقالة معلقة. تراجعت السلطات الإنجليزية فيما بعد، وسمحت للوزيرين بالسفر إلى لندن دون غيرهما. أصرّ رشدي باشا على طلبه بالسماح للسفر لمن يطلب السفر من المصريين إلى أوروبا، فرفض الإنجليز ما أدى إلى قبول السلطان الاستقالة في مارس 1919.
اعتقال سعد زغلول:
تدخل الوفد لأول مرة باعتباره ممثلًا للشعب، وأرسل خطابًا في 2 مارس 1919 للسلطان ليُعلن عن رفضه قبول استقالة الوزارة. تبع هذا الخطاب خطاب آخر في 4 مارس إلى ممثلي الدول الأجنبية يحتج فيه على منع الإنجليز المصريين من السفر إلى مؤتمر السلام. في 6 مارس، استدعى الجنرال وطسن قائد القواتْ البريطانية سعد زغلول وأعضاء الوفد لمقابلته، وقام بتحذيرهم من القيام بأي عمل يعيق الحماية البريطانية على مصر، واتهمهم بتعطيل تشكيل الوزارة الجديدة، ما يجعلهم عرضة للأحكام العرفية.
أرسل سعد زعلول احتجاجا إلى لويد جورج رئيس الوزارة الإنجليزية، أعلن فيه أنه يطلب «الاستقلال التام» لبلاده وأنه يرى في الحماية عملًا دوليًا غير مشروع.
في 8 مارس، أمرت السلطات البريطانية باعتقال مجموعة الوفد وحبسهم في «ثُكنات قصر النيل» ثم تم نفيهم في اليوم التالي إلى «مالطة». انتشرت أخبار نفي أعضاء الوفد في 9 مارس، ما تسبب في بدأ مظاهرات الاحتجاج في القاهرة والمناطق الكبرى، كان قوام المظاهرات طلبة المدارس الثانوية والعليا ثم انضم لهم بقية المصريين.
بداية الأحداث في مارس:
في 10 مارس، أعلن طلاب المدارس الأميرية والأزهر الإضراب العام، وشكلوا مظاهرة كبرى وانضم إليهم من صادفهم من أفراد الشعب. في أثناء مرور المتظاهرين بشارع الدواوين حيث كان يتواجد بعض الجنود الإنجليز فأطلقوا النار على المتظاهرين، ما أدى إلى وفاة أول أثنين من المتظاهرين. تعدى بعض المتظاهرين على قُطر الترام فأتلفوا كثيرًا منها وتعطيل سيرها وتحطيم بعض واجهات المتاجر المملوكة للأجانب.
اعتقال سعد زغلول ونفيه:
نشر سعد زغلول نداءً إلى المصريين داعيهم إلى مواصلة التحرك ضد الاحتلال البريطاني وقال فيه «فلنشق إذن بقلوب كلها اطمئنان، ونفوس ملؤها استبشار، وشعارنا الاستقلال التام أو الموت الزؤام». دعا إلى اجتماع كبير بنادي سيروس، فأنذرته السلطة البريطانية بعدم إلقاء خطب، وأمرته بمغادرة القاهرة والإقامة في الريف له والعديد من زملائه، فرد عليهم سعد برفض هذه الأوامر.
اعتقلت السلطة العسكرية سعد زغلول وزملاءه، وأصدر اللنبي أمراً عسكريًا يوجب على البنوك الامتناع عن صرف أي أموال مودعة باسم سعد أو الوفد إلا بإذن منه.
احتج الوفد على هذه الاعتقالات، وقامت مظاهرات في القاهرة ومدن أخرى.
غادر سعد زغلول في 21 ديسمبر إلى عدن ومنها إلى سيلان (سريلانكا حاليًا)، وهناك أرسلت السلطات البريطانية أحد ضباط المخابرات ليعرض على سعد أن يكون ملكًا على مصر، على أن يقبل الحماية البريطانية وفصل السودان، لكن رفض سعد العرض. في 29 ديسمبر، نفت السلطات البريطانية سعد وصحبه إلى جزر سيشيل بالمحيط الهندي بدلًا من سيلان التي كان من المفترض أن ينفى إليها.
أصدر الوفد قرارًا في 23 يناير 1922 بتنظيم مقاومة سلبية في وجه السياسة البريطانية لتشمل؛
عدم التعاون: والذي يقتضي قطع العلاقات الاجتماعية مع الإِنجليز، وامتناع السياسيين المصريين عن تشكيل الوزارة.
المقاطعة: مقاطعة التجارة والبنوك والسفن وشركات التأمين الإنجليزية.
بعد أن نشرت الصحف قرار الوفد، اعتقلت السلطة العسكرية الأعضاء الذين وقعوا عليه وسجنتهم في سجن قصر النيل، وعطلت الصحف التي نشرت القرار.
على أثر الاعتقالات شُكِلت هيئة جديدة للوفد، وأصدروا نداء إلى المصريين باستمرار جهادهم ضد البريطانيين، إلا أن السلطة العسكرية ما لبثت أن أفرجت في 27 يناير عن أعضاء الوفد المعتقلين فانضموا إلى الهيئة الجديدة. توسطت هذه الفترة حوادث اغتيالات على البريطانيين ومن أهمها مقتل المستر براون مُفتش بوزارة المعارف.
في 20 فبراير، قامت السلطات البريطانية بتفتيش منزل سعد زغلول واستولت على ما به من أوراق، وأغلق المنزل وأقام عليه حرس لمنع الدخول إليه.
5-6 مارس: اعتقلت السلطة البريطانية أعضاء الوفد، وعطلت جريدة اللواء المصري التابعة للحزب الوطني.
تهدئة بريطانيا الحركة الوطنية:
رأت الحكومة البريطانية تهدئة الحركة الوطنية في مصر بالإفراج عن سعد زغلول. نفذ الإفراج في 30 مارس 1923، وسافر سعد زغلول إلى فرنسا لتلقى العلاج، وكذلك أفرجت عن المعتقلين في مصر من أعضاء الوفد. أصدر اللورد اللنبي قرارًا بإلغاء القرار السابق بشأن تعيين حاكم عسكري للقاهرة والجيزة.