عثمان بن فودي.. مجدد الإسلام في غرب إفريقيا
لعب الشيخ عثمان بن فودي، المعروف أيضًا باسم الشيخ فودي، دورًا هامًا في نشر الإسلام في غرب إفريقيا خلال القرن التاسع عشر.
لد عثمان بن فودي عام 1754 في مدينة غومبي في شمال نيجيريا، لعائلة من علماء الدين المسلمين، وتلقى عثمان بن فودي تعليمه الديني على يد والده، ودرس علوم الفقه والحديث والتفسير، وفي عام 1804، بدأ عثمان بن فودي دعوته الإصلاحية التي عرفت باسم "جهاد الفولاني".
سعي عثمان بن فودي إلى إصلاح المجتمع الإسلامي في غرب إفريقيا، ومحاربة الفساد والبدع، ونشر الإسلام الصحيح، واتبع عثمان بن فودي نهجًا سلميًا في البداية، حيث قام بالتدريس والوعظ ونشر المعرفة الإسلامية، ولجأ عثمان بن فودي إلى الجهاد المسلح بعد أن واجه مقاومة من بعض القادة المحليين.
نجح عثمان بن فودي في تأسيس دولة إسلامية في شمال نيجيريا عرفت باسم "إمبراطورية سوكوتو"، حيث ساهمت إمبراطورية سوكوتو في نشر الإسلام في جميع أنحاء غرب إفريقيا، حيث تم بناء المساجد والمدارس ونشر المعرفة الإسلامية، وتوفي عثمان بن فودي عام 1817، تاركًا وراءه إرثًا دينيًا وفكريًا عظيمًا.
حفظ الشيخ عثمان القرآن منذ أن كان صغيرا، وتعلم الحديث والفقه واطلع علي مؤلفات الكثيرين من كتب السلف، واحتك بالكثيرين من علماء بلده وعصره مباشرة وفكرا، مع العلم بأن منطقة غرب إفريقيا كانت زاخرة بالعلماء والمؤلفات وكانوا علي اتصال دائم بعالم الإسلام في المغرب، وفي مصر، وفي الشام، وفي الحجاز، وكان الشيخ عثمان بن فودي مسلما تقيا ورعا، معروفا بحسن أخلاقه وسيرته، كما عرف بالتقوى والصلاح مع غزارة العلم والمعرفة ورحابة الصدر وسعة الأفق والتأني الحكيم ثم العزم الحاسم المتوكل علي الله.
أما عن مؤلفاته فقد بلغت مؤلفاته أكثر من 150 مؤلفا في شتى فروع العلم، في الأصول والتفسير والسنة والفقه والوعظ والسياسة واللطائف والإشارات، من أبرزها: إتباع السنة وترك البدعة، آداب العبادات والعادات إرشاد الإخوان إلى أحكام خروج النسوان، إرشاد السالك الرباني إلى أحوال عبد القادر الجيلاني، إرشاد أهل التفريط والإفراط إلى الصراط، أصول العدل لولاة الأمور وأهل الفضل، أصول الولاية وشروطها، إعداد الدعاة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الأمر بموالاة المؤمنين والنهي عن موالاة الكافرين، بيان وجوب الهجرة على العباد وبيان وجوب نصب الإمام وإقامة الجهاد، تحذير الإخوان من المهدية الموعودة آخر الزمان، تنبيه الإخوان على أحوال أرض السودان، تنبيه أهل الفهوم على وجوب اجتناب الشعوذة وعلم النجوم، حكم جهاد بلاد الهوسا، سراج الإخوان إلى أهم ما يحتاج إليه في هذا الزمان، سوق الأمة إلى إتباع السنة، كف الطالبين عن تكفير عوام المسلمين، مصباح أهل هذه الأزمان من أهل بلاد السودان، نصائح الأمة المحمدية لبيان حكم الفرق الشيطانية التي ظهرت في بلادنا السودانية ، التفرقة بين الوعاظ المهتدين والوعاظ المذمومين، وثيقة إلى جماعة المسلمين.
لم يكن عثمان بن فودي من الرجال الذين يبحثون عن زعامة أو إمارة، وبمجرد حصوله عليها يكف عن سعيه وجهاده ويجلس للتنعم بما حازه وناله، بل كان يبغي نصرة الإسلام ونشره بين القبائل الوثنية، فكان يبغي الدعوة لهذا الدين في شتى أرجاء القارة السمراء. لذلك قرر عثمان بن فودي، العمل على إعادة بناء الدولة الإسلامية من جديد، وتوسيع رقعة الإسلام بالجهاد ضد القبائل الوثنية التي اجتمعت على حرب الإسلام ودعوته الجديدة.
فقرر عثمان بن فودي إتباع استراتيجية الجهاد على عدة محاور، وضم الشعوب الإسلامية تحت رايته، فضم إليه عدة شعوب وقبائل مسلمة كانت متناثرة ومختلفة فيما بينها، وبدأ بالتوسع في ناحيتي الغرب والجنوب الغربي، حيث قبائل "اليورومبا" الكبيرة، والتي هي أصل الشعوب الساكنة في النيجر ونيجيريا، فدانت له هذه القبائل ودخلت في دعوته، وأخذت الدولة الإسلامية في الاتساع شيئاً فشيئاً، حتى أصبحت أقوى مملكة إسلامية في إفريقيا وقتها.
وقد اتبع الشيخ "عثمان بن فودي" في محاولته لإصلاح الأوضاع الدينية والسياسية في هذه البلاد منهجاً علمياً دقيقاً، وذلك بالتركيز على ثلاث قضايا رئيسة:
الأولى: العناية التامة بتعليم العامة أصول الدين ومسائل التوحيد، وإبعادهم عما يناقض هذه الأصول أو ينافي كمالها، فحذر من عادات جاهلية وممارسات وثنية كالسحر والشعوذة.
الثانية: التحذير من البدع الشيطانية والعادات المخالفة للشرع الإسلامي.
الثالثة: محاربة فساد سلاطين بلاد (الهوسا)، ورفع الظلم والخوف عن الشعوب المغلوبة.
ولقد سعى الشيخ عثمان في سبيل تحقيق هذه القضايا إلى تكوين مجموعة من الأتباع المخلصين كان معظمهم من غير قبيلته، لنشر أفكاره وآرائه وتعاليمه الإصلاحية ودحض دعاوي المناوئين من علماء السوء. وكان للشيخ مجلسان للعلم: أحدهما للتدريس: يخرج إليه بعد صلاة العصر والعشاء، يدرس التفسير والحديث والفقه والسلوك وسائر فنون العلم.
والمجلس الآخر: للوعظ والتذكير: يخرج له كل ليلة جمعة، ويحضره الكثيرين، رجالا ونساء. كما كان يخرج إلى الآفاق القريبة والبلدان المجاورة للإفادة والوعظ أياما، ثم يرجع إلى بلده، حتى صار له صيت وشهرة، وصار يقصده الداني والقاصي، وتكونت من المستمعين إليه والحاضرين لمجالسه فئة منتظمة سماها (الجماعة)، وهم الذين صاروا له أنصارا في دعوته الإصلاحية بعد ذلك.
استطاع الإمام المجاهد عثمان بن فودى، أعظم أمراء إفريقيا أن ينجح في بناء قاعدة عريضة من المجاهدين والقادة والأمراء، الذين قادوا الأمة المسلمة فى قلب إفريقيا، وأقاموا أعظم الممالك الإسلامية في هذه المنطقة التي لا يعرف عنها الكثيرين من أبناء المسلمين الآن.