عمر بن سعيد الفوتي.. شيخ الإسلام في غرب أفريقيا
كان عمر بن سعيد الفوتي (1796-1864) شخصية تاريخية بارزة لعبت دورًا هامًا في غرب إفريقيا خلال القرن التاسع عشر.
ولد في مدينة هلوار في فوتا تورو (السنغال حاليًا)، تلقى تعليمه الديني في مختلف أنحاء غرب إفريقيا، وتأثر بأفكار الإصلاح الإسلامي. اشتهر بعلمه الواسع وتقواه، ولقب بـ "شيخ الإسلام".
أسس الفوتي إمبراطورية واسعة عرفت باسم إمبراطورية فوتا تورو، والتي وحدت شعوب الفولاني في غرب إفريقيا ووسعت نفوذ الإسلام في المنطقة، وكان الفوتي داعيًا إسلاميًا وعالمًا مسلمًا بارزًا، وأسس العديد من المدارس الدينية ونشر الإسلام في جميع أنحاء غرب إفريقيا.
اشتهر الفوتي بحكمه العادل وتشريعه للقوانين التي حافظت على الأمن والاستقرار في إمبراطوريته، وقاد الفوتي مقاومة قوية ضد الاستعمار الفرنسي في غرب إفريقيا، وخاض العديد من المعارك ضد القوات الفرنسية.
ولد عمر بن سعيد الفوتي الملقب بـ"عمر تال" عام 1797 في منطقة فوتا تورو شمال السنغال، لأسرة متدينة تمتهن تدريس القرآن الكريم وتهتم باللغة العربية، فنشأ وتربى متأثرا ببيئته.
بدأ الشيخ عمر الفوتي تعليمه بدراسة القرآن الكريم، فأكمل حفظه عندما كان في الثامنة من عمره، ثم بعد ذلك بدأ في دراسة اللغة العربية والفقه، ولازم الشيخ مولود فال الشنقيطي والشيخ عبد الكريم من منطقة فوتا جالون، الواقعة شمال شرقي غينيا، حتى أصبح ضليعا في العلوم الشرعية.
وفي مرحلة مبكرة من عمره قام الفوتي برحلات علمية كثيرة ساهمت في توسيع معارفه وإبراز مواهبه، فقد سافر لمدينة "حمد الله" بدولة مالي حاليا وسمع من علمائها، ثم توجه لمصر ومكث في الأزهر الشريف ونهل من علمائه.
وفي عام 1827 حج بيت الله الحرام، وانتقل للمدينة المنورة، وهنالك التقى الشيخ محمد الغالي المغربي (تلميذ أبي العباس أحمد التيجاني مؤسس الطريقة التيجانية) ولازمه 3 سنوات حتى منحه لقب الخليفة.
وفي أثناء رجوعه من الحج مر بمدينة "حمد الله" والتقى ملكها شيخ أحمادو ونسج معه علاقات طيبة، لكنه تعرض للاختطاف والأسر فترة زمنية من قبل زعيم مملكة البامبرا.
بعد وفاة الأمير محمد بلّو اختار الشيخ عمر الاستقلال بذاته وأتباعه، فحط رحله في"فوتا جالون" التي يعتنق جلّ سكانها الدين الإسلامي، وخاصة مدينة دينغراي وأسّس بها زاويته عام 1840.
ومن تلك الزاوية (مكان للعبادة وإيواء المجاهدين والمحتاجين وطلبة العلم) بدأ في تدريس العلم ونشر الطريقة التيجانية بين قبائل المنطقة، وقام بتكوين الأتباع والمريدين ليساعدوه في نشر مذهبه بين مختلف السكان.
وقامت طريقته بتكوين الأتباع والمريدين على "الطاعة المطلقة والعمياء للشيخ، واعتبرت أن من قام بذلك كأنما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وكان اختيار دينغراي لتكون مقرا للزاوية يعود لأهميتها، حيث إنها تقع على ملتقى طرق القوافل التجارية العاملة في مجال الذهب والسلاح.
وعندما قام بجولات دعوية في القرى والأرياف القريبة من زاويته كثر أتباعه وتحلّق الناس من حوله.
وفي العام 1847 رجع من رحلة دعوية في القبائل والإمارات، وقد تبعه الكثير من الناس وأصبح له جيش وجنود يحرسونه، فتخوّف منه ملك فوتا جالون وأمره بالمغادرة والابتعاد.
في عام 1851 نزل بدينغراي التابعة لإقليم تيمبا شمال غينيا وبدأ في تأسيس دولته وسارع إلى إنشاء الحصون والقلاع وتدريب العسكر.
وسرعان ما تمت المواجهة بينه وبين أمير تامبا الوثني "يمبا ساخو"، وقد استطاع الفوتي القضاء عليه وغنم خيرات مملكته.
وقد كان الانتصار على الملك الوثني بداية لمرحلة جديدة من الجهاد وتأسيس الدولة عام 1852.
وقد كانت علاقته مع الفرنسيين في البداية قائمة على التعايش الحذر، إذ لم يكن يرغب في المواجهة معهم خوفا من دعمهم للقبائل الوثنية التي أعلن ضدها الجهاد، كما أن الحامية الفرنسية في سان لويس كانت تتجنب المواجهة معه لأنه يحظى بشعبية واسعة تمكنه من تحريك القبائل الإسلامية ضدها.
وفي عام 1854 عينت فرنسا الجنرال لويس فيدريب حاكما للسنغال لتنفيذ خطة التوغل والتوسع، وسريعا ما تمت المواجهة بينه وبين قوات الشيخ عمر الفوتي.
وفي التاسع من يناير 1855 أعلن الفوتي المواجهة مع الاحتلال الفرنسي، حيث هاجم الوكالات التجارية بإقليم خاسو التابع للحماية الفرنسية.
وفي فبراير 1855 اعتقلت قوات الحاج عمر حاكم مركز سينوديبو "جيراردو " (Girardo)، وأطلقت سراحه بعد دفع فدية قدرها 45 قطعة غينية، كما أغرقت سفينة فرنسية بمياه نهر السنغال واعتقلت بعض ركابها.
وفي 15 مارس 1855 انتهجت القوات الفرنسية سياسة الأرض المحروقة، حيث حرقت أراضي المزارعين والقبائل وحاصرتهم ونهبت مواشيهم حتى لا يدعموا حركة الحاج عمر.
وفي عام 1857 داهم الشيخ عمر الفوتي مركز مدين التابع للقوات الفرنسية، لكنه تكبد خسائر كبيرة وأُرغم على التراجع نحو فوتا جالون.
وفي عام 1858 رجع لموطنه الأصلي فوتا تور شمال السنغال، وبدأ يحث الناس على الجهاد ومقاومة المستعمر والرحيل شرقا نحو دولته الإسلامية ومركزها في دينغراي بغينيا حاليا.
لكن القوات الفرنسية تعقبته وحاصرت القبائل التابعة له حتى توجه شرقا نحو الأراضي المالية.