أوكرانيا بين الحاجة إلى الجنود وتحديات التجنيد الإجباري
بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من القتال المستمر، تجد أوكرانيا نفسها في حاجة ماسة لتعزيز صفوف جيشها، لكن التجنيد الإجباري بات يواجه استياءً متزايدًا لدى العديد من الأوكرانيين، الذين يرفضون الحديث عن هذا الأمر علنًا، وخاصة الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و60 عامًا، إذ يخشون من أن يتم استدعاؤهم أو اقتيادهم عشوائيًا من الشوارع على يد ضباط التجنيد ونقلهم مباشرة إلى معسكرات التدريب.
وفي ظل توقعات سابقة بأن الصراع سينتهي عاجلًا، أصاب القتال الطويل الأمد الأوكرانيين بحالة من الإحباط، حيث يضطر كثيرون لمواجهة تداعيات الحرب المستمرة. وجاءت زيادة الضريبة العسكرية الأخيرة، والتي ارتفعت من 1.5% إلى 5% لتوفير موارد إضافية للقوات المسلحة، لتزيد من تذمر المواطنين. وقالت إيفونا كوستينا، مديرة منظمة "Veteran Hub" غير الحكومية التي تدعم الجنود السابقين، إن الخوف منتشر بين الناس بشكل كبير، مشيرة إلى أن حياة جميع المواطنين الأوكرانيين قد تأثرت بشدة جراء هذه الحرب.
ومع نقص الجنود على طول الجبهة الممتدة في شرق وجنوب البلاد، باتت الحاجة إلى قوة بشرية جديدة أكثر إلحاحًا، لكن انعدام أي برامج للتسريح من الخدمة العسكرية جعل منها أشبه "بتذكرة ذهاب دون عودة"، ما أدى إلى تزايد الشعور بعدم الإنصاف لدى الجنود الحاليين، في حين يخشى المدنيون من الدخول في هذه الدوامة التي قد لا يجدون منها مخرجًا.
أما على الجانب الآخر، فإن روسيا تتمتع بتفوق ديموغرافي وعسكري، حيث يبلغ عدد سكانها نحو ثلاثة أضعاف ونصف سكان أوكرانيا، إضافة إلى قوات عسكرية قوامها 1.5 مليون مقارنة بنحو 900 ألف جندي أوكراني. ويثير هذا الواقع نقاشًا محتدمًا حول نموذج التجنيد الأنسب، فبينما يدعم البعض النموذج الإلزامي على غرار إسرائيل، يرى آخرون أن نظام التجنيد التطوعي بالكامل، كما في الولايات المتحدة، هو الأفضل لأوكرانيا.
ولتجاوز هذه التحديات، اتخذت كييف عدة خطوات، حيث خفضت سن التجنيد من 27 إلى 25 عامًا وقلصت الاستثناءات، إلى جانب زيادة الحوافز المالية وتكثيف حملات التوعية والإعلانات العامة لجذب المتطوعين، ومنحت المجندين خيار اختيار الوحدة العسكرية والخدمة إلى جانب أفراد الأسرة.
رغم هذه الجهود، إلا أن وزارة الدفاع الأوكرانية تقر بأن مستوى التجنيد الطوعي غير كافٍ للتعويض عن التفوق الديموغرافي الروسي. ورغم عدم كشف الحكومة عن أعداد الجنود الذين فقدوا حياتهم، فإن النصب التذكاري لضحايا الحرب في العاصمة كييف، والذي يضم آلاف الصور والأسماء، يكشف عن حجم الخسائر.
كانت الأشهر الأولى من الحرب قد شهدت تدفق المتطوعين إلى مراكز التجنيد، واستمرت التبرعات بدعم القوات المسلحة. لكن حملات التعبئة تعرضت لضربة، مع انتشار تقارير عن حالات رشوة للتهرب من التجنيد، مما أدى إلى تآكل الثقة العامة في الدولة والجيش. وفي هذا الشهر، وُجهت اتهامات إلى 33 مسؤولًا بتقديم أموال لأطباء مزيفين للحصول على إعفاءات طبية مزورة، مما يسمح لبعض المواطنين بالتهرب من الخدمة.
وبين الحاجة المستمرة للجنود في الخطوط الأمامية والاستياء الشعبي من التجنيد الإجباري، تواجه أوكرانيا تحديات كبيرة في الحفاظ على قوة عسكرية قادرة على الصمود في وجه الهجمات، في ظل الظروف الصعبة والحصار المستمر، حيث تبقى إرادة الشعب الأوكراني للعيش بسلام والدفاع عن أرضه هي الأمل الأكبر لتحقيق النصر.