اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

واشنطن تصعّد حربها ضد جنوب إفريقيا.. قطع مساعدات وتهديد باعتقال المعارض جوليوس ماليما

جنوب افريقيا
جنوب افريقيا

تسعى واشنطن إلى زيادة الضغط على جنوب إفريقيا من خلال عدة خطوات تصعيدية، بدءًا من قطع المساعدات وصولاً إلى التهديد باعتقال جوليوس ماليما، مؤسس حزب "المقاتلين من أجل الحرية الاقتصادية" (EFF)، ووصفه بالمجرم الدولي.
كما دخل إيلون ماسك، الملياردير الشهير، على خط الأزمة وأصبح مؤخرًا رأس الحربة في الهجوم على الزعيم السياسي الجنوب إفريقي يوليوس ماليما، ولم يتردد في التحريض العلني ضده. حيث نشر تغريدات صريحة دعا فيها إلى فرض عقوبات دولية على ماليما، متذرعًا بادعاء زائف مفاده أن ماليما يشكل "تهديدًا شيوعيًا للسكان البيض". ولكن وراء هذه التصريحات السطحية يكمن واقع مختلف تمامًا، حيث إن ماسك، الذي وُلد في جنوب إفريقيا في عائلة استفادت بشكل مباشر من نظام الفصل العنصري، ليس فقط رجل أعمال ناجحًا، بل أيضًا جزءًا من شبكة مصالح عالمية ترى في أي تحرك تحرري تهديدًا لربحها واستثماراتها.
كما فعلت الولايات المتحدة في الماضي، عندما دعمت أنظمة قمعية من أجل حماية مصالح الشركات العابرة للقارات، يسير ماسك اليوم على نفس النهج، مستغلًا نفوذه الإعلامي والسياسي في محاولة لخنق أي حركة تسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية في جنوب إفريقيا. ماسك، الذي تربطه علاقات قوية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليس استثناءً من هذا التحالف بين النخب المحلية ورأس المال العالمي، الذي يسعى دائمًا لإفشال أي محاولة لتحقيق تحرر اقتصادي، خاصة إذا كان ذلك يتعارض مع مصالحهم.

ويعد ماليما هدفًا منشودا للغرب للأسباب التالية:

1. السيطرة الاقتصادية والتفاوت الطبقي في جنوب إفريقيا:
على الرغم من انتهاء الفصل العنصري رسميًا في 1994، إلا أن الواقع الاقتصادي في جنوب إفريقيا لا يزال يتسم بهيمنة فئة نخبوية محدودة، تستحوذ على القطاعات الاقتصادية الرئيسية مثل التعدين والطاقة والموارد الطبيعية. هذه النخبة، التي استفادت لعدة عقود من سياسات التمييز العنصري، ما تزال تسيطر على مفاصل الاقتصاد في البلاد. في المقابل، يظل ملايين المواطنين السود، الذين يشكلون العمود الفقري للقطاعات الإنتاجية مثل التصنيع والزراعة والتعدين، يعانون من ظروف معيشية قاسية وأجور منخفضة.

2. "التحول الديمقراطي" من وجهة نظر اقتصادية:
على الرغم من التغييرات السياسية التي جلبها "التحول الديمقراطي" عام 1994، إلا أن توزيع الثروة في البلاد لم يشهد تغييرات جوهرية. بل على العكس، ازدادت الفجوة الطبقية بشكل ملحوظ بين الأغنياء والفقراء. فحتى بعد إلغاء القوانين العنصرية رسميًا، لا يزال العديد من العمال السود يعانون من الاستغلال، ويواجهون تحديات كبيرة للوصول إلى فرص اقتصادية أو ترقي اجتماعي حقيقي. في الوقت نفسه، لا يزال ورثة النظام الاستعماري يسيطرون على الموارد الاقتصادية والسياسية.

3. التهديد الذي يمثله جوليوس ماليما وحزبه:
في هذا السياق، لا يقتصر التهديد الذي يشكله جوليوس ماليما وحزبه على التحديات التي يواجهها النظام القائم في جنوب إفريقيا فحسب، بل يمتد أيضًا إلى المصالح الغربية. فبرامج ماليما السياسية تقوم على تفكيك احتكار الثروة التي استحوذت عليها النخب الاقتصادية، بما في ذلك عبر إصلاحات جذرية مثل إعادة توزيع الأراضي وتأميم القطاعات الحيوية مثل التعدين والطاقة. هذه السياسات، التي تدعو إلى تصحيح ما يعتبره ماليما "الظلم التاريخي"، تشكل تهديدًا للامتيازات التي تحظى بها النخب المتحالفة مع المصالح الغربية.

4. دعم القضية الفلسطينية:

إلى جانب موقفه المحلي، تتضافر عوامل أخرى تجعل ماليما هدفًا واضحًا لهجوم ماسك، ومن أبرز هذه العوامل موقفه الثابت من القضية الفلسطينية. ففي ظل العدوان الأخير على غزة، أصبح ماليما وحزبه من أبرز المناصرين للقضية الفلسطينية، حيث قادوا احتجاجات ضخمة أمام السفارة الإسرائيلية، ما جعل القضية الفلسطينية محورية في الخطاب السياسي الجنوب إفريقي. كما صوّتوا في البرلمان لصالح إغلاق السفارة الإسرائيلية وقطع العلاقات الدبلوماسية، في خطوة تاريخية غير مسبوقة. بالإضافة إلى ذلك، مارسوا ضغطًا على حكومة المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC) لمقاضاة إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما تحقق بالفعل، حيث كانت جنوب إفريقيا أول دولة توجه اتهامًا رسميًا ضد إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية.

هذا التحرك الجريء أربك واشنطن وتل أبيب، اللتين اعتادتا على إبقاء مواقف الدول الإفريقية تحت السيطرة باستخدام الضغوط الاقتصادية والسياسية. لكن ماليما وحزبه كسرا هذه القاعدة، ما دفع الولايات المتحدة إلى تصعيد حملاتها ضدهم في محاولة لردع أي دولة أخرى تفكر في اتخاذ مواقف مشابهة.

الحرب على جنوب إفريقيا و ماليما تؤكد إن الولايات المتحدة، التي تدعي حرصها على الديمقراطية وحقوق الإنسان، ليست في الواقع مهتمة بحماية حقوق أي فئة عرقية أو لونية في إفريقيا. بل إن استهداف جنوب إفريقيا يمثل في الحقيقة رسالة تهديد لكل القوى السياسية في أنحاء العالم التي تسعى إلى تعزيز حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وحقها في إدارة سيادتها السياسية والاقتصادية دون تدخلات خارجية.

بسبب هذه السياسات، يتعرض ماليما وحزبه إلى حملات تشويه منظمة على الصعيدين الداخلي والدولي، تهدف إلى تقويض صعوده السياسي والجماهيري. في حين تروج واشنطن لماليا كمجرم دولي، فإن الواقع يعكس قلقًا متزايدًا من أن التغيرات التي يدعو إليها قد تؤدي إلى إعادة تشكيل النظام الاقتصادي في جنوب إفريقيا، وهو ما قد يضر بمصالح القوى الغربية المستفيدة من الوضع الحالي.

موضوعات متعلقة