محادثات الرياض.. روسيا والولايات المتحدة في مفترق طرق حول أوكرانيا والشرق الأوسط

ركزت محادثات الرياض بين الولايات المتحدة وروسيا بشكل أساسي على أوكرانيا باعتبارها القضية الأهم، كما تناولت أيضًا قضايا أخرى في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد خلافات كبيرة بين واشنطن وموسكو، مثل القضية الفلسطينية والعلاقات مع إيران وسوريا ولبنان.
وأوضح خبراء أمريكيون أن تسوية الحرب في أوكرانيا وفقًا لرؤية الرئيس دونالد ترامب لن تقتصر فقط على إنهاء النزاع في أوكرانيا، بل ستشمل أيضًا العديد من القضايا في منطقة الشرق الأوسط.
وفي ورقة تحليلية، أكد كل من كريج مارتن ومايكل جيه كيلي أن إنهاء الحرب في أوكرانيا لن يكون في مصلحة أوكرانيا فقط، بل سيكون جزءًا من أهداف ترامب لتحقيق مكاسب سريعة في ولايته الثانية، والتي تشمل تسوية الحرب، تأمين النفط بأسعار منخفضة، تعزيز الأمن القومي الأمريكي، وتهدئة الصراعات في الشرق الأوسط.
من جهته، أكد برنت سادلر، الباحث في مؤسسة "هيريتيج"، أن المحادثات قد شملت أيضاً قضايا أخرى مثل إطلاق سراح الأمريكيين المحتجزين في السجون الروسية.
تعد سوريا من أبرز القضايا الخلافية بين الولايات المتحدة وروسيا في الشرق الأوسط، حيث تحافظ كل من موسكو وواشنطن على وجود عسكري في البلاد منذ سنوات.
وبعد سقوط بشار الأسد في 8 ديسمبر، بدأت روسيا سحب بعض قواتها العسكرية، ما أثار تساؤلات حول دورها المستقبلي. ومع ذلك، تسعى موسكو للحفاظ على قاعدتي "طرطوس" البحرية و"حميميم" الجوية الاستراتيجيتين.
ومن المنتظر أن تتوصل روسيا إلى اتفاق مع سوريا للحفاظ على وجود عسكري محدود، وتقديم مساعدات في محاربة "داعش" مقابل الحفاظ على منشآتها العسكرية.
وسط غياب استراتيجية واضحة من إدارة ترامب، يختلف الخبراء حول الشروط التي قد تفرضها واشنطن.
ويعتقد برنت سادلر أن إدارة ترامب قد تشترط انسحاباً كاملاً من سوريا، بينما يرى جاستن توماس راسل أن روسيا قد تحاول التفاوض على إعادة ترسيخ وجودها في البلاد، وقد تعرض على ترامب محاربة "داعش" مقابل سحب القوات الأمريكية.
كما أعلنت روسيا والسودان مؤخرًا التوصل إلى اتفاق لإنشاء قاعدة بحرية لها في بورتسودان بعد مفاوضات استمرت لسنوات.
وبرزت تصريحات برنت سادلر، التي تشير إلى أن إدارة ترامب قد تطالب بانسحاب كامل لروسيا من سوريا لوقف خططها في البحر الأحمر، خاصة وأن روسيا تعتمد على قواعدها في سوريا لدعم عملياتها العسكرية في إفريقيا. واعتبر سادلر أن الاتفاق السوداني ليس ذا قيمة دون وجود عسكري روسي قوي في المنطقة مثل قاعدة طرطوس.
وأضاف سادلر أن الولايات المتحدة تقاوم أي تواجد روسي في المنطقة، مع إمكانية التفاوض بشأن استثناءات محدودة للتجارة بين روسيا وإيران، وهو أمر غير محتمل.
منذ اندلاع حرب أوكرانيا، عززت روسيا علاقتها مع إيران، التي أصبحت مورداً رئيسياً للأسلحة، بما في ذلك الطائرات المسيرة. وفي سياق ذلك، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على طهران. كما وقّع الرئيس الروسي اتفاقية شراكة استراتيجية مع إيران قبل تولي ترامب منصبه.
تقارير تفيد بأن روسيا قد تطالب برفع العقوبات عن إيران في إطار محادثات سلام محتملة بشأن أوكرانيا، مع احتمال تأثير ذلك على استقرار أسعار الطاقة. ورغم تراجع نفوذ روسيا وإيران في سوريا بعد الحرب، إلا أن اهتمامهما بالحفاظ على وجودهما في الشرق الأوسط مستمر.
وفقاً لفيليب كراولي، ستركز إدارة ترامب في أي محادثات بشأن القواعد العسكرية الروسية في سوريا على ضمانات بعدم دعم موسكو لإيران، مع احتمال عدم ممارسة ضغوط على روسيا لتقليص وجودها العسكري هناك.
في هذا السياق، ربطت صحيفة "وول ستريت جورنال" بين مقترحي ترامب لإنهاء الحرب في غزة والصراع في أوكرانيا، معتبرة أنه يسعى لتغيير قواعد حل النزاعات العالمية عبر تقديم تنازلات لروسيا. وانتقدت روسيا مقترح ترامب بشأن تهجير سكان غزة، مؤكدة أن الحل الوحيد في الشرق الأوسط هو حل الدولتين.
من جهته، اعتبر فيليب كراولي أن فكرة ترامب حول رحيل الفلسطينيين لصالح مشروع سياحي في غزة غير واقعية، موضحًا أن مقترحاته لا تحظى بأي دعم خارجي.
أشار المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي إلى أن روسيا ستدعم الموقف القائل بضرورة فتح الطريق لإقامة دولة فلسطينية كجزء من حل الأزمة في غزة، كما ستسعى لاستغلال القضية لإضعاف مصداقية الولايات المتحدة في المنطقة. من جهته، يرى راسل أن بوتين يواجه تحديات داخلية تتعلق بمحاولاته لإعادة جذب اليهود الروس الذين هاجروا إلى إسرائيل، وهو ما قد يمنعه من التصعيد ضد إسرائيل. لكن في الوقت نفسه، قد يواجه ترامب صعوبة في إقناع روسيا بالتخلي عن دعم حل الدولتين.
كما شهدت العلاقات الروسية مع إسرائيل توتراً منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022، حيث اختارت تل أبيب عدم الانضمام للعقوبات الغربية ضد موسكو، رغم الضغوط، رفضت إسرائيل إرسال أسلحة فتاكة إلى أوكرانيا. ورغم ذلك، أرجع نتنياهو هذا الموقف إلى المخاوف من وصول الأسلحة إلى إيران.
بعد هجوم 7 أكتوبر 2023، أدانت موسكو الهجوم وقررت دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكنها تبنت لاحقاً موقفاً نقدياً تجاه العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. وشبّه بوتين في البداية الهجوم الإسرائيلي على غزة بحصار لينينجراد، محذراً من انتهاك القانون الدولي.
طالبت روسيا بوقف فوري لإطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية، لكن قراراتها قوبلت بالفيتو الأميركي. وفي المقابل، رفضت موسكو قرارات واشنطن بشأن غزة، معتبرة أن الولايات المتحدة لم تمارس الضغط الكافي على إسرائيل.
رغم ذلك، لم تكن روسيا مستعدة لقطع علاقاتها مع إسرائيل، حيث لا تزال إسرائيل شريكاً تجارياً هاماً، ويمثل الروس والسوفييت السابقون حوالي 15% من سكان إسرائيل. ورغم التوترات، أكدت وزارة الخارجية الروسية استمرار العلاقات الثنائية مع إسرائيل في مختلف المجالات بعد زيارة وفد "حماس" لموسكو في أكتوبر 2023.