اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

الانتخابات التشريعية الألمانية.. تحول محتمل نحو اليمين في ظل تحديات اقتصادية وأمنية

الانتخابات الألمانية
الانتخابات الألمانية

توجه أكثر من 59 مليون ناخب ألماني صباح اليوم الأحد للإدلاء بأصواتهم في انتخابات تشريعية مبكرة تكتسب أهمية كبيرة في ظل الظروف الحالية، إذ تأتي بعد انهيار الائتلاف الحكومي بقيادة المستشار الاشتراكي أولاف شولتس في أواخر عام 2024، ما دفع البلاد إلى الدعوة إلى انتخابات مبكرة.
يشهد السباق الانتخابي تقدمًا ملحوظًا للمعارضة المحافظة، التي تتطلع للعودة إلى السلطة بعد فترة من الهيمنة الاشتراكية الديمقراطية. في المقابل، يُتوقع أن يحقق الحزب اليميني المتطرف، "البديل من أجل ألمانيا"، نتائج قياسية قد تتجاوز العشرين في المئة من الأصوات، ما يعد قفزة كبيرة مقارنة بالانتخابات السابقة.
هذه الانتخابات تجري في وقت حساس للغاية بالنسبة لألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، الذي يواجه تحديات اقتصادية وأمنية غير مسبوقة. بين تراجع النمو الاقتصادي، وتهديدات حرب تجارية مع الولايات المتحدة، وارتباك في العلاقة عبر الأطلسي، تلوح في الأفق احتمالية تحول جذري في السياسات الداخلية والخارجية لألمانيا.
وأكد فريدريش ميرتس، زعيم المحافظين، أن "مصير" ألمانيا سيكون على المحك في هذه الانتخابات، مبرزًا المخاطر المحتملة إذا استمرت الحكومة الاشتراكية الديمقراطية في سياستها.
فيما يتعلق بالنتائج المتوقعة، تشير استطلاعات الرأي إلى أن ميرتس في موقع قوي للفوز بنسبة تصل إلى 30% من الأصوات، مما يتيح له تحويل البلاد نحو مسار سياسي يميني. في المقابل، من المتوقع أن يحقق حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD) ما لا يقل عن 20% من الأصوات، وهو ما يشكل تحولًا كبيرًا لهذا الحزب الذي يروج لأجندات معارضة للهجرة وداعمة لروسيا، حيث فرض أجندته على الحملة الانتخابية، خاصة بعد سلسلة من الهجمات التي نفذها أجانب في ألمانيا، مثل الهجوم الأخير الذي وقع في برلين.

الحزب اليميني المتطرف حظي أيضًا بدعم لافت من شخصيات دولية مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي أشاد بزعيمة الحزب، أليس فايدل، عبر منصّته "إكس"، مما يعكس تحولًا في الدعم السياسي والإعلامي الذي يلقاه الحزب في ألمانيا.

من ناحية أخرى، تجرى الانتخابات في ظل الذكرى الثالثة للغزو الروسي لأوكرانيا، وهو الحدث الذي أثر بشكل عميق في السياسة الألمانية، خاصة بعد وقف إمدادات الغاز الروسي واستقبال أكثر من مليون لاجئ أوكراني. هذه الذكرى تضاعف من حدة النقاشات حول الأمن الأوروبي، حيث تخشى ألمانيا من تداعيات اقتصادية نتيجة لسياسات تجارية قد تفرضها الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس ترامب، إضافة إلى التحديات السياسية المتعلقة بعلاقاتها مع موسكو.
في تعليق للرئيس الأميركي حول الانتخابات الألمانية، أعرب عن تمنياته بالتوفيق لألمانيا، الحليف التاريخي للولايات المتحدة، لكنه أشار إلى أن برلين تواجه تحدياتها الخاصة. هذا التصريح يأتي في وقت يشهد فيه الشقاق بين واشنطن وبرلين مزيدًا من التعمق، خاصة بعد الخطاب الذي ألقاه نائب الرئيس الأميركي جاي. دي. فانس في ميونيخ. في هذا الخطاب، دعا فانس الأحزاب الألمانية التقليدية إلى إعادة النظر في موقفها الرافض للتحالف مع اليمين المتطرف، وهي قضية تعد من المحرمات في السياسة الألمانية.

من جهته، أشار فريدريك ميرتس، زعيم الاتحاد المسيحي الديمقراطي، إلى أن ألمانيا ستظل في «قلب أوروبا» حتى في غياب الدعم الأميركي، مؤكداً على ضرورة حصول حزبه على «تفويض قوي» من الناخبين لتمكين البلاد من الاضطلاع بدور قيادي في أوروبا. هذا التصريح يعكس طموح ألمانيا في الحفاظ على دورها المؤثر في الساحة الأوروبية رغم التحديات الداخلية والعلاقات الدولية المتوترة.

في ظل النظام البرلماني الألماني، يُتوقع أن تستغرق المفاوضات لتشكيل حكومة جديدة أسابيع أو حتى أشهر. في هذا السياق، قد تسعى الكتل السياسية الكبرى مثل «الاتحاد المسيحي الديمقراطي» و«الاتحاد المسيحي الاجتماعي» إلى تشكيل ائتلاف حكومي مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، رغم استبعاد تحالفها مع حزب «البديل من أجل ألمانيا»، الذي بدأ يظهر بعض التقارب معه حول قضايا الهجرة.
وفي هذا الإطار، تشير استطلاعات الرأي إلى أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي قد يحصل على 15% من الأصوات، وهو ما يجعله شريكًا محتملاً في الحكومة القادمة. ورغم أن هذه النسبة تمثل أسوأ أداء للحزب منذ ما بعد الحرب، فإن زعيمه أولاف شولتس سيظل مكلفًا بتولي مهام الفترة الانتقالية.

أما بالنسبة للموعد المتوقع لتشكيل الحكومة، فقد أبدى ميرتس تفاؤله بأنه سيتم إنجاز ذلك بحلول عيد الفصح في 20 أبريل. لكن تحقيق هذا الهدف يبدو صعبًا إذا عجزت الأحزاب الكبرى عن الحصول على غالبية برلمانية بمفردها، مما سيجبرها على البحث عن شريك ثالث. في هذا السياق، ستكون نتائج الأحزاب الصغيرة ذات تأثير كبير. فإذا نجحت هذه الأحزاب في تخطي عتبة 5%، ستتمكن من الحصول على مقاعد في البرلمان، مما يزيد من تعقيد تشكيل ائتلاف حكومي مستقر بين الحزبين الرئيسيين.
إجمالًا، تعكس الانتخابات التشريعية الألمانية لعام 2024 تحولًا كبيرًا في المشهد السياسي في ألمانيا، إذ تضع البلاد أمام مفترق طرق بين الاستمرار في سياسات الحكومة الحالية أو التوجه نحو اليمين المتطرف في ظل تحولات اقتصادية وأمنية عالمية معقدة.

موضوعات متعلقة