حقبة مضطربة.. رئيس وزراء بريطانيا يكشف تحولات السياسة الدفاعية الأوروبية

في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، أقر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بأن أوروبا تمر بمرحلة حرجة تتسم بتحديات أمنية غير مسبوقة، وذلك في سياق إعادة تشكيل العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وروسيا. وأشار إلى أن القارة العجوز تدخل "حقبة أكثر قتامة"، ما يتطلب إعادة تقييم جذرية لمفاهيم الأمن والدفاع.
رؤية ستارمر للدفاع الأوروبي.. إعادة التوازن إلى الناتو
أكد ستارمر صحة موقف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الذي دعا منذ سنوات إلى ضرورة تحمل الدول الأوروبية مسؤولية أكبر في الإنفاق الدفاعي داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو). واعتبر أن الدول الأوروبية مطالبة بمضاعفة جهودها العسكرية لحماية أمنها بدلاً من الاعتماد المفرط على الدعم الأميركي.
وفي هذا السياق، أبدى فخره بالإعلان عن دخول غواصة HMS النووية من فئة "دريدنوت" إلى الخدمة بحلول عام 2030، باعتبارها رمزًا للقوة البريطانية، لكنه أقر في الوقت ذاته بأن الجيش البريطاني يعاني من إجهاد كبير، مما يضع تساؤلات حول مدى قدرة المملكة المتحدة على تحقيق التزاماتها الدفاعية المستقبلية.
أزمة التمويل العسكري.. بين الالتزام والواقع الاقتصادي
التزم ستارمر بزيادة الإنفاق العسكري إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2027، بتمويل من خفض مساعدات التنمية الخارجية، مع طموح للوصول إلى 3% خلال العقد المقبل. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف يواجه تحديات اقتصادية كبيرة، إذ لم تتضح بعد الآليات التي ستمكّن الحكومة البريطانية من توفير هذه الموارد دون التأثير على قطاعات حيوية أخرى.
تحالف الراغبين.. استراتيجية أمنية أوروبية جديدة؟
أشار ستارمر إلى مساعٍ بريطانية لتشكيل قوة عسكرية متعددة الجنسيات تحت مسمى "تحالف الراغبين"، بهدف تأمين أوكرانيا بعد أي تسوية سلمية مستقبلية. ويهدف هذا التحالف إلى حماية المجال الجوي والموانئ والحدود الأوكرانية، ما يعكس توجهًا أوروبيًا جديدًا للحد من الاعتماد الكلي على الناتو، في ظل الشكوك حول استمرارية الالتزام الأميركي بالأمن الأوروبي.
ورغم هذه الجهود، فإن المبادرة تواجه عراقيل كبرى، إذ رفضت روسيا فكرة إنشاء قوة حفظ سلام تابعة للناتو، في حين لم يقدم ترمب ضمانات أمنية واضحة، وهو ما يترك التحالف في حالة من الغموض بشأن مدى فعاليته وقدرته على تحقيق أهدافه.
العلاقة مع ترمب.. شراكة حذرة أم ضرورة استراتيجية؟
يحاول ستارمر التعامل بمرونة مع ترمب، ساعيًا للحفاظ على علاقة شخصية جيدة معه، إدراكًا لأهمية التعاون مع واشنطن في ظل التحديات الأمنية المتزايدة. ولتحقيق ذلك، تبنى نهجًا دبلوماسيًا غير تصادمي، إذ عمل على تهدئة المخاوف الأوكرانية تجاه ترمب، من خلال إرسال مستشاره للأمن القومي إلى كييف لتنسيق المواقف.
ويعكس هذا التوجه رغبة بريطانيا في تعزيز دورها كوسيط بين أوروبا والإدارة الأميركية، مع الحفاظ على العلاقة "الخاصة" بين لندن وواشنطن، بعيدًا عن النهج الذي يتبناه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، واللذين يدعوان إلى استقلال أمني أوروبي عن الولايات المتحدة.
الرسوم الجمركية وأوكرانيا.. تحديات أمام العلاقات الاقتصادية
لم تقتصر تحديات العلاقة البريطانية الأميركية على القضايا الأمنية، بل شملت أيضًا الملفات الاقتصادية، إذ أبدى ستارمر استياءه من فرض ترمب رسومًا جمركية بنسبة 25% على الصلب البريطاني. ومع ذلك، تبنى نهجًا دبلوماسيًا في التعامل مع هذا الملف، محاولًا تجنب ردود فعل تصعيدية تؤثر على العلاقات الثنائية.
بريطانيا بين الولاء للأمن الأوروبي والمصالح الأميركية
يواجه كير ستارمر توازنًا دقيقًا بين تعزيز الأمن الأوروبي، وتجنب استعداء الإدارة الأميركية، والسعي لإبقاء بريطانيا لاعبًا رئيسيًا في النظام الدولي. وبينما يطرح مشروع "تحالف الراغبين" كبديل لتعزيز الأمن الأوروبي، فإن نجاحه يعتمد على مدى استعداد الدول الأوروبية الأخرى للالتزام بهذه المبادرة، في ظل الضغوط الاقتصادية والتوترات الجيوسياسية المستمرة.