السودان في مفترق طرق.. أزمة الشرعية بين حكومتين وتصاعد الخطر الإنساني

في خطوة أثارت قلق المجتمع الدولي، أعلنت "قوات الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) عن تشكيل حكومة جديدة موازية للحكومة القائمة في السودان، وذلك في خضم حرب أهلية مستعرة دخلت عامها الثاني. الإعلان جاء عبر بيان رسمي نُشر على تطبيق "تلغرام"، وأكد فيه دقلو قيام "حكومة السلام والوحدة" ضمن ما وصفه بـ"تحالف مدني واسع يمثل الوجه الحقيقي للسودان"، مشيراً إلى إطلاق عملة جديدة ووثائق هوية بديلة في تحدٍ واضح لسلطة الدولة المركزية.
بريطانيا ومجموعة السبع تدقان ناقوس الخطر
جاء الرد البريطاني سريعاً وحازماً، حيث أدانت الخارجية البريطانية هذا الإعلان واعتبرته إجراءً "أحادياً" يقوّض وحدة السودان ولا يمثل حلاً للنزاع القائم. وذكر متحدث باسم الخارجية في بيان موجّه إلى وكالة الصحافة الفرنسية أن "الحفاظ على وحدة أراضي السودان وسيادته يتطلب اتفاق سلام شامل بقيادة مدنية"، في إشارة واضحة إلى رفض المجتمع الدولي لأي محاولات لتقسيم السلطة خارج إطار تسوية سياسية متفق عليها.
كما دعت مجموعة الدول السبع في بيان منفصل إلى "وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار"، مطالبة جميع الأطراف، بما في ذلك الجهات الخارجية، بوقف أي دعم من شأنه أن يطيل أمد الحرب أو يعمق الأزمة.
كارثة إنسانية
منذ اندلاع القتال في 15 أبريل 2023، بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان و"قوات الدعم السريع"، انقسمت البلاد فعلياً إلى مناطق نفوذ: الشمال والشرق تحت سيطرة الجيش، والجنوب والغرب في قبضة الدعم السريع. هذا الانقسام العسكري يعكس أزمة سياسية عميقة تتجاوز الصراع على السلطة لتطال البنية الوطنية للسودان ذاته.
أدى هذا النزاع إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح الملايين، فيما تشهد مناطق واسعة مجاعة متفاقمة وانهياراً شبه تام في الخدمات الأساسية. تقارير دولية تتهم الطرفين بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين وبتعمد عرقلة إيصال المساعدات الإنسانية، مما يضع الشعب السوداني في قلب أزمة إنسانية خانقة.
شرعية متنازع عليها وتآكل مؤسسات الدولة
تشكيل حكومة موازية يُنظر إليه كمحاولة لفرض أمر واقع سياسي بالقوة، مستنداً إلى السيطرة الميدانية في بعض المناطق. غير أن هذه الخطوة تزيد من تعقيد المشهد، وتقلل فرص التوصل إلى تسوية سلمية عبر طاولة المفاوضات. كما أنها تضع السودان أمام احتمالية الانقسام الفعلي، إذا لم تتوفر إرادة داخلية ودولية جادة لاحتواء الموقف.
مؤتمر لندن.. بصيص أمل أم خطوة رمزية؟
في سياق الجهود الدبلوماسية، استضافت لندن مؤتمراً دولياً بشأن السودان، ضم نحو 15 دولة ومنظمة دولية. المؤتمر تناول سبل دعم الشعب السوداني وممارسة ضغط سياسي على الأطراف المتحاربة، لكن مدى تأثيره على مجريات النزاع يبقى رهناً بمدى التزام الدول الحاضرة بتفعيل قرارات ملموسة تتجاوز البيانات الشكلية.
خطر التفكك واستحقاق الحل السياسي
ما يحدث في السودان اليوم يتجاوز مجرد صراع بين طرفين مسلحين، ليمثل تهديداً وجودياً للدولة نفسها. ومع دخول الحرب عامها الثاني، تتضاءل فرص الحل إذا استمر الطرفان في التعنت السياسي والعسكري، وظل المجتمع الدولي يكتفي بالإدانات دون تحرك فعّال.
إن الإعلان عن حكومة موازية ليس سوى عرض جديد لأزمة الشرعية في السودان، وهو يطرح سؤالاً ملحاً: هل يتجه السودان نحو تسوية تاريخية تنقذه، أم نحو تفكك حتمي تحكمه منطق القوة؟.