بين الرسائل السرية والعقوبات القاسية.. زيارة غير رسمية لعضو كونغرس أمريكي تعيد فتح ملف سوريا المعقد

في خطوة مثيرة للجدل وتحمل دلالات متعددة، قام عضو الكونغرس الأمريكي الجمهوري كوري ميلز بزيارة غير رسمية إلى العاصمة السورية دمشق، حيث التقى الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع في محاولة أولى –وإن كانت غير رسمية– لاختبار احتمالات كسر الجمود في العلاقات الأمريكية السورية. وتأتي هذه الزيارة في وقت تزداد فيه الضبابية حول الموقف الأمريكي من الحكومة السورية الجديدة بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد.
السياق السياسي.. زيارة في توقيت حساس
الزيارة التي لم تُعلن عنها الجهات الرسمية الأمريكية، تم ترتيبها عبر وسطاء من الجالية السورية-الأمريكية المؤثرة، وتعكس تصاعد جهود غير حكومية لاختبار فرص الحوار مع النظام الجديد في دمشق، خاصة في ظل تحولات ميدانية وسياسية متسارعة في المشهد السوري منذ نهاية عهد الأسد في ديسمبر الماضي.
ورغم أن البيت الأبيض لم يصدر تعليقًا رسميًا حتى الآن، إلا أن ميلز أكد عزمه على نقل رسالة شخصية من الرئيس الشرع إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ومستشار الأمن القومي مايك والتز، ما يلمّح إلى أن هناك قنوات خلفية بدأت بالتشكل، ربما تمهد لتحول في السياسة الأمريكية تجاه سوريا.
الملف الاقتصادي والعقوبات.. مطلب سوري وورقة أمريكية
أحد أبرز محاور المحادثات بين ميلز والشرع تمحور حول العقوبات الاقتصادية الأمريكية المشددة التي لا تزال مفروضة على سوريا بموجب "قانون قيصر" وغيره من التشريعات، والتي تستثني فقط المساعدات الإنسانية. وتشكل هذه العقوبات حجر عثرة أمام إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة في بلد يقدّر الخبراء تكلفة إعادة بنائه بما يقارب 400 مليار دولار.
الرئيس الشرع عبّر بوضوح عن رغبته في تخفيف هذه العقوبات، في مقابل الاستعداد لتقديم تنازلات استراتيجية، تشمل التعاون الأمني مع الولايات المتحدة وحلفائها، خاصة إسرائيل، والتخلي عن أي برامج للأسلحة الكيميائية.
إسرائيل واتفاقات إبراهام.. تطبيع مشروط
من الملفات الحساسة التي طُرحت كذلك على الطاولة، علاقة سوريا بإسرائيل. فالرئيس الشرع –بحسب ميلز– أبدى "اهتمامًا حذرًا" بفكرة الانضمام إلى اتفاقات إبراهام، شريطة تهيئة الظروف الإقليمية والدولية المناسبة. ويُعد هذا التصريح بمثابة تحول استراتيجي محتمل في العقيدة السياسية السورية، إذ لطالما اعتُبرت إسرائيل عدوًا تقليديًا في الخطاب السياسي السوري، على الأقل في العلن.
في المقابل، لا تزال إسرائيل تنظر بريبة إلى نوايا النظام الجديد في دمشق، خاصة بعد استهدافها عدة مواقع عسكرية سورية خلال الشهور الماضية. وتطالب تل أبيب بضمانات واضحة، لا سيما فيما يتعلق بخروج القوات الإيرانية والمقاتلين الأجانب من الأراضي السورية.
عقبات أمام الاعتراف الدولي
رغم ما يبدو من مرونة جديدة في خطاب دمشق، فإن الطريق نحو التطبيع مع الغرب لا يزال محفوفًا بالعقبات. أحد أبرز أسباب التردد هو سجل حقوق الإنسان، لاسيما بعد تقارير موثوقة تفيد بإعدام مئات المدنيين من الطائفة العلوية في مارس الماضي، في تطهير سياسي هدفه إضعاف النفوذ المتبقي لعناصر موالية لبشار الأسد.
هذا الحادث أثار قلقاً واسعاً في الأوساط الأوروبية، كما وصفته وكالة بلومبرغ بأنه أعاد ملف دمج سوريا في المجتمع الدولي إلى نقطة الغموض والتعقيد.
تحولات استراتيجية أم مناورة تكتيكية؟
يبقى السؤال الأهم: هل يمثل هذا الانفتاح السوري الجديد تحولاً استراتيجياً حقيقياً، أم مجرد مناورة تهدف لالتقاط الأنفاس وإنعاش الاقتصاد؟. في المقابل، ترى الإدارة الأمريكية الحالية، بحسب تقارير، أن رفع العقوبات سيكون مشروطاً بسلسلة من الإجراءات الصارمة، تتضمن نزع الأسلحة الكيميائية، طرد الجماعات المسلحة غير السورية، وتأمين حدود البلاد، خاصة مع العراق وإسرائيل.
وفي تصريح يعكس حجم الحذر، قال ميلز إن اللقاء مع الشرع كان "إيجابياً" لكنه أضاف: "أنا متفائل بحذر، وعلينا الحفاظ على قنوات الحوار مفتوحة". كلمات تكشف عن مناخ من الترقب لا يخلو من الحذر السياسي والاستراتيجي.