انحياز للقضية الفلسطينية.. إسبانيا تُلغي صفقة أسلحة إسرائيلية

في خطوة تحمل دلالات سياسية واضحة، أعلنت الحكومة الإسبانية، يوم الخميس، إلغاء صفقة لشراء ذخيرة من مصنع إسرائيلي، مؤكدة أنها لن تمنح ترخيص الاستيراد، لأسباب تتعلق بـ"المصلحة العامة". يأتي هذا القرار في سياق تصاعد التوترات الدولية بشأن الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، والضغوط المتزايدة على الدول الأوروبية لإعادة النظر في علاقاتها الدفاعية مع إسرائيل.
وبحسب البيان الرسمي الصادر عن الحكومة الإسبانية، فإن مدريد بصدد دراسة التداعيات القانونية المترتبة على فسخ العقد، مما يُشير إلى أن الصفقة كانت موقعة قبل اندلاع الحرب الأخيرة في 7 أكتوبر 2023، لكنها لم تُنفذ بعد.
تحوّل استراتيجي في السياسة الدفاعية الإسبانية
أكدت الحكومة بشكل حاسم أنها لم تشترِ أو تبيع أسلحة لأي شركة إسرائيلية منذ بداية العدوان الأخير، ولن تفعل ذلك مستقبلاً، حتى لو كانت العقود مبرمة قبل ذلك التاريخ. هذه الخطوة تعكس ما وصفه مراقبون بـ"التحول النوعي" في السياسة الدفاعية الإسبانية، التي باتت تراعي بشكل متزايد الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية، إلى جانب حسابات المصالح الوطنية.
تُعد هذه الخطوة امتداداً لموقف سياسي أكثر جرأة تبنته إسبانيا في الأشهر الأخيرة، تُوّج في مايو 2024 بإعلانها الرسمي الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لتكون بين أوائل الدول الأوروبية التي اتخذت هذه الخطوة بعد أيرلندا والنرويج. وجاء الاعتراف كجزء من سياسة أوروبية جديدة تحاول إعادة ضبط العلاقة مع القضية الفلسطينية على أسس القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
تداعيات محتملة وتوازنات دقيقة
إلغاء صفقة الذخيرة لا يُمثل فقط إشارة إلى موقف سياسي، بل يُمكن أن يحمل أيضاً تبعات اقتصادية وقانونية، لا سيما إذا قامت الشركة الإسرائيلية بالمطالبة بتعويضات أو لجأت إلى التحكيم الدولي. كما يُمكن أن يؤثر القرار على علاقات إسبانيا مع أطراف أخرى داخل الاتحاد الأوروبي تُعارض اتخاذ مواقف حادة ضد إسرائيل، مما يُظهر مدى دقة التوازنات التي تحاول الحكومة الإسبانية الحفاظ عليها.
في الداخل الإسباني، يلقى القرار ترحيباً في الأوساط اليسارية والحقوقية، التي طالما دعت إلى وقف أي تعاون عسكري مع إسرائيل. ويُفسّر القرار أيضاً كاستجابة لضغوط شعبية متزايدة بعد تصاعد الانتقادات للحرب الإسرائيلية على غزة، واتهامها بارتكاب جرائم حرب، ما دفع قطاعات واسعة من الرأي العام الإسباني إلى المطالبة بمواقف أكثر وضوحاً من الحكومة.
88 يومًا من النار.. طولكرم تنزف
في سياق متصل تستمر قوات الاحتلال الإسرائيلي في عملياتها العسكرية المكثفة ضد المدنيين في الأراضي الفلسطينية، وسط صمت دولي آخذٍ في التآكل، وتحولٍ ميداني يعكس تصعيدًا استراتيجيا في أدوات الحرب النفسية والميدانية ضد السكان الفلسطينيين.
فمدينة طولكرم ومخيم نور شمس يعيشان، منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر، واقعًا متواصلًا من الاقتحامات، والمداهمات، والقصف، والتهجير القسري، والاعتقالات، ضمن ما يبدو أنه محاولة منهجية لتفكيك النسيج المجتمعي، وتدمير مقومات الصمود الفلسطينية في الضفة الغربية.
لليوم الـ88 على التوالي، تستهدف قوات الاحتلال مدينة طولكرم ومخيمها، فيما يخضع مخيم نور شمس لحصار متواصل منذ 75 يومًا، في حملة أمنية هي الأعنف منذ الانتفاضة الثانية، وقد تكون الأكثر اتساعًا من حيث التأثير على البنية التحتية والسكّان.
شهدت الليلة الماضية، وحتى فجر الخميس، اقتحامات واسعة النطاق من قبل قوات الاحتلال، شملت الأحياء الشرقية والشمالية، وإسكان الموظفين في ضاحية كتابا، وضاحية ذنابة، وحارة الربايعة، إضافة إلى محيط مخيم طولكرم. وقد تخلل ذلك استخدام مفرط للقوة عبر القنابل الصوتية والرصاص الحي، في ظل انتشار كثيف لجنود الاحتلال داخل الأحياء السكنية.