اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار
الإغاثة تحت النار.. خطة تجريبية أمريكية في غزة تثير جدلًا حول الأمن والفعالية الحكومة السورية والأكراد على صفيح ساخن.. مطالب كردية بتطبيق اللامركزية ونفي السعي للانفصال قمة القاهرة.. السيسي والبرهان يبحثان مستقبل السودان بين تحديات الحرب وآفاق الإعمار أزمة البحر الأحمر.. التصعيد الأمريكي ضد الحوثيين بين أهداف الردع وتعقيدات الواقع العسكري المعنويات صفر .. أزمة غير مسبوقة في صفوف جنود جيش الاحتلال بسبب ”الأمر 77” ! بوتين يوجه الشكر لكوريا الشمالية ويشيد ببطولات جنودها في ساحة القتال ضد أوكرانيا توسيع جبهات الحرب.. مخاوف أمريكية من التدخل العسكري الكوري الشمالي في أوكرانيا وزير المال اللبناني: رد أموال المودعين على 3 مراحل.. وتسييل الذهب «غير وارد الآن» غزة تحت النار.. مجازر الاحتلال بحق المدنيين في واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية المعاصرة الضرب تحت الحزام.. إيران تحبط هجوماً إلكترونياً «كبيراً ومعقّداً» استهدف بنيتها التحتية مأزق الخطوط الحمراء.. إيران ترفض الضغوط والمفاوضات تتعثر بين طهران وواشنطن قناة السويس المصرية.. تاريخ طويل من التضحيات يتحدى أكاذيب ترامب

قناة السويس المصرية.. تاريخ طويل من التضحيات يتحدى أكاذيب ترامب

قناة السويس المصرية
قناة السويس المصرية

قناة السويس تعد واحدة من أعظم الإنجازات الهندسية في العالم، وقد ساهمت بشكل كبير في تغيير مجريات التجارة الدولية والاقتصاد العالمي، إلا أن التصريح الذي أدلى به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قائلاً: "لولا أمريكا ما وجدت قناة السويس" يفتقد الدقة ويتجاهل التاريخ الطويل والتضحيات التي قدمها المصريون في إنشاء هذه القناة، بالإضافة إلى دور القوى الأخرى.

ماذا قال ترامب؟

قال الرئيس الأمريكي، دونالد على منصة تروث سوشال: "يجب السماح للسفن الأمريكية، العسكرية والتجارية على حد سواء، بالمرور مجانًا عبر قناتي بنما والسويس! هاتان القناتان ما كانتا لتوجدا لولا الولايات المتحدة الأمريكية".

وربما كانت أول سفينة عبرت قناة بنما في 15 أغسطس 1914، السفينة الأمريكية، SS Ancon، لكن هل كان للولايات المتحدة أي علاقة بإنشاء قناة السويس؟

على الرغم من أن التاريخ الحديث لقناة السويس يعود إلى 30 نوفمبر 1854، حين وقّع حاكم مصر، محمد سعيد باشا، امتيازاً يمنح السياسي الفرنسي فرديناند ديلسبس حق إنشاء شركة تتولى تنفيذ مشروع شق القناة لربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط، إلا أن جذور فكرة القناة تعود إلى قرون سابقة، إذ تشير بعض المصادر إلى أن فرعون مصر سنوسرت الثالث كان أول من خطط لمشروع مماثل، وعبر عصور مختلفة حُفرت قناة السويس، وردمت لاعتبارات اقتصادية ومخاوف أمنية، إلا أن المرة الأخيرة التي تم فيها شق القناة واستمرت كانت في 1854، واستمر العمل في شق القناة لأكثر من عشر سنوات، وافتتحت رسمياً في 17 نوفمبر 1869.

ومنذ افتتاحها، تولت الشركة العالمية لقناة السويس البحرية إدارة شؤون القناة، وظل الرؤساء الفرنسيون يتعاقبون على رئاستها.

وقد تأسست الشركة بنظام الأسهم، برأسمال قدره 200 مليون فرنك (ما يعادل نحو 8 ملايين جنيه مصري آنذاك)، وكانت مصر تمتلك أكثر من نصف أسهم الشركة.

ولم تكن الولايات المتحدة الأمريكية في وقت إنشاء قناة السويس المصرية قادرة على أي نشاطات خارجية، وعانت في تلك الفترة في التشرذم الداخلي نتيجة الحروب الأهلية، التي انتهت في 1865، تاركة الولايات المتحدة غارقة في الأزمات لتبني نظامها السياسي.

ورغم أن الولايات المتحدة لم يكن لها دور مباشر في تأسيس القناة، إلا أنها، إلى جانب دول أخرى مثل بريطانيا والنمسا وروسيا، امتلك بعض من مستثمريها حصصاً من أسهم الشركة المشغلة للقناة.

بداية فكرة قناة السويس

كان الفرعون سنوسرت الثالث أول من حلم بربط البحرين الأبيض والأحمر عبر النيل وفروعه، في عام 1850 قبل الميلاد لتسهيل التجارة بين الشرق والغرب. وكانت السفن تبحر من البحر المتوسط عبر النيل إلى الزقازيق، ثم إلى البحر الأحمر عبر البحيرات المرة، التي كانت متصلة بالبحر آنذاك. ولا تزال آثار هذه القناة قائمة قرب السويس.

محاولات تجديد القناة

ومع مرور الزمن، امتلأت القناة بالأتربة، فانفصلت البحيرات عن البحر الأحمر. وحاول الفرعون نخاو الثاني عام 610 ق.م إعادة فتحها، ونجح جزئيًا، لكنه أخفق في الربط الكامل. ثم جاء دارا الأول ملك الفرس عام 510 ق.م، فأعاد العمل بها، إلا أن الملاحة عبرها ظلت محدودة بمواسم الفيضان، وفقاً لموقع هيئة قناة السويس.

الانطلاقة الحقيقية

انطلقت قناة السويس الحديثة مع فرمان الامتياز الأول، الذي تبعته سلسلة من القرارات الحاسمة، حتى بدأت أعمال الحفر الرسمية، وانتهت في 18 أغسطس 1869، وشهد العالم افتتاح القناة رسميًا في 17 نوفمبر 1869، معلنةً تحولًا تاريخيًا في حركة التجارة العالمية.

بفكرة طرحها المهندس الفرنسي فرديناند ديلسبس، وحصل ديلسبس الذي كان يعمل دبلوماسيًا على إذن من سعيد باشا في عام 1854 لبدء دراسة حفر قناة بين البحرين الأحمر والمتوسط. ومع بداية عام 1859، بدأت أعمال الحفر الفعلي، واستمرت حتى 1869.

ديلسبس لم يكن صاحب الفكرة، بل كان مجرد منفذ للمشروع الذي كان في الأساس نتيجة الحاجة الاقتصادية لمصر وتطلعاتها الاستراتيجية. لذلك، كان سعيد باشا يطمح من وراء القناة إلى تحقيق مزايا اقتصادية لمصر عبر العوائد المالية الناجمة عن حركة التجارة بين الشرق والغرب.

فرديناند ديلسبس، كمهندس ورجل سياسة، كان يملك الخبرة اللازمة للتعامل مع التحديات الهندسية والمالية التي كان يواجهها المشروع. ورغم أن المشروع كان مملوكًا من قبل شركة قناة السويس الفرنسية، إلا أن الجهد المصري كان أساسيًا على الأرض، حيث عمل آلاف العمال المصريين في ظروف صعبة، مما أسفر عن وفاة العديد منهم بسبب الأمراض والعمل الشاق.

اتفاقية القسطنطينية (29 أكتوبر 1888)

تم التوقيع في القسطنطينية على اتفاقية بين فرنسا والنمسا والمجر وإسبانيا وإنجلترا وإيطاليا وهولندا وروسيا وتركيا، نصت على وضع نظام دائم لضمان حرية الملاحة في قناة السويس.

تأميم قناة السويس

في 26 يوليو 1956، أعلن الرئيس المصري جمال عبد الناصر في خطاب تاريخي بمدينة الإسكندرية قرار تأميم قناة السويس. ونصت المادة الأولى من قرار التأميم على تحويل الشركة العالمية لقناة السويس البحرية إلى شركة مساهمة مصرية ونقل كافة أموالها وحقوقها والتزاماتها إلى الدولة، مع إنهاء مهام الهيئات واللجان القائمة على إدارتها. كما تم التعهد بتعويض المساهمين وحملة حصص التأسيس بقيمة أسهمهم حسب سعر الإقفال الأخير في بورصة باريس، مع صرف التعويض بعد استلام الدولة لجميع ممتلكات وأموال الشركة.

خلال الفترة من افتتاح القناة وحتى تأميمها عام 1956، قامت الشركة العالمية لقناة السويس بتنفيذ عدة مشروعات لتوسيع وتعميق المجرى الملاحي، مما أدى إلى زيادة عمق القناة إلى 13.5 متراً، وعرضها عند القاع من 22 مترًا إلى 42 مترًا، وزيادة مساحة القطاع المائي من 304 أمتار مربعة إلى 1250 مترًا مربعًا، بالإضافة إلى رفع غاطس السفن المسموح به إلى 35 قدمًا. وقد بلغت تكلفة هذه التحسينات نحو 20.5 مليون جنيه مصري.

ومع تطور صناعة السفن وزيادة أحجامها، استمر تطوير القناة حتى وصل غاطس السفن إلى 35 قدمًا ومساحة القطاع المائي إلى 1200 متر مربع قبيل تأميم القناة في عام 1956. وفي عام 2010، ارتفع غاطس السفن المسموح بعبورها إلى 66 قدمًا، مما مكّن القناة من استيعاب سفن الحاويات العملاقة بسعة تصل إلى 17,000 حاوية، إلى جانب جميع أنواع سفن الصب من مختلف أنحاء العالم.

العودة لترامب

وبالعودة للتصريحات التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي قال فيها إن "لولا أمريكا ما وجدت قناة السويس" يُظهر عدم فهم للتاريخ الحقيقي وراء هذا المشروع الاستراتيجي، أو إلمام بالتاريخ الأمريكي نفسه. القناة، كما يتضح من التاريخ، كانت مشروعًا مصريًا بدرجة كبيرة، حتى في ظل مشاركة الشركات الأجنبية، مثل الشركة الفرنسية بقيادة ديلسبس. فالفكرة، والتنفيذ الأولي، والتحقيق في الأبعاد الاقتصادية والسياسية، كان يُدار من قبل الحكومة المصرية، وكانت القناة تهدف أساسًا إلى خدمة الاقتصاد المصري وتعزيز السيادة الوطنية.

كما أوضح المفكر الاقتصادي محمد طلعت حرب في كتابه "قناة السويس"، فإن الامتياز الفرنسي الذي حصل عليه ديلسبس، رغم أنه سمح للمستثمرين الفرنسيين بالاستفادة من المشروع، إلا أن القناة كانت تعتبر مصلحة مصرية خالصة من حيث الفوائد المالية والسياسية. ومن المهم أن نذكر أن المشروع كان مدعومًا وممولًا بشكل جزئي من قبل الحكومة المصرية، خاصة عندما تأكدت أهمية القناة بالنسبة للاقتصاد الوطني.

خلاصة القول بأن أمريكا كان لها دور حاسم في إنشاء القناة ليس إلا أكاذيب تنم عن جهل بالتاريخ أو لصوصية لسرقة ثروات الشعوب.

موضوعات متعلقة