100 يوم من الفوضى.. الأزمة السياسية والاقتصادية في بداية ولاية ترامب الثانية

في المشهد السياسي الأمريكي لعام 2025، بدا الرئيس دونالد ترامب خلال المئة يوم الأولى من ولايته الثانية وكأنه يمسك بزمام الأمور بقوة غير مسبوقة. فقد وسّع من صلاحياته التنفيذية، وقلّص من نفوذ مؤسسات الحكومة الفيدرالية، ودخل في معارك قضائية متتالية، وأعاد صياغة تحالفات دولية راسخة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بل وتحدى الأسس التقليدية للاقتصاد العالمي.
غير أن هذه القوة الظاهرة اصطدمت سريعاً بتآكل شعبيته، وهو ما ينذر بأزمة سياسية مبكرة قد تؤثر على مستقبل رئاسته وعلى توازنات القوى في واشنطن.
رمزية الأيام الـ100 الأولى: بين الأسطورة والواقع
يرتبط تقييم أداء الرؤساء الأمريكيين خلال أول 100 يوم بموروث تاريخي يعود إلى عهد فرانكلين روزفلت، الذي خلال الأزمة الكبرى عام 1933، أطلق العنان لسلسلة من التشريعات السريعة بهدف إنقاذ البلاد من الكساد. ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا الإطار الزمني رمزاً، رغم عدم وجود أي أهمية دستورية له، لقياس الزخم والفعالية الرئاسية.
كما يشير المؤرخ دونالد نيمان، فإن هذه الرمزية باتت مبالغاً فيها في السياقات الحديثة، حيث أصبح السؤال الأهم ليس ما تحقق خلال الأيام الأولى، بل مدى وضوح الخطط ووجود أسس للتنفيذ على المدى الطويل.
من زخم استثنائي إلى تراجع شعبي سريع
في بداية ولايته الثانية، أظهر ترامب نشاطاً تنفيذياً هائلاً، إذ أصدر 129 أمراً تنفيذياً في أقل من 100 يوم، وهو رقم غير مسبوق منذ عهد ترومان. ومع ذلك، وكما حدث في ولايته الأولى، سقط ترامب ضحية تراجع حاد في شعبيته.
بحسب استطلاع "رويترز/إبسوس"، تراجعت شعبيته إلى 42% فقط، مقارنة بـ47% لحظة تنصيبه، مما يدل على أن فترة "شهر العسل" الرئاسي التي يستمتع بها عادة الرؤساء كانت قصيرة للغاية هذه المرة.
الباحث السياسي زاك مكيري أرجع هذه الظاهرة إلى الاضطرابات الاقتصادية الناتجة عن قرارات ترامب الجمركية، والتي أحدثت فوضى في الأسواق وضغوطاً اقتصادية على المواطنين.
اقتصاد مضطرب: من وعد بالازدهار إلى خيبة أمل
كان الاقتصاد أحد العوامل الحاسمة التي أعادت ترامب إلى البيت الأبيض في انتخابات 2024. غير أن الأشهر الثلاثة الأولى من ولايته الثانية شهدت انقلاب هذا التفوق إلى عجز، حيث تحولت ميزة ترامب الاقتصادية إلى عبء عليه.
الخبير وايت آيريس يشير إلى أن سياسات الرسوم الجمركية ساهمت في إرباك الأسواق، وخفضت من ثقة المستثمرين والمستهلكين، على عكس وعود ترامب بخفض التضخم وتحقيق النمو.
ومع ذلك، كان هناك بعض الضوء في المشهد الاقتصادي، إذ مثّل مشروع تمديد التخفيضات الضريبية نقطة إيجابية نسبية، خاصة للطبقة العاملة والشركات الصغيرة. لكن حتى هذا الإنجاز اصطدم برغبة غالبية الأمريكيين، بمن فيهم كثير من الجمهوريين، في زيادة الضرائب على الأثرياء.
ورقة الهجرة: مكسب محدود في مشهد منقسم
على صعيد آخر، كان ملف الهجرة أكثر الملفات التي حصل فيها ترامب على قدر من الدعم الشعبي، حيث أبدى حوالي 20% من الأمريكيين رضاهم عن سياسته تجاه المهاجرين.
غير أن هذا الدعم لم يكن مطلقاً، إذ كشفت استطلاعات الرأي عن انقسام عميق، خاصة مع توجه الإدارة نحو سياسات ترحيل قد تشمل مقيمين قانونيين، ما أثار قلقاً واسعاً حتى في أوساط الجمهوريين.
فوضى سياسية وارتباك في القيادة
أكاديميّون مثل مارك روزيل وصفوا أداء ترامب في هذه الفترة بأنه "فوضوي"، مشيرين إلى تآكل الثقة العامة في القيادة الوطنية واضطراب الأسواق المالية. ويبدو أن هذه الفوضى كانت نتيجة طبيعية لنهج ترامب الذي فضل المواجهة والقرارات الانفرادية السريعة على بناء توافقات سياسية.
ورغم محاولات داعمي ترامب التخفيف من وطأة التقييمات السلبية، فإن المؤشرات من استطلاعات الرأي – مثل استطلاع "فوكس نيوز" – تظهر تراجع التفاؤل حتى بين الجمهوريين أنفسهم مقارنةً بفترة ولايته الأولى.
قراءة في المستقبل: صراع بين الزخم والانهيار
الكاتب الجمهوري جون جيزي يرى أن التقييم الحقيقي لأداء ترامب لن يظهر إلا بعد سبتمبر 2025. إلا أن أستاذ السياسة ريتشارد بنسل يشير إلى أن ترامب، رغم فاعليته في إحداث تغيير سريع، دفع ثمناً شعبياً واقتصادياً باهظاً، مما يجعل استمرارية نجاحه موضع شك.
أما المؤرخ نيمان، فذهب أبعد من ذلك، معتبراً أن ما قام به ترامب خلال الأيام المئة الأولى أشبه بـ"هجوم مباشر على مؤسسات الدولة"، مشيراً إلى انهيار الأسواق وتراجع مكانة أمريكا الدولية كأحد أبرز ملامح هذه الأزمة المتفاقمة.
بدا دونالد ترامب في مستهل ولايته الثانية وكأنه يستعيد روح الثورة الرئاسية التي حملها فرانكلين روزفلت قبل نحو قرن، إلا أن سياق 2025 مختلف كلياً: فالعالم أكثر ترابطاً، والمؤسسات الأمريكية أكثر هشاشة مما كانت عليه، والجمهور الأمريكي أكثر استقطاباً.
لذا، فإن سياسات الصدمة والتركيز على القوة التنفيذية قد تمنح ترامب زخماً مؤقتاً، لكنها – وفق المؤشرات الحالية – تهدد بجعل ولايته الثانية رحلة فوضوية محفوفة بالتحديات السياسية والاقتصادية الكبرى.