ترمب والشرق الأوسط.. 100 يوم من الغموض الاستراتيجي بين التصعيد مع إيران ورهانات غزة ولبنان

في الوقت الذي يُفترض فيه أن تُقدّم الأيام المئة الأولى لأي إدارة أميركية مؤشراً واضحاً على توجهاتها السياسية، تبدو تلك الفترة غير كافية للحكم على سياسات دونالد ترمب في ولايته الثانية، خاصة في ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط. فالتحولات الجيوسياسية العاصفة، والطبيعة الشخصية المتقلبة لترمب، تفرضان قراءة أكثر تروياً، كما أشار إليوت أبرامز، أحد أعمدة المحافظين الجدد، الذي يرى أن "المكتوب لم يُقرأ بعد بالكامل".
الملف الإيراني: التصعيد المؤجل وخطر المقامرة النووية
إيران تُعدّ العنوان الأبرز في قائمة الملفات الساخنة. وبينما يشير أبرامز إلى أن طهران أصبحت أكثر ضعفاً نتيجة الضغط المتزايد على وكلائها، يذهب آخرون إلى التشكيك في مدى فاعلية هذا الضغط. ألترمان يحذر من مقامرة قد تعكس نتائجها، إذ إن ضرب إيران عسكرياً قد يعزز دافعها لتطوير سلاح نووي رادع. ما يزيد القلق أن فريق التفاوض الأميركي يفتقر إلى الخبرة مقارنة بنظرائه الإيرانيين، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول جودة الاتفاقات المحتملة، ومدى تشابهها مع اتفاق أوباما النووي عام 2015.
غزة: "ريفييرا" الفوضى بين التصعيد والاقتلاع
رؤية ترمب لغزة، كما شرحها الخبراء، تُمثل مزيجاً من الواقعية القاسية والطموحات المتطرفة. من جهة، يُتهم بتحفيز المتطرفين الإسرائيليين للاستيلاء على المزيد من الأراضي، ومن جهة أخرى، يطرح فكرة إنسانية في ظاهرها تدعو إلى "خروج الفلسطينيين" من القطاع لتأمين حياة أفضل، في مشهد يعكس سياسة "الهروب من الجحيم" بدل البحث عن حلول مستدامة. يرى كاتوليس أن هذا التوجه قد يُغذي الصراع أكثر مما يخففه، فيما يلمح فليش إلى أن مبدأ التهجير القسري بات يُعامل كخيار تفاوضي مشروع، لا كجريمة حرب.
لبنان: تفاؤل مشروط وسط غياب الأولويات
فيما يعبّر بعض الخبراء عن تفاؤل حذر تجاه قدرة الجيش اللبناني على التقدّم جنوب الليطاني، فإن الانشغال الأميركي بأولويات أكبر يقلل من أهمية هذا الملف في أجندة ترمب. من الواضح أن ضعف "حزب الله" يمثّل هدفاً مركزياً، إلا أن غياب تركيز سياسي عميق على لبنان يجعل التفاؤل هشاً، لا سيما إذا لم تقترن الوعود الأميركية بأدوات تنفيذ فعالة.
سوريا: غياب الرؤية وقلق الانسحاب
الملف السوري يعاني من ضبابية في استراتيجية ترمب. أبرامز يحذر من تقليص الوجود الأميركي الذي قد يؤدي إلى خلخلة التوازن بين تركيا وإسرائيل. بينما يرى كاتوليس وفليش أن الانسحاب المحتمل من سوريا، في ظل حروب اقتصادية أميركية أخرى، سيُضعف مصداقية واشنطن كفاعل إقليمي. وتشير المواقف إلى غياب رؤية أميركية واضحة تجاه إعادة الإعمار أو التوازن بين القوى المتدخلة هناك.
بين الغموض والتجريب
الإدارة الثانية لترمب تبدو حتى الآن أقرب إلى سياسة التجريب من كونها مشروعاً متماسكاً. من إيران إلى غزة، ومن سوريا إلى لبنان، تتقاطع التوجهات العسكرية مع محاولات الدبلوماسية المترددة. وفي ظل حالة من الانقسام داخل المؤسسات الأميركية، وميل ترمب إلى الخطاب الشعبوي، فإن الشرق الأوسط مرشح لمزيد من الاضطراب، بانتظار ما تكشفه الأيام المئة التالية.