ساحات بيع التمور في مدينة الإبداع العالمية ببريدة السعودية تتحول إلى «كرنفال»
تدرج كرنفال بريدة (عاصمة إمارة القصيم جنوب الرياض في السعودية) لبيع التمور، من فكرة صغيرة في أواخر عام 2006 إلى أن أصبح كرنفالا عالميا.يقصده الباعة والمتسوقون والعارضون من داخل المملكة وخارجها، لعرض منتجاتهم واكتساب مهارات البيع والشراء، حتى بات أحد أكبر أسواق التمور على مستوى العالم، وجعل من المملكة منافسة على مراكز الصدارة في تصدير التمور عالميا.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «يونسكو»، قد أدرجت مدينة بريدة في الثامن من نوفمبر من عام 2021، ضمن شبكة اليونسكو للمدن المبدعة، من بين 295 مدينة منتشرة حول العالم، لإبداعها في مجال تقديم طبق الكليجا الشهير، وهو منتج تدخل التمور في مكوناته الغذائية.
ويشهد كرنفال بريدة عرض ما يتجاوز 45 صنفا من التمور، أشهرها على الإطلاق السكري، الذي يمثل 85% من الإنتاج، بالإضافة إلى تمور البريمي والجدول والصقعي والشقراء والخلاص والسكرية الحمراء والروثان والونانة ونبتة علي والبرحي والرشودي وغيرها، إذ يصل عدد أشجار النخيل بمنطقة القصيم بشكل عام إلى 11 مليون نخلة، تنتشر في 12,327 مزرعة تنتج 320 ألف طن سنوياً من التمور، تصدر منها للأسواق المحلية والعالمية أكثر من 300 ألف طن، فيما يستهلك الباقي محليا.
وتنطلق فعاليات "كرنفال بريدة للتمور"، مطلع شهر أغسطس من كل عام، ويستمر حراكه نحو 75 يوما، كظاهرة اقتصادية سياحية، يصل حجم المبيعات فيها لما يقارب الثلاثة مليارات ريال، حتى أصبح "الكرنفال" قبلة للتجار والمزارعين والسواح من مختلف أنحاء المملكة ومن بعض الدول المجاورة، ليصل عدد زواره لأكثر من نصف مليون زائر.
ويستقبل "الكرنفال" ما يزيد عن 92 ألف سيارة محملة بالتمور، تحمل أكثر من 96 ألف طن، وأكثر من 16 مليون عبوة من التمور، مما حفز المزارعين وتجار التمور من داخل المملكة وخارجها على التوافد على هذا "الكرنفال" الذي بات بوصلة للمزارعين الراغبين في اكتساب المزيد من مهارات العناية بالنخيل وإنتاجها من التمور، ومعرفة الاشتراطات والمواصفات العالمية المؤهلة للتصدير خارج المملكة، إضافة إلى حضور الوفود الرسمية من داخل المملكة وخارجها، علاوة على مشاركة ما يقارب 77 جهة حكومية واجتماعية وخيرية.
وشهد "الكرنفال" على مدى تاريخه، ثلاث مراحل مفصلية، الأولى كانت عام 2006، حينما انطلق السوق للمرة الأولى بإمكانيات بدائية، فيما شهدت المرحلة الثانية عام 2011، اتساع مساحة السوق الاستيعاب أكبر عدد من سيارات المزارعين وتجار التمور بعد الانتقال لمدينة مخصصة للتمور، أما المرحلة الثالثة، فتمت في السنوات الأخيرة من أجل تفعيل رسالة المهرجان الإعلامية ودور وسائل الإعلام الحديثة والتواصل الاجتماعي، ما أدى إلى توافد العديد من الشخصيات العامة والمسؤولين.
ويوفر هذا "الكرنفال" نحو أربعة آلاف فرصة عمل للشباب والفتيات والأسر المنتجة والحرفيين خلال الموسم، ويهدف إلى زيادة النطاق التسويقي لتمور المنطقة وزيادة حركة البيع والشراء ودعم التصدير على المستويين الداخلي والخارجي، بالإضافة إلى استقطاب السياح والمتسوقين والمستثمرين من الدول الخليجية والعربية، ورفع القوة الشرائية وتوسيع دائرة نطاقها وتهيئة السبل المثلي للمستهلك والمستثمر، وتشجيع رواد الأعمال على التجارة في هذا القطاع الزراعي الحيوي، لتحقيق "رؤية المملكة "2030 التي تضمنت في مستهدفاتها أن تصبح المملكة المصدر الأول للتمور على مستوى العالم.
وتشتمل فعاليات "كرنفال بريدة للتمور" على منظومة متكاملة من الفعاليات والخدمات التي تتناسب مع حجم الحدث، كمعارض متنوعة للطفل والأسرة، إضافة إلى أجنحة ومعارض للقطاعات الحكومية والأهلية التي تستعرض من خلالها خدماتها في دعم منتجات النخيل والتمور والصناعات التحويلية المرتبطة به، وبرامج تعنى بطرق وأساليب التسويق الحديث وعقد الصفقات وفق أسعار تكون في متناول الجميع تتناسب مع القدرة الشرائية للمستهلكين.
كما يقدم "الكرنفال" للزوار العديد من الفعاليات المصاحبة والبرامج الهادفة التي وصلت إلى 35 فعالية تعني بمختلف شرائح المجتمع كالأمسيات الشعرية وعرضات الفرق الشعبية والحرف اليدوية وأهازيج الفلاحين القديمة، وتجسيد حياة السوق في الماضي ومجلس القهوة السعودية وجناح عام الشعر العربي، وكذلك استعراض الحرف اليدوية المرتبطة بالنخلة ومحاكاة المزارع قديماً وخراف التمور، كما يخصص الكرنفال ركناً للتصوير ومنطقة للأطفال ومعارض للرسامين.
ولم يقتصر "الكرنفال" على تسويق وبيع التمور فحسب، بل تخطى ذلك للإسهام في إبراز التراث المحلي من خلال إقامة الأنشطة المتعلقة بالأكلات الشعبية التي تقدمها الأسر المنتجة، بالإضافة إلى الألعاب الشعبية، والمنحوتات، والصناعات التي يتقنها الحرفيون.
وتقام على هامش "الكرنفال" أمسيات شعرية، وعروض تراثية بمشاركة الفرق الشعبية في القصر التراثي لمدينة بريدة، وعرض حرفة بناء بيوت الطين أمام الزوار في سوق الحايط، إضافة إلى العديد من الفعاليات المتنوعة والبرامج الثقافية والتوعوية والاجتماعية والترفيهية.
وسعياً إلى دعم الأسر المنتجة خلال "كرنفال بريدة للتمور"، شهد توقيع عدد من الاتفاقيات التي تسهم في توفير الدعم لأبناء الوطن، حيث قدم بنك التنمية الاجتماعية دعمه لأكثر من 40 أسرة منتجة للمشاركة في الفعاليات المصاحبة لـ "لكرنفال"، فيما بلغ عدد المشاركين المتطوعين بـ "الكرنفال" أكثر من 600 متطوع من الجنسين بواقع 188 ساعة عمل خلال الموسم.
كما تم إطلاق مبادرة أرض النخيل، بمركز الملك خالد الحضاري ببريدة، وانطلقت نسخة عام 2023م من "كرنفال بريدة للتمور" بعد تحويله من مسمى "مهرجان إلى كرنفال للتمور".
ويشارك في الفعاليات أكثر من 40 فنانا تشكيليا من خلال الرسم على الجداريات واللوحات التي تحاكي أبعاد النخيل وثمارها وأهمية غرسها في نفوس النشء وتوعية جميع شرائح المجتمع بأهمية هذه الشجرة ومكانتها الاقتصادية والاجتماعية، ويحوي المعرض بين جنباته أكثر من 150 لوحة جدارية رسمت بأشكال والوان معبرة عن أجزاء النخلة، كالسعف والجذع، والثمر، والكرب، إضافة إلى الصناعات التحويلية التي تنتجها النخلة، كما يحتوي على لوحات معبرة تعكس مدى اهتمام مجتمعنا بأشجار النخيل وملامسة اقتصاد الوطن وتعزيز هويته.
كما تشهد ساحة حائط النخيل العديد من الفنون المسرحية ضمن فعاليات تنظمها هيئة التراث بوزارة الثقافة يردد فيها المشاركون مجموعة أبيات كان يرددها الحرفيون السعوديون قديماً كنوع من التسلية ورفع الهمة في وقت البناء وتشييد البيوت الطينية، وتضم الفعالية مجموعة من الأعمال الحرفية القديمة كالتطريز التراثي والملبوسات الشعبية والنحت على الخشب، والمشغولات من مخلفات النخيل والأثل، والتي يصنع منها القفة والزبيل وغيرها.
وتستقبل الفعالية زوارها من خلال مجلس على الطراز النجدي القديم تقدم فيه التمور والقهوة السعودية بعد حمسها بالأدوات القديمة أمام الزوار، وتشمل الفعالية عرضا مسرحيا يوميا يجسد السوق النجدي وحوارات البائعين والمشترين بالمصطلحات الشعبية التي تبرز حياة الآباء والأجداد البسيطة في مرحلة تأسيس المملكة، وقبل ثورة النفط، بالإضافة إلى جناح خاص يستعرض تراث النخلة، وآخر لتشجيع وتدريب الأطفال على طرق البيع والشراء في مجال التمور، مع قصص تاريخية من التراث النجدي.
وقبيل انطلاقة الكرنفال، يجهز المركز الوطني للنخيل والتمور، حقيبة تدريبية ذات محتوى علمي متكامل، تتضمن العديد من الدورات الإلكترونية والبرامج التعليمية للمزارعين والمهتمين بقطاع النخيل والتمور، يصل عددها لأكثر من 8 آلاف دورة تدريبية، بالإضافة إلى تنظيم مسابقة خراف النخيل وتشجيع الشباب على الانخراط في هذه المهنة الهادفة، لتعزيز مختلف المسارات المهنية المساعدة على نمو القطاع، كون الكرنفال يشهد حضور عدد كبير من المستثمرين الأجانب المهتمين بقطاع النخيل والتمور.
وكانت إمارة منطقة القصيم قد أطلقت 66 مبادرة اجتماعية سياحية وإدارية وتحفيزية واقتصادية لعبت دوراً مهماً وفاعلاً في إحداث حراك تنموي متواصل، يعزز مجالات التكاتف المجتمعي، واشتملت على 24 مبادرة اجتماعية و10 مبادرات اقتصادية و17 مبادرة تطويرية وتحفيزية و5 مبادرات صحية، و10 مبادرات سياحية وتراثية، من بينها كرنفال التمور ومهرجان الكليجا والمنتجات الشعبية ومشروع مكافحة السوسة الحمراء، إضافة إلى جائزة توطين المهن والوظائف، والشاب العصامي، والمزرعة النموذجية، ومبادرة خراف النخيل بتعزيز وتوطين المهن المرتبطة بالنخلة، بالإضافة الى تمكين المرأة اجتماعيا واقتصاديا، وتوفير الخدمات والمناخ الأمن لها، إذ تشارك في المهرجان عشرات من الأسر المنتجة والحرفيات ورائدات الأعمال.
وتتميز منطقة القصيم إحدى المناطق الإدارية في المملكة، بوفرة المياه الجوفية ووجود الواحات الزراعية التي تشهد زراعة مختلف أنواع التمور والخضروات والفواكه، وتتجاوز مساحتها 70,300 كم2، وعدد سكانها أكثر من مليون و700 ألف نسمة، وتتكون من 13 محافظة، أشهرها بريدة، عنيزة، الرس، البكيرية، البدائع، إذ تعد مدينة بريدة الأكبر والمركز الإداري الذي تتواجد فيه إمارة المنطقة وفروع الوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية، ومساحتها تبلغ 1300 كم2، وعدد سكانها يقارب 700 ألف نسمة حسب تعداد عام 2022.