مصر و جيشها الباسل: حكاية صمود و كرامة في ذكرى نصر العاشر من رمضان
يحتفل المصريون في العاشر من رمضان بذكرى انتصارهم العظيم في حرب أكتوبر المجيدة عام 1973. ويُعد هذا اليوم علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث، حيث تمكن الجيش المصري من عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف، مما أدى إلى تغيير مسار الصراع العربي الإسرائيلي.
أصبح انتصار العاشر من رمضان نقطة تحول كبرى فى التاريخ و نقطة تحول ايضا في مسار الصراع العربى الإسرائيلي. استطاعت مصر خلال هذه الحرب المجيدة تحطيم أسطورة أن جيش إسرائيل لا يقهر، فقهرته وكسرته أنفه أمام العام وفعلت به الأعاجيب.
العاشر من رمضان اليوم الذى تمكن الجيش المصري فيه من عبور قناة السويس والتوغل شرقا داخل سيناء التي كانت تحتلها إسرائيل منذ حرب 1967، بعد تحطيم خط بارليف، أقوى خط دفاعي في التاريخ الحديث و الذي كان يعتبره العسكريون الغربيون أنه لا يمكن تدميره إلا إذا استخدمت القنبلة الذرية إلا أن القوات المسلحة المصرية استطاعت تدمير هذا الخط خلال ساعات من بدء الحرب وأفقدت العدو توازنه في أقل من ست ساعات كما حكى الرئيس الأسبق أنور السادات بعدما وضعت الحرب أوزارها .
بدأت الحرب تمام الساعة الثانية ظهرا من يوم العاشر من رمضان الموافق يوم 6 أكتوبر1973، ونفذت أكثر من 200 طائرة حربية مصرية ضربة جوية على الأهداف الإسرائيلية بالضفة الشرقية للقناة، وحلقت الطائرات على ارتفاعات منخفضة للغاية لتفادي الرادارات الإسرائيلية. استهدفت الطائرات المصرية المطارات ومراكز القيادة ومحطات الرادار وبطاريات الدفاع الجوي وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة في خط بارليف ومصاف البترول ومخازن الذخيرة.
بعد عبور الطائرات بخمس دقائق بدأت المدفعية قصف التحصينات والأهداف الإسرائيلية الواقعة شرق القناة بشكل مكثف تحضيرا لعبور المشاة. تقدمت عناصر سلاح المهندسين والصاعقة إلى الشاطئ الشرقي للقناة لإغلاق الأنابيب التي تنقل السائل المشتعل إلى سطح القناة. في تمام الساعة الثانية والثلث توقفت المدفعية ذات خط المرور العالي عن قصف النسق الأمامي لخط بارليف ونقلت نيرانها إلى العمق حيث مواقع النسق الثاني، وقامت المدفعية ذات خط المرور المسطح بالضرب المباشر على مواقع خط بارليف لتأمين عبور المشاة من نيرانها.
في تمام الساعة السادسة والنصف كان قد عبر القناة ألفا ضابط وثلاثون ألف جندي من خمس فرق مشاة، واحتفظوا بخمسة رؤوس كباري واستمر سلاح المهندسين في فتح الثغرات في الساتر الترابي لإتمام مرور الدبابات والمركبات البرية، ما عدا لواء برمائي مكون من 20 دبابة برمائية و80 مركبة برمائية عبر البحيرات المرة في قطاع الجيش الثالث وبدأ يتعامل مع القوات الإسرائيلية.
في تمام الساعة الثامنة والنصف اكتمل بناء أول كوبري ثقيل وفي تمام الساعة العاشرة والنصف اكتمل بناء سبع كباري أخرى وبدأت الدبابات والأسلحة الثقيلة تتدفق نحو الشرق مستخدمة السبع كباري و31 معدية .
أجواء رمضانية
ترصد الكتابات التي رصدت نصر العاشر من رمضان أن المناخ العسكري القتالي للحرب، واكبه مناخ روحاني رمضاني، حيث طلب الفريق سعد الشاذلي بديلا جديدا لصيحة النصر، وحينها أذن لصلاة العصر في قيادة الجيش الثالث الميداني، وفي حينها تم التيمن بـ"بالله أكبر"، وهو ما نفذ منذ الضربة الجوية وكسر الصمت طوال الحرب، وخاض الرجال الحرب واستشهد من استشهد وأغلبهم صائمون.
الإعداد الشامل
إن عملية الإعداد الشامل –كما ذكر تقرير نشرته وكالة أنباء الشرق الأوسط تزامنًا مع ذكرى النصر- بدأت نهاية هزيمة حرب 67 مباشرة، ورفض الشعب المصري لتلك الهزيمة ورفض تنحي الرئيس جمال عبدالناصر عن موقعه ورفض هزيمة جيشه في حرب غير متكافئة لم يخضها، ورفع الشعب والجيش شعاري تلك المرحلة: "ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة" و"لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، بما يعني أن حرب التحرير قادمة لا محالة، وأن الإعداد لها له الأسبقية المطلقة.
وبحسب التقرير المنشور بوكالة أنباء الشرق الأوسط: "ثم جاء الإعداد التسليحي والقوة البشرية المقاتلة، وكان أولها استعواض خسائر حرب عام 67 وخاصة من الطائرات والدبابات والدفاع الجوي، ثم زيادة دعم تلك القوات تباعا طبقا لما سمح به الاتحاد السوفيتي، كما تم الإعداد للقوى البشرية تحت السلاح العاملة والاحتياطية، مع زيادة نسية المجندين من حملة المؤهلات العليا لتطوير التعامل مع الأسلحة والمعدات الحديثة، وتم استحداث الضابط المحارب من ضباط صف المؤهلات العليا؛ لزيادة نسبة الضباط صغار الرتب إلى الجنود، حيث بلغت 18: 1، وكذلك تطوير بنك الدم ليفي بالاحتياجات الطبية خلال الحرب".
مسرح العمليات
ويتابع التقرير: "جاء إعداد مسرح العمليات، حيث تم إعداد شامل تضمن إعداد الطرق والسكك الحديدية والموانئ البحرية والجوية وإعداد مناطق وخطوط دفع الاحتياطيات، وكذلك إعداد المناطق الإدارية، وكان من أهم مراحل الإعداد وأصعبها، وإعداد خطة (خدمة القائد) لتفي باحتياجات السيطرة والتحركات التكتيكية المنضبطة لمئات الآلاف من القوات وعشرات الآلاف من المركبات المختلفة ومئات الدبابات عبر الطرق ومحاور التقدم، مع عبور كباري الاقتحام المتنوعة لقناة السويس والمعديات المختلفة نهارا وليلا مع السيطرة بالتوقيتات والخطوط، وتعتبر تلك الخطة من أكبر وأدق الخطط النوعية العالمية خلال مراحل الحرب وخاصة مراحل الإعداد والعبور لقناة السويس كأكبر وأصعب مانع مائي في التاريخ حتى الآن".
اختيار موعد الحرب
تقول المصادر العسكرية: "جاء اختيار موعد وتوقيت الحرب بعد دراسة مستفيضة لاختيار الشهر والأسبوع واليوم والساعة كالآتي: شهر أكتوبر؛ قبل هبوط الجليد على الجولان، كما سيواكب معظم شهر رمضان كدافع روحي، وبه العديد من الأعياد اليهودية وأهمها يوم الغفران (كيبور).. الأسبوع الأول؛ الجزء الأول من الليل مقمر لتركيب الكباري بأقل مد وجزر لأن القمر لم يكتمل بدرا، والجزء الثاني مظلم لعبور الدبابات وللإخفاء عن طيران العدو، كما تتوقف الحياة في إسرائيل، بما في ذلك بث الإذاعة والتلفزيون، عدا إذاعة الجيش التي تبث دقائق كل ساعتين، مما أخر وأربك خطة التعبئة الإسرائيلية.. الساعة 2 ظهرا: نصف نهار بما يسمح بتوجيه ضربة جوية وإمكانية تكرارها، وعبور الإنسان الأولى للقناة بالقوارب والمعديات، وإدارة نيران المدفعية، وتجهيز مواقع مناسبة للقوات شرق القناة استعدادا لصد احتياطيات العدو القريبة".
خطة الخداع الإستراتيجي
تعتبر خطة الخداع الاستراتيجي مفتاح النصر، حيث تم من خلالها تحقيق المفاجأة الكاملة لإسرائيل بل والولايات المتحدة بكل إمكانيات استخباراتهما، وكانت خطة شاملة تمت على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وكانت محصلتها المهمة هي خداع العدو عن وقت بدء الحرب، مما أفقده عنصري المبادأة والمفاجأة، والنتيجة هي شلل وإرباك خطة تعبئة قوات الاحتياط الإسرائيلية الهامة التي تشكل حوالي 60-70% من إجمالي القوات الإسرائيلية التي يجب أن يتم استدعاؤها خلال 72 ساعة أي 3 أيام.
كان أهم ما احتوته الخطة على المستوى السياسي إرسال ممثل للرئيس الراحل محمد أنور السادات إلى الولايات المتحدة للتباحث بناء على طلبها، حيث تم التنسيق مساء يوم 5 أكتوبر بين نائب هنري كيسنجر والسفير المصري في واشنطن أشرف غربال، وقبل أن يرد السفير في التاسعة صباح اليوم التالي 6 أكتوبر بتوقيت واشنطن، الثالثة ظهرا بتوقيت القاهرة كانت الحرب قد بدأت بالفعل، وقبول زيارة وزير الدفاع الروماني لمصر في 8 أكتوبر، وتم ذلك بناء على طلبه في أول أكتوبر، وإرسال برنامج مقترح للزيارة، ويوم الحرب 6 أكتوبر تم الاعتذار وتفهم الموقف، وكان يحمل مقترحات للوساطة بين مصر وإسرائيل بواسطة الرئيس شاوشيسكو، ثم جاء الاجتماع السري لمجلسي الدفاع الوطني لمصر وسوريا في الإسكندرية، وكان للتنسيق النهائي، وعقد في قيادة القوات البحرية في رأس التين برئاسة الرئيسين من 22-23 أغسطس 73.
وعلى المستوى الاقتصادي.. تأخر إغلاق المجال الجوي فوق مصر لآخر لحظة بما يسمح للطيران الدولي بتغيير مساراته إلى مسارات بديلة قبل الدخول للأجواء المصرية كمنطقة حرب، تأخير إطفاء شعلات حقول الغاز في خليج السويس والبحر الأحمر لآخر لحظة حتى لا تكون قرينة في حالة الإطفاء الجماعي المتزامن والمبكر.
إعلانات الحج والعمرة
أما على المستوى الإعلامي والاجتماعي.. فقد ساهم الإعلام مساهمة فعالة بالتنسيق مع إعلام القوات المسلحة، بالتركيز على المراد توصيله إلى العدو مثل إعلانات الحج والعمرة في بداية رمضان للضباط والمتطوعين وأسرهم والتركيز على الصحف التي تحصل عليها السفارات الإسرائيلية في أوروبا وخاصة لندن وباريس.
كما كان النشاط الاجتماعي لا تخطئه العين المتابِعة بالفرحة الأسرية بعودة أبنائهم من التعبئة، في الظروف المتوترة منذ سبتمبر 73 من الاستدعاء التدريبي السنوي لمناورات الخريف من سلسلة (تحرير).
التعبئة والتسريح
أما على المستوى العسكري.. تشمل العديد والعديد من الأنشطة نذكر منها - تكرار أعمال التعبئة والتسريح - التدريب على العبور خارج مراقبة العدو، تحريك الكباري إلى منطقة القناة، وكانت من أصعب المراحل نظرا لضخامة الكوبري، وتم نقلها بعد تفكيكها ليلا وإخفاؤها، مع إعادة بعض الأجزاء المجمعة نهارا للرصد وهكذا، مع إنشاء الكباري الخفيفة والهيكلية - التخطيط للهجوم على طول مواجهة قناة السويس ظهرا بمواجهة حوالي 170 كم (بما فيها عيون موسى) وبقوات النسق الأول المحتل لغرب القناة مباشرة والدارس للعدو - مع بدء الحرب ظهرا عكس كل المتبع وكل التوقعات.
نهاية أسطورة الجيش الذي لا يقهر
نجحت حرب العاشر من رمضان فى إعادة الملاحة فى قناة السويس فى يونيو 1975، كما مهدت الطريق لإتمام إتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل فى سبتمبر 1978، وتوقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل فى مارس 1979، واسترداد مصر لسيادتها الكاملة على سيناء وقناة السويس في 25 أبريل 1982 ، ما عدا طابا التي تم تحريرها عن طريق التحكيم الدولي في 19 مارس 1989.
لقد أنهت حرب العاشر من رمضان أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر، وكانت بداية الانكسار للعسكرية الإسرائيلية، ومن ثم سيظل هذا اليوم العظيم من تاريخ مصر مصدر مجد وفخر يحيط بقامة العسكرية المصرية على مر التاريخ.