الإسلام في كينيا.. المغامرين العرب والنسيج المجتمعي
يُعدّ الإسلام جزءًا لا يتجزأ من نسيج كينيا الاجتماعي والثقافي، حيث يعود تاريخه في البلاد إلى أواخر القرن الأول الهجري، أي قبل أكثر من ألف عام.
يعود وصول الإسلام إلى كينيا إلى المغامرين العرب الذين أقاموا مركزًا لهم على الجزر المقابلة للساحل الشرقي لأفريقيا، وذلك في العقد الأخير من القرن الأول الهجري، وازدادت الهجرات الإسلامية إلى هذا الساحل مع انتشار الخلافات في نهاية العصر الأموي.
لعب التجار العرب دورًا هامًا في نشر الإسلام، حيث أسسوا العديد من المستوطنات على طول الساحل، ونشروا تعاليم الدين الإسلامي بين السكان المحليين، و يشكل الإسلام جزءًا هامًا من نسيج المجتمع الكيني، حيث يُعدّ الدين الثاني من حيث عدد السكان بعد المسيحية، إذ يتّخذه أكثر من 40% من الكينيين دينًا لهم.
كينيا أحد بلاد شرق أفريقيا، يقدر عدد سكانها بـ55.755.944 نسمة، حسب إحصاء فبراير 2024م، وتبلغ مساحتها 580.367 كم²، وهي بلد متكامل من حيث المناخ، فإنها تنقسم إلى ثلاث مناطق؛ المنطقة المدارية الساحلية؛ وهي التي تطل على المحيط الهندي وتحوي الموانئ وتعد المركز التجاري والسياحي للبلاد، ومنطقة السهول الجافة؛ وهي التي يعيش فيها أغلب السكان لاعتدال مناخها، ففيها كبرى المدن مثل العاصمة نيروبي، والمنطقة الداخلية الخصبة؛ وهي سلة الغذاء بالنسبة لهذه البلاد.
وبالرغم من أنها بلد عريق في الإسلام، فليس هناك إحصاء دقيق لعدد المسلمين فيه، حتى تختلف التقديرات بتفاوت كبير بين نسبة 10% و30%، فإن الواقع يشهد أنها قد تتجاوز ذلك، لا سيما إذا انضاف إليهم عدد سكان الإقليم الصومالي في شمال شرق كينيا المعروف بـ«NFD» الذي ضمته إليها عام 1963م واعتبرته جزءًا من أراضيها حتى وقتنا هذا والذي يدين كل سكانه تقريبًا بالإسلام.
كانت عُمان الدولة الأهم في تاريخ نشر الإسلام في الشرق الأفريقي عامة منذ القرن الهجري الأول، فقد كان يحكمها حينئذ ملوك قد حدث الخلاف بينهم وبين الدولة الأموية، وكان الحجاج بن يوسف الثقفي وزيرهم المبير يريد ضم عُمان إلى سلطة الدولة، فاضطر سعيد، وسليمان ابنا عباد بن الجلندي إلى الهرب عبر البحر حتى رست سفنهما إلى جزر في المحيط الهندي تسمى أرخبيل لامو، وأشهر جزره لامو وبات وماندا، وهي الآن على الحدود الصومالية الكينية من جهة الشرق القريبة من مدينة مومباسا الكينية، وهذه هي الإمارة الإسلامية الأقدم على الإطلاق في جميع الشرق الأفريقي.
وعلى غرار ما كان في إمارة لامو، هاجر عدد من أزد عمان على خلفية خلافات بينهم في الحكم، واستقروا في إحدى جزر نفس الأرخبيل، واتخذوا من مدينة بات مركزًا لهم، وقامت سلطنة عظيمة استمرت حتى عام 1278هـ/ 1861م تخللتها موجات من الاستعمار الأوروبي.
وقد توسعت الإمارة في سائر أنحاء الساحل الشرقي الأفريقي، وطال مكثهم فيها حتى تداول عليها 32 سلطانًا، وكانت سلطنة غنية ازدهرت فيها التجارة والصناعة والزراعة والعمران، وظهر في أثناء حكمها اللغة السَّواحِليَّة، وهي اللغة التي حفظت تراث المسلمين في هذه المنطقة، فكانت لغة العلم والفكر والثقافة، واحتفظت المكتبات والمتاحف بكثير مما كتب بها، وهي من أقرب اللغات إلى اللغة العربية، وكانت تكتب بالحروف العربية حتى عصر ما قبل الاستعمار لدول الشرق الأفريقي.
كان للاستعمار الأوروبي أهداف كثيرة على رأسها السطو على خيرات البلاد المستعمَرة، وزاد على ذلك توحش البرتغاليين وتعصبهم ضد الإسلام، وهو الذي دفعهم لارتكاب جرائم كبرى في الشرق الأفريقي مثل قصف مقديشو بالمدافع عام 903هـ/ 1498م، ونهب سفن المسلمين ثم حرقها بمن فيها، وقد استمروا على ذلك إلى أن نالت حاضرة كينيا حينئذ (مومباسا) النصيب الأعظم، فقد جاء إليها الأسطول البرتغالي عام 1140هـ/ 1728م واحتلها، واستمر بها 18 شهرًا ذاق فيها المسلمون الويلات، فقد طردوا الأهالي من بيوتهم، واستباحوا الزوجات، وألقوا الحجارة على المصلين، وأخذوا وجهاء المدينة كعبيد لهم يخدمونهم، وأحرقوا مباني المدينة، إلى أن استعان السلطان سعيد بن سلطان بالإنجليز لحربهم، فهزموهم، ومن هنا كان مدخل الاحتلال الإنجليزي في البلاد.
على غرار ما صنع الإنجليز في الهند بتأسيس شركة الهند الشرقية التي تدخلت في اقتصاد البلاد، ثم سياستها، ثم سيطرت عليها بالفعل وألغت السلطنة المغولية الإسلامية؛ صنعت نفس الشيء في الشرق الأفريقي، فقد صنعت شركة شرق أفريقيا البريطانية، ومع تمكنها من مفاصل هذه البلاد وقعت الشركة عام 1305هـ/ 1887م معاهدة مع السلطان برغش بن سعيد سلطان زنجبار صاحب السلطة الشرعية على ساحل شرق أفريقيا يتنازل بموجبها عن لامو وباتت لصالح بريطانيا، وفي عام 1313هـ/ 1895م أصبحت كينيا بكاملها تحت الاحتلال الإنجليزي المباشر.
وكعادة الإنجليز في تغيير هوية البلاد التي يحتلونها قد اتخذوا إجراءات عديدة كانت سببًا فيما وصل إليه حال الإسلام في هذه البلاد حتى وقتنا هذا، فقد ألغوا كتابة اللغة السواحلية بالحروف العربية واستبدلوها الحروف اللاتينية بها، وذلك حتى تنفصل هوية أصحاب البلد عن تراثهم الإسلامي، لا سيما القرآن الكريم، وذلك تمهيدًا لتنصيرهم أو علمنتهم على أقل تقدير، وأرسلوا كثيرًا من الحملات التنصيرية التي أسهمت في تنصير عدد من الوثنيين وتثبيت حكم النصارى في سائر مفاصل الدولة.