الصراع الصيني الأمريكي.. أفريقيا ساحة الحرب بين التنين و بلاد العم سام
تشهد القارة الأفريقية ساحة صراع متنامي بين الولايات المتحدة والصين، حيث تتنافس الدولتان العظميان على النفوذ الاقتصادي والسياسي في هذه المنطقة الغنية بالموارد، ويُظهر هذا الصراع أوجهًا متعددة، تتراوح من الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية إلى الدعم السياسي والدبلوماسي.
تمتلك أفريقيا ثروة هائلة من الموارد الطبيعية، مثل النفط والمعادن والغاز الطبيعي، وهو ما يجذب كل من الولايات المتحدة والصين الساعيتين لتأمين احتياجاتهما المتزايدة من هذه الموارد، وتُمثل أفريقيا سوقًا ضخمة وواعدة للمنتجات والخدمات، وتسعى كل من الولايات المتحدة والصين إلى الاستفادة من إمكانياتها الاقتصادية الهائلة، وتسعى كل من الولايات المتحدة والصين إلى تعزيز نفوذها على المستوى الدولي، وتُعد أفريقيا ساحة مهمة لتحقيق هذا الهدف.
تواجه الصين تحديًا كبيرًا في ظل توسع مصالحها الاقتصادية في السوق العالمية من الناحية الأمنية؛ فهي لا تمتلك القدرة المناسبة لحماية مصالحها العالمية خارج نطاق إقليمها وخاصة في إفريقيا. حيث تعد الممرات البحرية أهم طرق التجارة التي تربط الصين بالعالم حيث تعتمد التجارة الصينية بنسبة 90٪ على الممرات البحرية. وبالتالي، فإن افتقاد الصين لقوة بحرية قوية يعد نقطة ضعف وتهديدًا لمصالحها. تمر واردات النفط التي تستهلكها الصين من إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى بشكل أساسي عبر الممرات البحرية، وهو ما يعد نقطة قد تستغلها القوى الدولية لإضعاف تنامي القوة الاقتصادية الصينية(8).
يمكن فهم تحركات الصين الإستراتيجية وفق مبادرة “الحزام الواحد”، وهو عبارة عن اندماج لمخططَيْ تنمية، الأول: هو طريق الحرير البري، والثاني: طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين،. يمر الطريقان على 65 دولة بها 62٪ من سكان العالم، وأكثر من 35٪ من تجارة البضائع عالميًّا، ونحو 30٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وقد خصصت الصين استثمارات بقيمة 150 مليار دولار، وتستثمر بشكل كبير في مجال الطاقة الكهرومائية والسكك الحديدية والموانئ، وبدرجة أقل في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات).
في المقابل، تعتمد أمريكا على قواتها البحرية وأساطيلها الحربية المنتشرة حول العالم لاستمرار هيمنتها، حيث أشار ألفريد ماهان الذي عمل في القوات البحرية الأميركية، والمطور النظري والمنهجي لمفهوم القوة البحرية الأميركيةإلى النقاط الرئيسية التالية التي بنت عليها أمريكا قوتها البحرية، وهي:
أولًا: قيادة البحر هي العامل الأساسي للسيطرة على العالم من خلال السيطرة على المحيطات، وخاصة على طرق التجارة الرئيسية، لأنها العامل الأساسي الذي يسهم في قوة وازدهار أي بلد.
ثانيًا: تتكون القوة البحرية من موقع جغرافي ملائم مع إمكانية الوصول إلى المحيطات الرئيسية، وقواعد اللوجستيات البحرية المنشأة في موانئها الساحلية الخاصة، وأسطول تجاري حديث، وقوة بحرية قوية، فمع هذه القوة يمكن لأي بلد أن يزدهر ويحافظ على مكانته المهيمنة على الساحة الدولية.
ثالثًا: الهدف الإستراتيجي للبحرية هو هزيمة أسطول العدو في معركة حاسمة للسيطرة على البحر، والقضاء على سفن العدو وأساطيله، بغض النظر عن الوقت، الذي يعتمد على تحقيق هزيمة للأسطول القتالي للعدو. ومن أجل تحقيق هذه الغاية، أشار ألفريد إلى وجوب بناء أسطول قوي لتدمير أسطول العدو.
رابعًا: أشار ألفريد إلى أن البحرية الأمريكية هي أساس هيمنة أمريكا، وقال: إن عليها إنشاء قوة بحرية قوية يمكنها تنفيذ المعارك في المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ على التوالي في نفس الوقت من أجل تحقيق الهيمنة على العالم والحفاظ عليها.
لذلك، تعمل أمريكا بشكل مستمر على تطوير قدراتها العسكرية لأساطيلها البحرية لمواكبة التهديدات التي يمكن أن تشكِّلها الصين وروسيا مستقبلًا، وهو ما تؤكد عليه دائمًا وزارة الدفاع الأمريكية في تقاريرها التي تصدرها فيما يتعلق بالأمن القومي الأمريكي، والتي ترى أن المحيطات تربط الأسواق العالمية وتوفر الموارد الأساسية وتربط المجتمعات معًا. كما يُنقل نحو 90٪ من التجارة العالمية عن طريق البحر، ما يسهم في 5.4 تريليونات دولار من أمريكا من حجم التجارة السنوية والتي تدعم نحو 31 مليون وظيفة أميركية، كما يمر نحو 95٪ من الكابلات البحرية للاتصالات الدولية وحوالي 10 تريليونات دولار في المعاملات المالية يوميًّا).
تعد الموانئ إحدى ساحات التنافس بين الصين و أمريكا في إفريقيا، فهي تشكِّل البنية التحتية واللوجستية عسكريًّا واقتصاديًّا وفق نظرية القوة المهيمنة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. تستثمر الصين بشكل واسع وكبير في الموانئ في إفريقيا من خلال شركاتها بالتمويل أو البناء والتأهيل أو بالإدارة. استثمرت الصين فيما لا يقل عن 46 ميناء على طول الخط الساحلي الشرقي والغربي لإفريقيا، والتي بُنيت وأعيد تأهيلها وفقًا لمواصفات البحرية لجيش التحرير الشعبي (PLA) ، وهذه الموانئ تمركزات تتيح الوصول إلى مياه المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ(13). أحد الأمثلة على التوتر الأميركي-الصيني هو ما يحدث في ميناء باتا في دولة غينيا الاستوائية حيث تعمل الصين على إعادة تأهيل وتوسيع ميناء باتا الإستراتيجي، وهو ما قيَّمته تقارير استخبارية أميركية بأنه قاعدة بحرية عسكرية صينية تهدد الأمن القومي الأميركي لقربه من السواحل الأميركية).
تتفوق أمريكا على الصين في حجم الصادرات العسكرية لإفريقيا؛ فبحسب الدراسة التي نشرها معهد سيبري المتخصص في رصد الصفقات العسكرية في العالم، بلغ حجم الصادرات الأميركية في الفترة الممتدة من عام 2000 وحتى 2018 نحو 10.34 مليارات دولار فيما بلغ حجم صادرات الصين في نفس الفترة نحو 4.13 مليارات دولار. تعد المعدات العسكرية عاملًا رئيسيًّا في تطور العلاقة بين الدول الإفريقية مع القوى الدولية. في الفترة الأخيرة الممتدة من 2017 وحتى 2021، بلغ حجم الواردات العسكرية الروسية نحو 44٪ من إجمالي واردات الأسلحة الرئيسية وهي تصل إلى قرابة النصف (49٪) إذا أضيفت الأسلحة الصغيرة (المسدسات والبنادق الهجومية، مثل بندقية كلاشينكوف و (AK-200 ، تليها أمريكا بنسبة (17٪) ثم الصين (10٪) وفرنسا (6.1٪). وهو يجعل أمريكا متقدمة على الصين بالرغم من سرعة تنامي الحضور الصين العسكري.
بالرغم من التفوق العسكري الأميركي على الصين إلا أنه يمكن ملاحظة تزايد تعداد الشركات الأمنية الصينية الخاصة في إفريقيا لحماية مصالحها وهو توجه صيني جديد يمثل سياسة جديدة تجاه استثماراتها وتحركاتها في إفريقيا؛ الأمر الذي يمكن أن يمثل ورقة ضغط على الأنظمة والحكومات الإفريقية في ظل تنامي الدين الصيني للدول الإفريقية وهو ما يغنيها عن الوجود العسكري الرسمي المكلف سياسيًّا وماليًّا.