الطعن فى الإسلام على خطى الاستشراق
كنا ندرس فى الأزهر الشريف مادة" الاستشراق" ،
والاستشراق (Orientalism) لمن لا يعرفه هو حركة فكرية وفلسفية أسسها البيروقراط في بريطانيا لدراسة البنية الثقافية للشعوب فى الشرق من وجهة نظر غربية ، بغرض فهم ثقافات و فلسفات وأديان تلك الشعوب، وكانت بدايتها إبان الإستعمار البريطاني للهند في أواسط القرن الثامن عشر، ثم تطورت وتوسعت فى الدول الاستعمارية الكبرى كفرنسا وألمانيا وبريطانيا ، وتم تأسيس مناهج أكاديمية لهذا الغرض فى الجامعات والمراكز البحثية الغربية..
وكل أجيال الأزاهرة من جيلى والأجيال التى سبقتنى درست الشبهات التى أثارها المستشرقون حول الإسلام خاصة للتشكيك فيه كدين سماوى نزل من عند رب العالمين !! كما درسنا مناهج المستشرقين ودوافعهم السياسية والدينية والاستعمارية.
قليل من المستشرقين من أنصف الإسلام كدين ! ، كما أنصف بعضهم النبى محمد صلى الله عليه وسلم لانه نهج فى بحثه العلمى نهجاً علمياً خالصاً دون تعصب دينى أو حضارى، بل قام بعضهم باعتناق الإسلام بعد دراسة وتفحص.
ومن هؤلاء الذين كتبوا عن الإسلام كتابة محمودة " توماس كارلايل فى كتابه الأبطال" و "البطريرك عيشويابه" و" هنرى دى كاسترى فى كتابه الإسلام خواطر وسوانح"
"وزيغريد هونكة فى كتابها شمس العرب تسطع على الغرب "
و" آنا ماري شيمل " هذة السيدة العظيمة التى قضت عمرها العلمى والبحثي فى خدمة التراث الاسلامى وخاصة التصوف وخدمت الاسلام وتراثه مايزيد عن ستين عاماً ، وقد كتبت عنها مقالاً بعنوان "آنا مارى شيمل والتصوف "
و" أميل درمنجم فى كتابه حياة محمد".
والفيلسوف الفرنسي دينيه جينو وبعد اعتناقه للإسلام سمى نفسه عبدالواحد يحيى " وقد ترجم له الإمام الأكبر عبدالحليم محمود تراثه من الفرنسية إلى العربية ، والراهبة البريطانية كارين أمسترونج التى دافعت عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فى عدة مصنفات ، وكان أستاذى المرحوم الدكتور حمدى زقزوق وزير الأوقاف الاسبق رحمه الله يدعوها لحضور مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
- أما أبرز المستشرقين الذين قاموا بتشويه الإسلام وتراثه بدافع العصبية الدينية أو الحضارية ؟ صموئيل زويمر " الذى قال : " إن إله المسلمين ليس إله قداسة ومحبة".
ومنهم إيموس الذى قال إن الشرع المحمدى ليس إلا القانون الروماني القديم !
ورد عليه المرحوم الدكتور صوفى أبوطالب فى كتابه " بين الشريعة الإسلامية والفقه الروماني"
ورد عليه أيضاً الإمام الشيخ محمد بوزهرة فى كتابه " الفقه الاسلامى والقانون الروماني ".
- ومن أشد المستشرقين شراسة فى الهجوم على الإسلام خلال تاريخه.
جولد تسيهر وهو مستشرق يهودى مجرى ولد عام 1850. وتوفى عام 1921 م.
حيث حاول فى كتبه الكثيرة التى ألفها وانتشرت فى كل مكان نسف نسبة الاسلام ( القران والسنة) إلى الرسول صلى الله عليه وسلم !!!
تلقى تعليمه في جامعة بودابست وجامعة برلين وجامعة لايدن بهولندا بدعم وزير الثقافة المجرى وأصبح جامعيا في بودابست عام 1872 ، وفى العام التالي تحت رعاية الحكومة المجرية، بدأ رحلة عبر سوريا وفلسطين ومصر، واستغل الفرصة لحضور محاضرات المشايخ المسلمين في جامع الأزهر في القاهرة!
كان المستشرق اليهودي "جولدتسيهر" الذي يعده المستشرقون أعمق العارفين بالحديث النبوي. اْلف الكتب وكتب المقالات بهدف الطعن في الاسلام وليس بهدف البحث العلمي!! لان هجومه الشرس على الإسلام كان يفتقد أبجديات البحث العلمى الصحيح ! بدليل أن المستشرقين المتاخرين عنه تحرروا من متابعته وناقشوه في بعض ما قال وراْوا في اْحكامه على السنة جورا وظلما.
وقام بعضهم (وهو ليس بمسلم) بالرد عليه وعلى تجاوزاته!
ففى كتابه " العقيدة والشريعة فى الاسلام " والذى ترجمه د عبدالحليم النجار. انتقد فكرة (التواتر ). التى على أساسها نجزم بصحة وصول القران إلينا وكذلك بعض نصوص السنة بدون تحريف !
والتواتر: هو أعلى درجات الصحة والثبوت عند المسلمين حيث يروى الخبر جماعة عن جماعة يستحيل طواطؤهم على الكذب ! بشروط التواتر المعلومة.
وهو علمٌ انفرد به المسلمون دون غيرهم للحفاظ على القرآن والسنة الصحيحة من التحريف على مستوى اللفظ وعلى مستوى المعنى.
والتواتر فى اللغة معناه التتابع أي جاء الشيء على أثر شيءٍ سبقه، أو جاء على عقبه وتراً وتراً أي فرداً فرداً. قال تعالى " ثم أرسلنا رسلنا تترا ". متتابعين ..
وشروط التواتر هى:
1- أن يكون عدد رواة الحديث كثير بحيث يستحيل تواطؤهم على الكذب.
2- أن يروي هذا الجمع الكثير عن جمع مثله من أول السند إلى منتهاه.
3- مصاحبة خبرهم إفادة العلم لسامعه، ومعنى العلم درجته وطريقة الحصول عليه، فإمّا أن يكون العلم قد حصل بمجرد السماع بدون بحثٍ أو نظر، أو أن يكون حصل ببحثٍ وتحرٍ ونظر ويسمى العلم النظري.
4- أن تكون روايتهم عن حس، ومعنى أن يكون محسوساً أي يدرك من خلال إحدى الحواس كالسمع أو البصر.
هذا وقد وصلنا القرآن الكريم بتواتر على مستوى اللفظ والمعنى ! وهذه أعلى درجات التواتر!
فالقرآن الذى بين أيدينا الآن هو هو القرآن الذى نزل به جبريل عليه السلام من رب العزة إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ، بلفظه على مستوى الحرف والكلمة والحركة والآية والسورة وترتيب السور ... إلخ.
وقد تلقفته جماعة من الصحابة يستحيل تواطؤهم على الكذب ، فأخذه عنهم جماعة أكبر يستحيل تواطؤهم على الكذب... الخ. بسند متصل لم ولن ينقطع إلى يوم القيامة بإذن الله ...
وهذا هو التواتر ...
وبهذا التواتر أيضاً وصلت إلينا سنة النبى صلى الله عليه وسلم المتواترة مثل إقامة الصلاة وكيفيتها ومثل شعائر الحج وكيفيته...
والسنة التى لا تتوفر فيها شروط التواتر. تسمى سنة الآحاد !
وقد قام العشرات من علماء المسلمين بالرد على كل هذه الافتراءات بالحجة والبيان والتفنيد العلمى ...
ومعلوم أن علم السند هو من العلوم المتسقة تماماً مع العلم الحديث ،،،،
فهناك طريقان لإثبات الحقائق :
1- البحث العلمى الحديث المتمثل فى الدراسات والبيانات ولغة الأرقام " الاستدلال الاستقرائى ".
2- التواتر وهو منهج يستخدم لتوثيق الحقائق التاريخية ، وبه وصل الينا الاسلام دون تحريف !
وعندما عجزو ا عن تحريف الاسلام ! قاموا بتزوير معناه وتفسيره على نحو مسيء ...
ونحن لهم بالمرصاد حتى نبين الحقيقة واضحة جلية اعمالا اقول النبى صلى الله عليه وسلم : " يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ".
تُعد تلك الشبهات هى المحتوى الأساسى ومصدر الإلهام لمن يطعن فى الاسلام تحت شعار التنوير وفق إطار الرؤية الغربية !
وفى ظل الحروب الحديثة التى كتبت عنها كثيراً قبل ذلك ، تم تأسيس الكثير من المراكز البحثية فى الغرب لإصدار التقارير التى تتحول إلى خطط عمل مناسبة بهدف ضرب هويتنا الدينية والوطنية والثقافية وفق هجمات حروب الجيل الرابع !!
ففى تقرير مؤسسة - راند الأمريكية عام 2007 - ( والدعومة مالياً من البنتاجون).
يوصى التقرير الإدارة الأمريكية بدعم جماعات وشبكات فى العالم الإسلامى لمواجهة التطرف !! كما يؤكد التقرير على أن مفهوم الاعتدال ومواصفاته و مفاهيمه وفق الرؤية الغربية الأمريكية وليس وفق الرؤية الإسلامية !
وأن يكون هناك اختبار للاعتدال بالمفهوم الأمريكي يتم من خلاله تحديد من تعمل معهم الإدارة الأمريكية وتدعمهم في مقابل من تحاربهم وتحاول تحجيم نجاحاتهم.
وبناء على ذلك فنحن جميعاً متطرفون من وجهة نظر التقرير ! وهذا ما يحاول البعض إظهاره !! أن الاعتدال وفق الاسلام تطرف. ولا اعتدال إلا الااعتدال بمواصفات تقرير راند الأمريكى !!'
وهذا هو موضوع مقال قادم بإذن الله أستعرض فيه هذا الأمر والحلول المقترحة لصناعة التنوير الدينى وفق هويتنا وليست هوية الغرب !!
والله المستعان.