رئيس تحرير ”صوت الأزهر”: الإمام الأكبر صاحب عقيدة أشعرية تقدر على التمييز بين الدينى والسياسى
لم يخلع عباءة الدَّاعية ليرتدى عباءة السياسى، حتى فى وقتٍ كانت السياسة مغرية فى جَذْبها، ونافذة فى صُراخها، والسلطة ملقاة فى أتون الفوضى على قارعة الطريق.. هذا ما كتبه الكاتب الصحفي أحمد الصاوي رئيس تحرير جريدة "صوت الأزهر" عن الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف.
وأضاف في منشور له عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك": وسواء فى اللحظة التى كان فيها الطامعون فى خلق دولة دينية «ثيوقراطية» يعتقدون أن حلمهم بات واقعاً بين أيديهم، أو هو على مَرْمى البصر، أو أولئك الذين حاولوا «جحد الدين» وإزاحته من المجال العام، وجد الإمام الأكبر المسافةَ شاسعةً بينه - كونه رجل دين وعلم - وبين أولئك الذين يلتحفون بالدين - بزعم تطبيقه أو بزعم تجديده - وهم فى جوهرهم أهلُ سياسة ومال، يسعون لمصالح وسلطان الدين فيه وسيلة ومطيَّة، ليعلنها صريحة واضحة أن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية الكهنوتية، ولا يعرف الدولة التى تجحد الدين، ويبنى فى المنتصف دولة المواطنة الوطنية الدستورية التى لا تقبل التمييز بين مواطنيها، وتجيد التفريق بين السياسى والدينى.
وتابع: يسير الإمام الطيب خلف فِطْرته التى عاش بها عقودَ عُمْره المديد المبارك، وعاش بها من قبله جدوده فى بَرِّ مصر، وسار خلف علمه الذى حصَّله من أزهرٍ امتد أثره وتأثيره من ألف عام يقاوم أىَّ تعكير لفِطْرته، ويحفظ لمصر والعالم فكر التعايش والاندماج والقبول، ووسطية الفَهْم ومنهجه دون إفراط أو تفريط.
واستطرد: سار خلف عقله كفيلسوف عالم صاحب عقيدة أشعرية قادرة على المزج بين النصِّى والعقلىِّ، والتمييز بين الدينى والسياسى، ففَرَد مظلَّته ليأمن فى ظِلِّها المفزوعون من الزلازل التى قلبت الأوزان رأساً على عَقِب، ووضع الأساس لدولة المواطنة المدنية الدستورية بوثيقةً وراء وثيقة، وإعلان خلف إعلان، وموقف تلو موقف، وبيان خلف بيان ورسالة خلف رسالة، تحمى هُوية شعب قامت على سماحة العقيدة منذ عرف العقائد واختبر الإيمان بالوحدانية. ووضع خرائط التجديد المستحق التى يقوم عليها اجتهاد جماعى مؤسسى يحتوى جميع المختصين والمتخصصين، ويلفظ المتطرفين من كل جانب، ويخالف الراغبين فى التشبث بالتراث كله دون سواه، وأولئك الداعين لحرقه كله والاعتماد على ما سواه.
واستكمل: اختار الأزهر وآباؤه المؤسسون لهذا الكيان منهجه الذى عززه الإمام الطيب، هذا المنهج الذى جعل الأزهر دائماً يتخذ الموقف الأوسط بين تطرفين، منذ انحاز علماؤه الأوائل لمنهج الإمام الأشعرى الذى خرج من رحم فتنة «العقل أو النص» ليشق لنفسه طريقاً وسطاً ينبذ الصراع ويُدين الفتن، وحتى وقوفه بين التطرف العلمانى والتشدد الدينى، رافضاً لفهم جماعات التشدد التى تحاول خطف الدين لتحوله إلى آلة زمن تعود بالناس للعيش فى الماضى، ومقاوماً لتطرف علمانى مواز يسعى لخطف الدين أيضاً فى اتجاه آخر، ووضعه فى حجر صحى بزعم خطورته الداهمة.
وذكر: خاض الإمام الطيب بإخلاص للناس قبل كل شىء، المعارك والتحديات المستحقة، وترفع دائماً عن توافه الأمور، فلبَّى النداءات كغيره من أكابر الأئمة التاريخيين الذين كانوا يَهُبُّون لنصرة البلاد والعباد، فلم يترك لحظة تاريخية مرت عليه وهو شيخ الأزهر إلا وكان شريكاً فيها، ضابطاً لفورانها وراعياً لأهدافها المستحقة، ومدافعاً عن جوهرها النبيل.
وقال: استعاد معه الأزهر مكانته وتأثيره، وعزَّز حضوره فى العالم، وأكد وجوده كمرجعية أولى فى العالم الإسلامى، وحاز اعتراف العالم به إماماً إصلاحياً كبيراً تتطلع إليه العواصم ليشاركها حَلَّ معضلات التطرف وإرساء مناهج الوسطية والحوار والأخوة الإنسانية القائمة على العدل والحق والرحمة ورفض الظلم.
وأضاف: لا زال يعمل من أجل «أزهر» لمصر والعالم، يشبه تاريخه، ويشبه شيخه الأكبر: الفقيه، العالم، الباحث، الفيلسوف، السُّنى، الأشعرى، الصوفى، المصرى، العربى، المسلم، المثقف، المجدد، المنفتح، المتنور، المتكلم، المسالم عن قوة، والقوى فى الحق.. الداعية الفيلسوف الزاهد الذى لا يملك غير حكمته ولا يرجو من ورائها إلا الصلاح غير طامع فى حُكْم ولا سُلطان.