في ذكري وفاته 63.. محطات في حياة القارئ محمد النادي الذي حكم بصوته التلاوة المصرية
في عالم التلاوة والإنشاد الديني، نادرًا ما نجد شخصية تترك بصمة لا تُنسى مثل الشيخ محمد حسن النادي، وُلد كفيفًا في قلب مصر، لكن موهبته الفذة وصوته الخاشع مكَّناه من أن يكتب تاريخًا خالدًا في مجال القراءات القرآنية والابتهالات الدينية، نحتفل اليوم بالذكرى 63 لرحيله، نستعرض في السطور التالية مسيرة القارئ الذي ترك إرثًا لا يزال يُحتذى به في عالم الإنشاد الديني.
ولد الشيخ محمد حسن النادي في محافظة الشرقية عام 1923، وكان كفيفًا منذ الولادة، ولكن هذا لم يكن عائقًا أمام طموحه وقدرته الفائقة على حفظ القرآن الكريم وتجويده، وتعامل مع حالته كأن الأصل أن يعيش الإنسان دون عينين مبصرتين، وشقَ طريقه في حفظ وإتقان تلاوة القرآن الكريم قبل أن يتم عامه الثاني عشر على يد الشيخ محمد متولي سامي، ولما بلغ الثامنة عشرة من عمره رحل إلى "التلين" بالشرقية، حيث أمضى عامين في تلقي علوم القراءات على يد الشيخ "إبراهيم بكر"، وطبَّقت شهرته آفاق محافظته ومحافظات القناة.
في عام 1945، انتقل الشيخ النادي إلى الإسكندرية، حيث عُيِّن قارئًا بالمسجد العباسي، وبعد أربع سنوات، لفت صوته انتباه الملك فاروق أثناء إحدى صلوات الجمعة، فأمر باعتماده في الإذاعة المصرية، ليكون واحدًا من أصغر القراء اعتمادًا في تاريخ الإذاعة.
بعد خمس سنوات في الإسكندرية، انتقل الشيخ النادي إلى القاهرة، وعُيِّن قارئًا للسورة بمسجد السيدة نفيسة، وهناك، أبدع في تجويد وترتيل القرآن الكريم، كما برع في الابتهالات والتواشيح الدينية، وكان عضوًا بمجلس إدارة المعهد العالي للموسيقى العربية، مما يدل على موهبته الموسيقية الفائقة.
كان الشيخ "محمد حسن النادي" امتدادًا للقارئ الكفيفين الشيخ على محمود والشيخ محمد رفعت، وكل منهما كان أيقونة متعددة المواهب، وكأن يؤمل فيه أن يكمل مسيرته نحو الإبداع والتألق إلا أن الموت اختطفه دون سابق إنذار عن عُمر ناهز 38 عامًا فقط.
سجَّل الشيخ "محمد حسن النادي" العديد من التلاوات القرآنية التي تذاع عبر الشبكات الإذاعية المحلية، فضلًا عن الإذاعات العربية، منذ وفاته قبل 63 عامًا وحتى يومنا هذا، وتحمل في ثناياها ملامح وصوت وبصمة قارئ استثنائي ومختلف وعظيم.
كان "النادي" لديه العديد من الأناشيد منها قصيدة: "قلبي سواك ما عبد" التي تقول بعض كلماتها: قلبي سواك ما عبد..وجهي لنورك سجد..أنت الإله الأحد"، وقصائد وموشحات أخرى عديدة، وفيها تلمس دليلًا دامغًا على عبقريته الفنية المتفردة.