هل تصبح سوريا ساحة صراع جديدة بين روسيا وإيران والغرب؟
كشف تقرير نشرته مجلة ناشونال إنترست الأميركية عن الدور المحتمل للولايات المتحدة والدول الأوروبية في منع سوريا من أن تتحول إلى قاعدة استراتيجية لروسيا وإيران في منطقة شرق البحر المتوسط، في وقت تعيش فيه البلاد صراعًا طويلًا قد يعيد تشكيل المنطقة بأسرها.
وفي تقريره، أكد المحلل الأميركي أرييل كوهين أن الانهيار السريع لحكومة حزب البعث بقيادة الرئيس السوري بشار الأسد كان تتويجًا لحرب أهلية استمرت لأكثر من 13 عامًا. وقال كوهين إن الولايات المتحدة، بالتعاون مع الدول الأوروبية والدول العربية المعتدلة، يجب أن تضمن ألا تتحول سوريا إلى معقل جهادي بقيادة تنظيم داعش، وهو تهديد قد يفاقم الأوضاع الإقليمية.
وأضاف كوهين، الذي يشغل منصب المدير الإداري لبرنامج الطاقة والنمو والأمن في مركز الضرائب والاستثمار الدولي، أن العوامل العالمية الكبرى مثل الصراعات العرقية والدينية والهجرة والإرهاب والإسلام المتشدد قد ساهمت في تفاقم معاناة سوريا. وأشار أيضًا إلى أن التدخلات الأجنبية، خاصة من تركيا وروسيا وإيران، قد أسهمت في تعميق الأزمة السورية.
من جهة أخرى، شدد كوهين على ضرورة أن تشمل جهود إعادة الإعمار في سوريا إجراءات تهدف إلى ضمان المساواة لجميع الفئات العرقية، بما في ذلك الأكراد الذين يعتبرون حلفاء للولايات المتحدة. كما أكد على ضرورة تهيئة الظروف للتعايش السلمي بين مختلف الأطياف السورية، رغم صعوبة هذه المهمة.
على الصعيد الجيوسياسي، اعتبر كوهين أن انهيار النظام السوري المدعوم من روسيا وإيران قد يغير بشكل جذري ميزان القوى في منطقة بلاد الشام. ولفت إلى أن هناك احتمالات لأن تتغير حدود سوريا التي رسمتها الإمبراطورية البريطانية وفرنسا في اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، مع زيادة احتمالية تفكك النظام السوري القائم.
وتطرق التقرير أيضًا إلى التدخلات العسكرية الإسرائيلية في سوريا، حيث تقوم إسرائيل بتأمين منطقة عازلة في مرتفعات الجولان وتدمير الأسلحة الثقيلة للنظام السوري، بما في ذلك صواريخ الأسد أرض-أرض والأسلحة الكيميائية. كما تناول تدخلات تركيا في سوريا، حيث أيدت الجماعات المتمردة ضد نظام الأسد، وهو ما دفع تركيا إلى نشر الجيش الوطني السوري في شمال سوريا لمواجهة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركيًا.
أما فيما يتعلق بموقف روسيا وإيران، فقد أشار كوهين إلى أن هزيمة نظام الأسد ستضعف بشكل كبير من موقف موسكو وطهران في المنطقة، حيث كانت روسيا قد أنفقت عشرات المليارات من الدولارات للحفاظ على النظام السوري. وأضاف أن إيران، التي كانت تدعم الأسد عبر الحرس الثوري وحزب الله، قد تخسر أحد أبرز حلفائها في المنطقة.
في سياق متصل، أكد كوهين على أن إعادة إعمار سوريا ستكون مهمة شاقة، خاصة بعد العقوبات الغربية المفروضة على نظام الأسد والتي استهدفت بشكل خاص الدكتاتورية والشركات المتحالفة معها. ولفت إلى أن معارضي الأسد يأملون أن تقوم الدول الغربية برفع هذه العقوبات في مرحلة ما بعد الأسد، لكن الأمر سيعتمد على طبيعة النظام الذي سيخلف الأسد وما إذا كان سيكون من الممكن الوصول إلى توافق مع المجتمع الدولي.
في الختام، أشار كوهين إلى أن هزيمة روسيا وإيران في سوريا قد تمثل فرصة ذهبية لإعادة تأسيس الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط، ما يعني العمل على إخراج القوات الروسية من سوريا وإغلاق قواعدها العسكرية، بالإضافة إلى ضمان عدم وصول الإمدادات الإيرانية إلى حزب الله عبر الأراضي السورية.
لكن رغم كل هذه التحديات، يبقى بناء دولة ديمقراطية تعددية وسلمية في سوريا حلمًا بعيد المنال، وسط استمرار المعاناة التي يعيشها الشعب السوري، وما يتهدد البلاد من احتمالات العودة إلى مرحلة جديدة من الحرب والصراعات التي قد تؤدي إلى المزيد من المآسي.