روسيا في مرمى الانتخابات الألمانية.. تحديات المستشارية في ظل الأزمة الأوكرانية
قبل شهرين فقط من الانتخابات الألمانية، عادت روسيا لتصبح محورية في السباق نحو المستشارية، وذلك بعد تصريح أثار جدلاً كبيراً من قبل فريدريش ميرتس، زعيم الاتحاد المسيحي (يمين الوسط) في ألمانيا، والذي يعد من أبرز المنافسين على منصب المستشار في الانتخابات المقبلة. ميرتس قال في تصريح صحفي إنه في حال تم التوصل إلى اتفاق سلام بين أوكرانيا وروسيا، سيكون من الضروري الحصول على إذن من روسيا قبل إرسال أي قوات حفظ سلام إلى أوكرانيا. وأوضح أن هذا التفويض يجب أن يكون وفقًا للقانون الدولي، معربًا عن صعوبة تصور مثل هذا السيناريو في الوقت الحالي نظرًا لاستمرار الصراع.
وأضاف ميرتس أنه يفضل أن يتم منح هذا التفويض بالتوافق مع روسيا، وليس في سياق نزاع قائم. هذه التصريحات التي أثارت ردود فعل سلبية من بعض الأطراف السياسية، جعلت العديد من المحللين يبدون مخاوفهم من أن مثل هذا الموقف قد يشجع روسيا على تقويض الأمن الأوكراني والأوروبي بشكل عام. وكان بنجامين تاليس، مدير مركز أبحاث "مبادرة الاستراتيجية الديمقراطية" ومقره في برلين، قد انتقد تصريحات ميرتس قائلاً: "هذا النوع من التصريحات يبعث برسالة ضعف إلى روسيا ويشجعها على استغلال الفرصة لتقويض استقرار الأمن في أوكرانيا وأوروبا."
وفي الوقت نفسه، تزايدت التحركات السياسية الأوروبية بشأن كيفية التعامل مع الوضع في أوكرانيا. على سبيل المثال، أفادت تقارير إعلامية بأن دول مثل بريطانيا وفرنسا قد ناقشتا إمكانية إرسال قوات دولية لمراقبة وقف إطلاق النار في حال التوصل إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا. من جانبها، أكدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بايربوك أن بلادها قد تكون منفتحة على إرسال قوات لحفظ السلام في المستقبل، لكن لم يتم اتخاذ قرارات نهائية بشأن ذلك.
وعلى الفور، انتقد بعض السياسيين الألمان تصريحات ميرتس، معتبرين إياها تراجعًا في مواقف الحزب المسيحي الديمقراطي (الاتحاد المسيحي)، خاصة في وقت حساس قبيل الانتخابات المقررة في 23 فبراير/شباط المقبل. يُنظر إلى ميرتس على أنه من أبرز مؤيدي أوكرانيا في الحزب، حيث تتقاطع مواقفه مع الموقف العام للحكومة الأوكرانية، مقارنة بمستشار ألمانيا الحالي أولاف شولتز الذي تبنى نهجًا أكثر حذرًا في دعم أوكرانيا. في المقابل، يُعد الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم بقيادة شولتز من أبرز القوى السياسية التي تميل إلى التصعيد الحذر في القضايا المتعلقة بالصراع الروسي الأوكراني، حيث يرفض تسليم أسلحة بعيدة المدى مثل صواريخ توروس الألمانية لأوكرانيا، خوفًا من توسيع نطاق الحرب.
ويبدو أن الحرب في أوكرانيا ستكون قضية خلافية رئيسية في السباق نحو المستشارية الألمانية، حيث يتنافس كل من ميرتس، شولتز، وزعيمة حزب "البديل من أجل ألمانيا" (التي تتهم بأنها تميل إلى روسيا) على كسب أصوات الناخبين. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن المواقف تجاه روسيا تختلف بشكل كبير بين الأحزاب السياسية الألمانية. في حين أن ميرتس وحزبه يتبنون سياسة أكثر دعماً لأوكرانيا، يرى حزب البديل من أجل ألمانيا أن هناك حاجة لتقليص العقوبات على روسيا وقد يعارض تعزيز التوريدات العسكرية لأوكرانيا.
وفي ظل هذه التباينات، يشير استطلاع أجرته مؤسسة "إبسوس" في سبتمبر/أيلول الماضي إلى أن 51% من الألمان يعارضون إرسال المزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا، في حين أظهر استطلاع آخر أجرته وزارة الدفاع الألمانية في نوفمبر/تشرين الثاني أن ثلثي الألمان يعترفون بأن "السياسة الخارجية الروسية تشكل تهديدًا للأمن الألماني."
ويُتوقع أن تتصاعد هذه القضية في الحملة الانتخابية مع استعداد الأحزاب المختلفة لطرح حلولها بشأن السياسة الخارجية، مما سيشكل أحد العوامل الرئيسية التي ستؤثر في تصويت الناخبين. بينما يسعى ميرتس لاستمالة الناخبين المؤيدين لأوكرانيا، يحاول شولتز تمسكه بمواقفه المعتدلة والتي قد تجذب شريحة واسعة من الناخبين الذين يفضلون تجنب التصعيد العسكري مع روسيا.
على الرغم من الاختلافات في المواقف السياسية، من المتوقع أن تبقى روسيا وملف أوكرانيا في مقدمة النقاشات الانتخابية، حيث يتساءل الكثيرون حول كيفية الموازنة بين دعم أوكرانيا والحفاظ على استقرار العلاقات مع روسيا، وهو تحدٍ قد يؤثر بشكل كبير على مستقبل السياسة الخارجية الألمانية بعد الانتخابات.