مصطفى جلال لـ«اتحاد العالم الإسلامي»: ترامب «كلاكيت» بلفور
![ترامب بلفور](https://media.unitedmuslimworld.com/img/25/02/06/31390.webp)
تزامن مؤتمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع انتهائي من قراءة كتاب "صك المؤامرة" للكاتب الصحفي صلاح عيسى، الذي يتناول فيه حكاية وعد بلفور لليهود عام 1917، وهو ما وصفه المؤرخون بالعديد من الأوصاف، مثل الوعد المشؤوم، ولعل الوصف الأشهر تاريخياً: (وعد من لا يملك لمن لا يستحق)..
تابعت وجهات النظر المختلفة بين الساسة والعامة، ولاحظت الاتفاق بين الجميع، في أن مؤتمر ترامب يعطي وعدا جديدا لليهود، يشبه تماما وعد بلفور، فكلاهما (وعد من لا يملك لمن لا يستحق بلا أدنى شك)..
لكنني أردت أن أضع بعض دوائر الضوء حول الوعدين التاريخيين من خلال رؤية بسيطة وقراءة عميقة للتاريخ الحديث..
أولا: لم يكن وعد بلفور لليهود منفصلاً أبدا عن الأحداث التاريخية السابقة واللاحقة له، مثل إتفاقية سايكس بيكو، ووعود مكماهون الخادعة للعرب وجهود حاييم وايزمن في الحصول على حق اليهود في الاستيطان..
ثانيا: لابد أن نأخذ بعين الاعتبار كافة الأحداث المحيطة بوعد ترامب، مثل أحداث السابع من أكتوبر 2023، وموقف الدول الرافضة والمؤيدة لفكرة حق إسرائيل في البقاء والدفاع عن نفسها، بينما ترى دول أخرى ان الحل يكمن في إقامة الدولتين.. وما هو موقف واشنطن من ثورات الربيع العربي..
ثالثا: علينا أن نجد إجابة للسؤال الذي يطرح نفسه، وهو: ما موقف العرب من كل هذا؟.. وهل هناك مواقف تشبه موقف الشريف حسين بن علي، ملك الحجاز - آنذاك، أيام وعد بلفور؟..
بذلك التحليل البسيط يمكننا أن نتوصل إلى أن دفاع أمريكا عن ثورات الربيع العربي، إنما جاء لضمان تفكك أغلبية دول المنطقة، وبالتالي السيطرة على الشرق، من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من الأمن والاستقرار، بل والتوسع للكيان المسمى بإسرائيل..
ما يعنيه "ترامب" حالياً، هو إعادة تقسيم جديد للشرق الأوسط، كما حدث في إتفاقية سايكس بيكو، التي قامت بتقسيم الدول العربية بين إنجلترا وفرنسا، على أن تمنح فلسطين لليهود، لأنها كانت - وقتها، محل خلاف بين إنجلترا وفرنسا وروسيا..
كما يمكننا استنتاج أن ما يقوم به رئيس وزراء الاحتلال، نتينياهو، من محاولات طلب الدعم الدولي، خاصة الولايات المتحدة.. وبالفعل حاولت حكومة الاحتلال استعطاف العالم أجمع، مستخدماً طوفان الأقصى بمثابة "مظلومية" أمام العالم، يشبه ما قام به العالم الروسي اليهودي حاييم وايزمن، الذي لجأ لمظلومية اضطهاد اليهود في العالم، وأنهم يحتاجون إلى الاستيطان في دولة فلسطين، لارغام لندن - حينها، أن تصدر مرسوما بوعد بلفور، رغم معارضة شديدة من الوزير اليهودي الوحيد في الحكومة البريطانية مونتاجو..
والأمر ليس خفيا على الناظر بعين الاهتمام في موقف العرب، الذين انخدعوا بصداقاتهم مع أمريكا من جانب، وصدقاتهم مع إسرائيل من جانب آخر، غافلين مصلحة الوطن العربي الكبرى، وذلك يشبه تماما انخداع الشريف حسين بن علي، بوعود مكماهون، الذي وعده بوطن عربي حر، يقرر مصيره، حال مساندته لإنجلترا ضد تركيا في الحرب العالمية الأولى..
لم يبق إلا شيء إيجابي واحد في هذا الصدد، وهو الموقف التاريخي لمصر والأردن، الذي يعبر عن موقف الدولتين من القضية الفلسطينية على مدار التاريخ، ويتمثل ذلك في موقف القاهرة ورفضها تهجير الغزاويين وتصفية القضية الفلسطينية.. وأن مصر لن تفرط أبدا في حق أهل غزة ولن تفرط أيضا في حقها في الدفاع عن أمنها القومي بقيادة حكيمة لا تسير خلف العواطف، وإنما تضع مصلحة الشعب المصري والعربي نصب الأعين، لترسم بذلك خطاً أحمر أمام وعد بلفور الجديد..
وأخيراً.. فإن كل هذا لا يعطي الحق لترامب أن يمنح مثل هذه الوعود ويتكلم بمثل هذه العجرفة التي نصب بها نفسه إلهاً للشر في العالم.. وعليه أن يدرك أن العرب هذه المرة - رغم اختلافهم، إلا أنهم مستقلون أحرار لا يتبعون الدولة العثمانية الضعيفة، كما كان أيام بلفور، وأن هناك دول كثيرة في العالم لن تنخدع ولن تقبل بتهجير أهل فلسطين عن أرضهم والتنازل عن حقوقهم.. وعلى رأسهم دولتنا المحروسة..