معاناة جديدة.. إسرائيل تجبر 40 ألف فلسطيني في الضفة على النزوح الأكبر منذ 1967

أدت الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة في مدن الضفة الغربية إلى نزوح نحو 40 ألف فلسطيني من منازلهم، ما جعلها واحدة من أكبر موجات النزوح في المنطقة منذ حرب 1967.
ونتيجة لهذه العمليات العسكرية التي تستهدف مدن شمال الضفة الغربية، اضطر العديد من السكان للجوء إلى أماكن لا تليق بآدميتهم، مثل منازل الأقارب والأصدقاء، وقاعات الأفراح، والمدارس، والمساجد، وحتى أكواخ المزارع، إضافة إلى بعض المباني الحكومية.
وتزعم إسرائيل أن الهدف من هذه الحملة هو ملاحقة المسلحين الذين يُزعم أنهم شاركوا في هجمات على إسرائيل أو يخططون لذلك في مناطق مثل جنين وطولكرم ومحيط طوباس.
ورغم عودة بعض السكان، حيث بلغ عددهم نحو 3 آلاف، إلى منازلهم، لا يزال معظم النازحين بلا مأوى حتى بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من العمليات العسكرية. ويعتبر هذا النزوح من حيث حجمه أكثر قسوة من الحملة العسكرية الإسرائيلية في عام 2002، التي شهدت اجتياح عدة مدن في وقت كانت فيه الانتفاضة الفلسطينية الثانية في ذروتها.
وفي المقابل، تزايدت المخاوف لدى الفلسطينيين من أن الحملة العسكرية الحالية قد تكون جزءاً من "محاولة غير معلنة" لتهجيرهم بشكل دائم، ما يعزز السيطرة الإسرائيلية على المناطق التي لا تزال تحت إدارة السلطة الفلسطينية.
ويأتي هذا النزوح في وقت يعاني فيه العديد من الفلسطينيين في الضفة الغربية من آثار النكبة، حيث ينحدر الكثير من النازحين الحاليين من عائلات لاجئين هُجروا من أراضيهم في عام 1948، وهي الذكرى التي تثير "ذكريات أليمة" بالنسبة لهم، إذ تعتبر "صدمة محورية" في تاريخهم.
علاوة على ذلك، تجاوزت أعداد النازحين في الوقت الراهن تلك التي نتجت عن الاشتباكات السابقة في عام 2024، حيث اضطر حوالي ألف شخص في جنين للفرار من منازلهم. وفيما يتعلق بمستقبل هؤلاء النازحين، فإن العديد منهم قد لا يستطيعون العودة إلى ديارهم، إذ قامت القوات الإسرائيلية بهدم عشرات المباني في المناطق التي اجتاحتها، فضلاً عن تدمير الطرق وشبكات المياه والكهرباء، مما يزيد من صعوبة العودة للحياة الطبيعية في هذه المناطق.
أشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن البنية التحتية للمياه والصرف الصحي قد دُمرت في أربعة أحياء حضرية مكتظة، التي تُعرف بمخيمات اللاجئين، حيث يعيش النازحون منذ عام 1948. وأضاف المكتب أن بعض مرافق المياه قد تعرضت للتلوث بسبب تدفق مياه الصرف الصحي إليها.
كما اعترف الجيش الإسرائيلي بتفجير ما لا يقل عن 23 مبنى، لكنه امتناع عن تقديم رقم دقيق حول إجمالي المباني المدمرة. وأقر الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، ناداف شوشاني، بوجود حالات تم فيها طلب مغادرة بعض السكان لمبانٍ قريبة من مواقع اعتبرها الجيش "مخابئ للمسلحين".
ومع ذلك، نفى شوشاني أن تكون هناك سياسة رسمية إجبارية لنزوح الفلسطينيين من مناطقهم. وأوضح قائلاً: "إذا أراد الناس التنقل، فهم بالطبع أحرار في ذلك"، مشيرًا إلى عودة نحو 3 آلاف شخص إلى مخيم "الفارعة" بالقرب من طوباس.
ورغم ذلك، أفاد نازحون فلسطينيون من مدينتي جنين وطولكرم بأنهم تعرضوا لأوامر إخلاء جماعية باستخدام مكبرات الصوت من قبل الجنود الإسرائيليين، مما يتناقض مع تصريحات الجيش الإسرائيلي.
وتعتبر هذه الأحداث جزءاً من السياق التاريخي الأوسع الذي بدأ منذ عام 1967 عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وطردت العديد من الفلسطينيين من القرى المحاذية لإسرائيل، ما أدى إلى موجات نزوح نحو الأردن. ومنذ ذلك الحين، واصلت إسرائيل تعزيز سيطرتها على الضفة الغربية من خلال بناء مستوطنات على أراضٍ فلسطينية خاصة، وهو ما يراه العديد من المنتقدين بمثابة نظام "فصل عنصري"، بينما تنفي إسرائيل هذا الاتهام.