قلق أوروبي بشأن الحرب الكلامية بين ترامب وزيلينسكي

في تحوّل لافت في السياسة الأمريكية، أثار هجوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، المخاوف في الولايات المتحدة وأوروبا من تغير مفاجئ في النهج الأمريكي تجاه موسكو، والذي ظل حذرًا لعقود طويلة. ففي تصريحاته الأخيرة، وصف ترامب زيلينسكي بـ"الديكتاتور"، موجهًا له اتهامًا بعدم إجراء انتخابات، ومؤكدًا أنه لن يتمكن من الحفاظ على دولته إلا إذا تحرك بسرعة. كما أشار إلى أن زيلينسكي، الممثل الكوميدي السابق، قد أقنع الولايات المتحدة بإنفاق 350 مليار دولار للانخراط في حرب لا يمكن تحقيق انتصار فيها، وهي حرب كان من الممكن تجنبها من الأساس، لكنه شدد على أن الأوكرانيين لن يستطيعوا إنهاءها من دون دعم الولايات المتحدة.
تأتي هذه التصريحات بعد ساعات قليلة من كلام زيلينسكي، الذي اعترف بتعرضه للتضليل الروسي، رافضًا الاتهامات التي ساقها ترامب حول مسؤولية كييف عن الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022. ويعكس هذا الهجوم الإعلامي تصعيدًا في الخطاب بين الزعيمين، مما أثار قلقًا بالغًا في الأوساط السياسية الدولية، خاصة في واشنطن وأوروبا، حول تغيير محتمل في السياسة الأمريكية التي كانت داعمة لأوكرانيا طوال السنوات الثلاث الماضية، بعد الغزو الروسي.
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن هذا التحول السريع في السياسة الأمريكية يشير إلى تغييرات جيوسياسية قد تكون من أعمق التغييرات منذ الحرب العالمية الثانية. أوروبا، خصوصًا الدول الشرقية المنضوية تحت حلف "الناتو"، تشعر بقلق بالغ من أن الولايات المتحدة قد تبدأ في سحب قواتها من القارة الأوروبية، وهو الأمر الذي سيكون له تداعيات خطيرة على أمنها واستقرارها، خاصة بعد تعزيز القوات الأمريكية في المنطقة منذ بداية الحرب في أوكرانيا.
أشار مسؤول أمريكي سابق في إدارة ترامب إلى أن الرئيس الأمريكي لا يرى في الحرب الأوكرانية بعدًا عالميًا، ولا يظهر اهتمامًا جديًا بالمضي قدمًا في الدعم الأمريكي لأوكرانيا. وفي تحليله، وصف الحرب بأنها صراع خاص بين "حمقى آخرين" ولا علاقة لواشنطن به، مشيرًا إلى أن ترامب يسعى لإزالة أوكرانيا من معادلة الصراع كي يتمكن من تحقيق التفاهم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو ما يعكس نهجًا يعارض تمامًا السياسة الأمريكية التقليدية.
في سياق متصل، تزايدت المخاوف الأوروبية من أن التصعيد في تبادل التصريحات بين ترامب وزيلينسكي قد يكون مقدمة لتحولات جذرية في السياسة الأمريكية تجاه روسيا، ما يهدد استقرار العلاقات الدولية. وكان هذا التطور قد دفع بعض أقرب حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، الذين كانوا يعبرون عن قلقهم بصمت، إلى إبداء استنكارهم علنًا، مما يعكس حالة من الفزع والغضب من التحول المفاجئ في السياسات الأمريكية.
تناولت الصحيفة تصريحات وردود الفعل على تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشأن الحرب في أوكرانيا، حيث نقلت عن الناطقة باسم الحكومة الفرنسية، صوفي بريماس، قولها: "نحن لا نفهم المنطق الأمريكي بشكل جيد"، مشيرة إلى أن تصريحات ترامب تتسم بالتنوع والتناقض وغالبًا ما تكون غير مفهومة. أما المستشار الألماني أولاف شولتز فاعتبر أن تصريحات ترامب "خاطئة وخطيرة"، بينما دعت وزيرة خارجيته، أنالينا بيربوك، الرئيس الأمريكي إلى "النظر إلى العالم الحقيقي بدلاً من الاكتفاء بالتغريدات".
على الجانب البريطاني، أكد متحدث باسم الحكومة أن رئيس الوزراء كير ستارمر، المقرر زيارته لترامب في واشنطن الأسبوع المقبل، قد أجرى اتصالاً مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مساء الأربعاء، للتعبير عن دعمه لأوكرانيا في مواجهة الحرب الروسية.
داخل الكونغرس، أعرب بعض المشرعين الذين يؤيدون جهود ترامب في وقف الحرب في أوكرانيا عن اختلافهم مع تفسيره للأحداث. إذ وصف زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، جون ثون، روسيا بأنها "المعتدية"، بينما أشار السيناتور توم تيليس إلى أنه لا يوافق على وصف ترامب لزيلينسكي بـ "الديكتاتور"، مؤكداً أن "هذه ليست الكلمة التي قد أستخدمها". من جهته، دعا السيناتور تيم كين المزيد من الجمهوريين إلى "التحدث بصراحة"، مشيراً إلى أن "لا أحد يصدق ذلك سوى دونالد ترامب وفلاديمير بوتين".
وقد أثار مسار ترامب في سياسته تجاه أوكرانيا تساؤلات لدى الخبراء في الولايات المتحدة وروسيا، الذين يجدون أنفسهم حائرين بشأن تأثير هذا التوجه على العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا. في هذا السياق، نقلت الصحيفة عن توماس جراهام، المسؤول السابق عن العلاقات الأمريكية-الروسية في إدارة الرئيس جورج بوش، قوله: "أعتقد أنه يسيء تمثيل الوضع في أوكرانيا، ولا أعرف ما يأمل في تحقيقه من ذلك... هل هذه طريقة لتهيئة الرأي العام الأمريكي لقبول فكرة الاستسلام لبوتين؟". وأضاف أنه لا يرى كيف يعزز هذا الموقف المصالح الأمريكية.
بدورها، أوضحت أندريا كيندال تايلور، المسؤولة الاستخباراتية الأمريكية السابقة التي عملت في إدارتيْ أوباما وترامب، أن مواقفها تجاه ترامب تغيرت بشكل كبير. في البداية كانت تعتقد أن ترامب لا يريد أن يظهر بمظهر الضعيف في المفاوضات مع بوتين، لكن مع مرور الوقت أصبح من الواضح أنه يريد فقط إنهاء الحرب بأية طريقة، حتى وإن كانت هذه الطريقة ستؤدي إلى إضعاف موقف أوكرانيا وتهيئة الظروف لإعادة تسليح روسيا.
من جهة أخرى، نقلت الصحيفة عن ميكولا بيليسكوف، المحلل السياسي الأوكراني، قوله: "لقد جرّبنا بالفعل بعض الأساليب للتفاعل مع ترامب، على أمل التأثير عليه، لكن يبدو أن مثل هذه الاستراتيجية لها حدودها". وأوضح أن الرئيس الأوكراني قد اختار التعبير عن رأيه بصراحة بدلاً من محاولة إرضاء ترامب، خاصة بعد أن تم تهميش أوكرانيا في مفاوضات السلام.
هذه التصريحات والتحليلات تبرز بوضوح عمق الخلافات بين ترامب وحلفائه الأوروبيين وبين المشرعين الأمريكيين، وتكشف عن تباين في التوقعات حول كيفية إدارة الحرب في أوكرانيا وأثر ذلك على العلاقات الدولية.