اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

انقسامات سياسية وتحديات كبيرة.. عقبات أمام مستشار ألمانيا الجديد

 فريديرش ميرتس
فريديرش ميرتس

قبل يومين، توجه الناخبون الألمان إلى صناديق الاقتراع، حيث دفعهم الاستياء من قضايا الهجرة والاقتصاد للتخلي عن الحكومة ذات التوجهات اليسارية الوسطية. لكن ما لم يتوقعوه هو تحقيق اليسار المتشدد مكاسب غير متوقعة، ما منحه قوة في البرلمان.

فاز الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) بأكبر عدد من المقاعد (208)، يليه حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD) بـ152 مقعدًا، ثم الحزب الحاكم الحالي "الاشتراكي الديمقراطي" (SPD) بـ120 مقعدًا. جاء حزب "الخضر" في المرتبة الرابعة بـ85 مقعدًا، وأخيرًا حزب "اليسار" بـ64 مقعدًا.

لتشكيل الحكومة، يحتاج الحزب الفائز إلى 316 مقعدًا، مما يتطلب من الاتحاد الديمقراطي المسيحي تشكيل ائتلاف. سيكون المستشار القادم فريديرش ميرتس، الذي تعهد بتشديد سياسة الهجرة وخفض الضرائب. ورغم فوز الاتحاد الديمقراطي المسيحي، يواجه ميرتس تحديات في تشكيل ائتلاف أغلبية، حيث استُبعد اليمين المتطرف (AfD) من المشاركة في الحكومة.

البروفيسور مارسيل فراتزشر يرى أن هذه الانتخابات تمثل نقطة تحوّل، حيث قدم الاتحاد الديمقراطي المسيحي أداء ضعيفًا. ولتشكيل حكومة مستقرة، سيكون الخيار الوحيد هو ائتلاف مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، رغم التحديات الكبيرة التي تفرضها اختلافات المواقف بين الحزبين.
القضايا الرئيسية التي يجب على الحزبين التوافق عليها:

1. تشديد سياسة الهجرة:
قدم فريديرش ميرتس خطة من 5 نقاط لزيادة تشديد سياسة الهجرة، بدعم من حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD). تشمل الخطة إعادة طالبي اللجوء عند الحدود، وهو ما يعارضه الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) باعتباره مخالفاً لقوانين الاتحاد الأوروبي. تشكل الهجرة نحو 20% من سكان ألمانيا، مع تحديات في اندماج بعض المهاجرين. كما كانت قضية الجريمة محورية في الحملة الانتخابية، حيث يُتهم الأجانب بارتكاب 41% من الجرائم، خاصة بعد عدة هجمات دموية من مهاجرين رُفضت طلباتهم.

2. الأمن والإنفاق العسكري:
هناك إجماع على زيادة الإنفاق العسكري بعد التحذيرات من نائب الرئيس الأمريكي في مؤتمر ميونيخ الأمني، لكن هذا يتعارض مع قانون "مكابح الديون" الذي يتطلب ثلثي الأصوات لتعديله. تدعو بعض الأطراف إلى إصلاح هذا القانون لضمان تجهيز الجيش بما يتطلبه الأمن، وهو ما قد يستدعي تخصيص أكثر من 3% من الناتج المحلي الإجمالي، أي حوالي 80 مليار يورو.

من جانبها، قالت سودها ديفيد-ويلب إن الحكومة المقبلة يجب أن تتعاون مع الشركاء الأوروبيين لتطوير استراتيجية أمنية لأوروبا، خصوصاً في ظل العلاقات الأطلسية المتوترة، وتعزيز القدرة التنافسية لتمكين أوروبا من التفاعل بشكل أكبر في الساحة العالمية.
أما ميرتس، فقد أكد أن الأولوية ستكون لتقليص الإنفاق في الميزانية قبل النظر في حلول أخرى، ما قد يثير خلافات مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي حول تمويل "إعانة المواطن"، التي يعتبرها إنجازاً رغم الانتقادات الشعبية.

3. التحديات الاقتصادية:
شهد الاقتصاد الألماني انكماشاً بنسبة 0.3% عام 2023، مما جعله الأسوأ في منطقة اليورو. كما واجهت الصناعة تراجعاً في الإنتاج لخمسة أشهر متتالية، وسط ارتفاع تكاليف الطاقة والتحديات الرقمية. بالإضافة إلى ذلك، تواجه شركات السيارات منافسة قوية من الصين.

كما نشأت أزمة ميزانية بعد إلغاء المحكمة الدستورية خطة الإنفاق السابقة، ما أدى إلى عجز بـ17 مليار يورو وفرض قيود على الاقتراض بسبب "مكابح الديون"، مما حال دون القيام باستثمارات ضرورية في البنية التحتية. وأشارت مونيكا شنيتسر، رئيسة مجلس الخبراء الاقتصاديين، إلى أن "مكابح الديون" التي تم إدراجها بعد أزمة 2008 تمنع الحكومات من التصرف بحرية في الأزمات المالية الحالية.
يشهد الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) تحولات في قيادته قد تُعقد مفاوضات تشكيل الائتلاف مع حزب ميرتس. بينما يعتزم شولتز البقاء مستشاراً حتى تشكيل الحكومة دون قيادة المفاوضات، يظهر لارس كلينغبايل كوجه جديد يسعى لتجديد القيادة. ورغم غياب توافق حول القيادة، يبرز وزراء مثل بوريس بيستوريوس ورؤساء وزراء الولايات. هذا الانقسام قد يُضعف الحزب في مفاوضاته مع الاتحاد المسيحي، مما قد يضطره لتقديم تنازلات لميرتس.

أما حزب الخضر، فقد أصبح في المعارضة بعد انسحاب روبرت هابيك من القيادة، في وقت يشهد منافسة شديدة من حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD).

في المقابل، حقق حزب اليسار (Die Linke) مفاجأة بتجاوز عتبة 5% وحصوله على 9% من الأصوات و64 مقعداً. يعود ذلك جزئياً لحملة شبابية قادتها هايدي رايشينيك، التي أصبحت رمزاً للجناح الليبرالي في الحزب. كما ساعد انشقاق سارة فاجنكنشت في توحيد الحزب وفتح المجال لتجديده.

أما البروفيسور فراتزشر، رئيس معهد الأبحاث الاقتصادية الألماني (DIW)، فقد شدد على ضرورة الاستعداد لتضحيات في السنوات المقبلة، مؤكدًا على أهمية حملة استثمارية في البنية التحتية والتعليم والدفاع، مع تعزيز التعاون الأوروبي لصالح ألمانيا.
مع صعود اليمين المتطرف وتراجع الاشتراكيين الديمقراطيين، يواجه ميرتس تحديات كبيرة في تشكيل حكومة مستقرة، حيث يجب عليه موازنة مطالب تياره المحافظ مع مطالب الاشتراكيين الديمقراطيين. ستكون مهمته صعبة في الحفاظ على صورته الحاسمة والبراغماتية، بالإضافة إلى تجنب التصريحات المثيرة للجدل في الإعلام.

تتركز الأنظار على ما إذا كان ميرتس سيعتمد نهجًا جديدًا يختلف عن ميركل التي ركزت على إدارة الأزمات بدلاً من إصلاحها، أو سيغرق في صراعات ائتلافية تستهلك طاقته السياسية. الاختبار الحقيقي له سيكون عند توليه المستشارية، حيث سيتعين عليه تحويل أفكاره إلى سياسات ملموسة وسط أزمات داخلية ودولية.

وأشارت سودها ديفيد-ويلب إلى أن ميرتس يتمتع بميزة كونه ليس ميركل أو شولتز اللذين تعرضا لانتقادات من ترمب. وأضافت أنه سيستطيع بناء علاقات جديدة رغم التحديات مثل الرسوم الجمركية وملف أوكرانيا، معتبرا أنه سيتبنى نبرة براغماتية مع واشنطن ويكون مستعدًا للقيادة الأمنية.

في الوقت نفسه، سيستمر ميرتس وحلفاؤه في الائتلاف بتحديد حزب البديل من أجل ألمانيا كخط أحمر، بينما سيواصل حزب اليسار تعزيز صورته كحائط صد ضد صعود التطرف اليميني.

موضوعات متعلقة