ألمانيا على أعتاب انتخابات مبكرة.. انهيار الائتلاف الحكومي يضع شولتز أمام اختبار حجب الثقة
تشهد ألمانيا أزمة سياسية غير مسبوقة مع اقتراب المستشار الألماني أولاف شولتز من مواجهة تصويت بحجب الثقة في البرلمان (البوندستاغ)، في خطوة تُمهّد لتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة. ويأتي هذا التصويت بعد انهيار الائتلاف الحكومي في نوفمبر الماضي، مما أضعف قدرة الحكومة الحالية على تمرير التشريعات، وفتح الباب أمام إعادة تشكيل المشهد السياسي في البلاد.
أزمة سياسية حادة وانهيار الائتلاف الحاكم
بدأت الأزمة السياسية في 6 نوفمبر الماضي عندما أعلن شولتز إقالة وزير المالية الليبرالي من "الحزب الديمقراطي الحر"، بسبب خلافات عميقة حول السياسة الاقتصادية والميزانية، ما أدى إلى انهيار الائتلاف الثلاثي الذي كان يضم الحزب الاشتراكي الديمقراطي بقيادة شولتز، وحزب الخضر، والحزب الديمقراطي الحر.
أجبر هذا الانهيار شولتز على قيادة حكومة أقلية تتألف فقط من حزبه الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر، مما قلص بشكل كبير قدرته على تمرير التشريعات الرئيسية في البرلمان، ووضع حكومته في موقف هش للغاية.
تصويت على حجب الثقة وتنظيم انتخابات مبكرة
أمام هذا الوضع المتأزم، قرر شولتز طرح مسألة الثقة بحكومته في البرلمان الألماني (البوندستاغ) بهدف تفعيل إجراءات حلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة، وهو سيناريو يُرجح حدوثه نظرًا لتوازن القوى الحالي في مجلس النواب، الذي يجعل من المستبعد حصول شولتز على الأغلبية اللازمة للبقاء في السلطة.
وبحسب وكالة "فرانس برس"، اتفق قادة الأحزاب الألمانية على تنظيم الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل، لتحديد مستقبل القيادة السياسية في ألمانيا، وسط توقعات بتغيرات جوهرية في المشهد السياسي.
استطلاعات الرأي: تقدم المعارضة وتراجع شولتز
تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى تقدم كبير للمعارضة المحافظة بقيادة فريدريش ميرتس، زعيم حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي (CDU)، الذي حصل على 30% من نوايا التصويت. كما يسجل حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف نسبًا تتراوح بين 17% و19.5%، في مؤشر على تصاعد التيارات اليمينية في السياسة الألمانية.
في المقابل، يتراجع حزب المستشار شولتز الاشتراكي الديمقراطي بشكل كبير، حيث تتراوح نسبة التأييد له بين 15% و17% فقط، وهو ما يعكس تآكل شعبيته وسط الانتقادات الموجهة لإدارته للأزمة الاقتصادية والسياسية في البلاد.
كما أظهرت الاستطلاعات أن حزب الخضر، الشريك في حكومة الأقلية، يسجل ما بين 11.5% و14%، ما يعزز احتمالات استبعاده من أي تحالف مستقبلي في الحكومة المقبلة.
تداعيات سياسية واقتصادية
تاريخيًا، يُعد هذا التصويت على حجب الثقة نادرًا في السياسة الألمانية، حيث لم يُطرح منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلا في أربع مناسبات سابقة، وغالبًا بهدف تنظيم انتخابات مبكرة وليس كإجراء عقابي مباشر ضد المستشار الحاكم.
ويرى محللون أن نتائج الانتخابات المبكرة قد تؤدي إلى إعادة تشكيل التحالفات السياسية في ألمانيا، مع تنامي نفوذ التيارات المحافظة واليمينية المتطرفة، مما قد ينعكس على السياسات الداخلية والخارجية للبلاد، خاصة في قضايا مثل الهجرة واللاجئين.
ملف اللاجئين في دائرة الجدل
في سياق متصل، تثير مسألة عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم جدلًا كبيرًا في الأوساط السياسية الألمانية، حيث طالب مسؤولون في المعسكر المحافظ المتوقع فوزه في الانتخابات المقبلة بضرورة إعادة اللاجئين السوريين بعد انتهاء حكم بشار الأسد في سوريا، ما يعكس تغيرًا محتملاً في سياسات الهجرة واللجوء التي لطالما كانت محورًا للخلاف في السياسة الألمانية.
خلاصة المشهد السياسي
مع اقتراب تصويت حجب الثقة، تدخل ألمانيا مرحلة حرجة قد تؤدي إلى تغيير جذري في النظام السياسي وتشكيل حكومة جديدة بقيادة التيار المحافظ، وسط تصاعد التحديات الاقتصادية والاجتماعية وتنامي المخاوف من سياسات يمينية متشددة قد تعيد صياغة مستقبل أكبر اقتصاد في أوروبا.