اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

غزة على شفا مجاعة.. حصار إسرائيلي خانق.. ارتفاع جنوني للأسعار وتحذيرات أممية من نفاد الغذاء

أسواق غزة
أسواق غزة

تشهد غزة أزمة إنسانية متفاقمة، مع تحذيرات متزايدة من نفاد الإمدادات الغذائية، وارتفاع معدلات الجوع، وانهيار الخدمات الأساسية تحت وطأة الحصار الإسرائيلي المستمر. ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، فإن مخابز غزة قد تنفد منها كميات الدقيق المتاحة في غضون أيام، بينما خُفّضت الحصص الغذائية المقدمة للعائلات إلى النصف، والأسواق أصبحت شبه خالية من السلع الأساسية.
حصار خانق بلا أفق للحل
منذ أكثر من أربعة أسابيع، أغلقت إسرائيل جميع مصادر الغذاء والوقود والأدوية والإمدادات الأساسية لسكان القطاع، الذين يزيد عددهم عن مليوني شخص، ما جعل هذا الحصار الأطول منذ بدء الحملة العسكرية الإسرائيلية. ولا توجد مؤشرات على تخفيفه قريبًا، مما يضع غزة أمام كارثة إنسانية حتمية.
عمال الإغاثة يحذرون من تفاقم أزمة الجوع الشديد، إذ إن إمدادات الغذاء المتاحة داخل القطاع تتجه نحو النفاد الكامل، لا سيما بعد تدمير جزء كبير من الإنتاج الغذائي المحلي نتيجة الحرب. برنامج الغذاء العالمي أعلن أن مخزون الدقيق يكفي فقط لإنتاج الخبز لنحو 800 ألف شخص يوميًا حتى يوم الثلاثاء، وأن المخزون الإجمالي لن يصمد أكثر من أسبوعين، مع الاحتفاظ فقط بمخزون طوارئ من البسكويت المغذي لحالات الطوارئ.
خيارات مستحيلة
الأزمة لا تقتصر على الغذاء، بل تشمل أيضًا الوقود والإمدادات الطبية، التي قد تستمر لبضعة أسابيع قبل أن تنفد تمامًا. ومع شح الموارد، يواجه عمال الإغاثة قرارات صعبة، حيث يتعين عليهم توزيع الوقود بين المخابز، وشاحنات نقل المساعدات، والمستشفيات، ومحطات تحلية المياه. المسؤولة في منظمة "أوكسفام"، كليمانس لاغواردات، وصفت الموقف بقولها: "علينا اتخاذ خيارات مستحيلة... كل شيء ضروري".
في ظل هذا الوضع، تتفاقم معاناة المستشفيات التي تضطر إلى ترشيد استخدام المضادات الحيوية ومسكنات الألم، في وقت يتزايد فيه عدد الإصابات نتيجة استمرار القصف الإسرائيلي.
تصعيد عسكري يزيد الأزمة تعقيدًا
مع استئناف إسرائيل عملياتها العسكرية في 18 مارس، سقط مئات القتلى، معظمهم من النساء والأطفال، وفقًا لمسؤولي الصحة في غزة. كما أصيبت منشآت إنسانية بالقصف، وأجبرت أوامر الإخلاء الجديدة أكثر من 140 ألف فلسطيني على النزوح مجددًا، ما زاد من تعقيد الأزمة الإنسانية.
في الوقت ذاته، أوقفت العديد من منظمات الإغاثة عملياتها بسبب انعدام الأمان، حيث لم تعد إسرائيل توفر ضمانات لحماية فرق الإغاثة من القصف، مما أدى إلى تعليق برامج توصيل المياه وتغذية الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية.
الأسواق شبه فارغة والأسعار خارج السيطرة
مع تواصل الحصار، ارتفعت الأسعار بشكل جنوني، وأصبحت معظم المواد الغذائية الأساسية غير متوفرة. اللحوم، والدجاج، والبطاطس، والزيت، والفواكه اختفت من الأسواق، فيما وصل سعر كيلو البصل إلى 14 دولارًا، والطماطم إلى 6 دولارات، إذا توفرت. كما ارتفعت أسعار غاز الطهي بمقدار 30 ضعفًا، ما أجبر العائلات على العودة لاستخدام الحطب لإشعال النيران.
تقول عبير العكر، وهي معلمة وأم لثلاثة أطفال في غزة: "إنه جنون تمامًا لا طعام، لا خدمات أعتقد أن المجاعة بدأت من جديد".
مساعدات غير كافية ومجاعة وشيكة
مع تضاؤل الخيارات، تعتمد العائلات بشكل أكبر على المساعدات الإنسانية. لكن الحصص الغذائية الموزعة لم تعد كافية. ريما ميغات، وهي أم لعشرة أطفال، استلمت حصتها الغذائية من مركز توزيع في جباليا، والتي تضمنت كمية محدودة من الأرز، والعدس، وعلب السردين، وقليل من السكر والحليب المجفف. تقول ريما: "هذا لا يكفي لمدة شهر... سيُستهلك هذا الكيلو من الأرز دفعة واحدة".
في محاولة لتخفيف الأزمة، رفعت الأمم المتحدة عدد الوجبات الجاهزة بنسبة 25%، لكن ذلك أدى إلى استنزاف المخزون بسرعة. وأكد جافين كيليهر، من المجلس النرويجي للاجئين، أن غزة ستفقد القدرة على إنتاج الخبز بمجرد نفاد الدقيق قريبًا.
المجاعة تهدد الأطفال والفئات الضعيفة
الأطفال والنساء الحوامل هم الأكثر تضررًا من هذه الأزمة. منظمة "أنقذوا الأطفال" اضطرت إلى تعليق برامج التغذية للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية بسبب انعدام الأمان. وتشير التقارير إلى أن مئات الأطفال كانوا يتلقون الرعاية الغذائية يوميًا، لكن أعداد المستفيدين انخفضت بشكل حاد نتيجة الخوف من القصف.
تقول ألكسندرا سيف، رئيسة قسم السياسة الإنسانية في المنظمة، إن النقص الحاد في الغذاء والمياه يجعل الأطفال أكثر عرضة للأمراض مثل الالتهاب الرئوي والإسهال، في وقت تكافح فيه المستشفيات المكتظة بالجرحى لتقديم الرعاية الأساسية.
بين الحصار والضغوط
إسرائيل لم تبدِ أي نية لإنهاء الحصار، رغم الضغوط الدولية. ورغم أن الولايات المتحدة كانت قد ضغطت سابقًا للسماح بدخول المساعدات، إلا أنها الآن تدعم سياسات إسرائيل. منظمات حقوق الإنسان وصفت الحصار بأنه "سياسة تجويع" قد ترقى إلى مستوى جريمة حرب.
في المقابل، تصرّ إسرائيل على أن الحصار هدفه الضغط على "حماس" للقبول بتعديلات على اتفاق وقف إطلاق النار، وتؤكد أن المساعدات يتم تحويلها إلى مقاتلي الحركة. وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، دافع عن سياسات بلاده، مؤكدًا أنها "تتصرف وفقًا للقانون الدولي"، بينما لم يوضح أي نية لتخفيف القيود.