اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون رئيس التحرير محمود نفادي
كيف نميز بين وسوسة الشيطان ودعوة النفس؟.. الدكتور علي جمعة يوضح مفتي الديار المصرية: تجديد الخطاب الديني هدفه استيعاب الواقع المتجدد برؤية حكيمة مدير الجامع الأزهر: الإسلام يدعو إلى الأمن والأمان والتمسك بالأحكام لتحقيق سعادة البشرية مفتي الديار المصرية لوفد برنامج الأغذية العالمي: مستعدون للتعاون في كل ما ينفع البشرية أمين ”البحوث الإسلامية”: الشريعة حرصت على البناء المثالي للأسرة بأسس اجتماعية سليمة بالقرآن والسنة.. الدكتور علي جمعة يكشف حكم زواج المسلمة من غير المسلم أمين مساعد البحوث الإسلامية: التدين ليس عبادة بالمساجد بل إصلاح وعمارة الكون الأوقاف المصرية: إيفاد سبعة أئمة إلى “تنزانيا والسنغال والبرازيل” «الإسلام وعصمة الدماء».. الجامع الأزهر يحذر من استباحة دماء المسلمين الأوقاف المصرية تعلن موضوع خطبة الجمعة القادمة.. ”أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ” حكم عسكري في غزة.. بين استراتيجيات الماضي ومخاطر المستقبل هل تصب تهديدات بوتين النووية في مصلحة ترامب؟

سارة فاجنكنيخت.. صعود سياسي مثير للانقسام في ألمانيا

سارة فاجينكينخت
سارة فاجينكينخت

في المشهد السياسي الألماني، نادراً ما يظهر شخص يثير هذا القدر من الجدل والانقسام مثل سارة فاجنكنيخت. فبالنسبة لمنتقديها، هي "ديماغوغية" تدافع عن روسيا وتعارض التيار السياسي التقليدي، أما أنصارها فيرون فيها نجمةً صاعدة، تملك شعبية جارفة وتقدم خطاباً فريداً يجذب جماهير واسعة في بلد لطالما فضل السياسات الهادئة والتوافقية.

ومنذ إطلاقها تحالفها السياسي الجديد الذي يحمل اسمها في يناير/كانون الثاني الماضي، استطاعت فاجنكنيخت تقديم أسلوب سياسي غير تقليدي وجريء جعل منها محوراً للنقاشات الحادة. وبرغم حداثة الحزب، إلا أن نجاحه السريع في استقطاب الجماهير يعكس موهبتها في الترويج لأفكارها وإجبار خصومها السياسيين على التعامل مع خطابها القوي.

وفي مقابلة مطولة استمرت 90 دقيقة مع مجلة "الإيكونوميست" البريطانية، كشفت فاجنكنيخت عن فلسفتها السياسية وأهداف مشروعها الطموح، مؤكدة على أهمية الصورة والهوية الشخصية في جذب انتباه الجماهير. وعن إطلاقها حزباً يحمل اسمها، قالت: "بدون وجه بارز، لا أحد يعرف ما تمثله الأحزاب الجديدة". وتؤكد فاجنكنيخت أن برنامجها يعكس ما يريده كثير من الناس، حيث يجمع بين العدالة الاجتماعية من جهة، وسياسة محافظة تقوم على التقاليد الثقافية من جهة أخرى، بالإضافة إلى معالجة قضايا الهجرة والسلام.

ويُعرف أسلوبها السياسي بمصطلح "المحافظة اليسارية"، حيث تتبنى قضايا تقليدية من اليسار، مثل فرض ضرائب أعلى على الأثرياء، وزيادة المعاشات، وتبني الحد الأدنى للأجور، مع التركيز على الشك في الشركات الكبرى ودعم الهوية الثقافية القومية. وتحمل فاجنكنيخت، الحاصلة على درجة الدكتوراه في الاقتصاد الجزئي، رؤية اقتصادية قائمة على دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعدّها العمود الفقري للاقتصاد الألماني، قائلة إن هذه الشركات توفر وظائف لائقة وأجوراً مناسبة.

وترى فاجنكنيخت أن الحكومة الألمانية الحالية التي تصفها بأنها "الأكثر غباءً في أوروبا" تعيق تقدم الشركات من خلال فرض العقوبات على الغاز الروسي، وتنتقد سياسات حكومة أولاف شولتز في هذا السياق. كما تهاجم بشدة بعض النشطاء البيئيين، وترى أن سياساتهم تضر بالاقتصاد، ولا تتردد في الإشارة إلى ما تصفه بالمشاكل الكبرى المرتبطة بالهجرة التي تقول إنها باتت "تطغى تماماً على ألمانيا".

أما موقفها من الحرب في أوكرانيا، فيعتبر محوراً رئيسياً في خطابها، حيث تجد أن هذا النزاع يعكس توجهها للسلام ويضعها في مواجهة مباشرة مع التيار السياسي الألماني المؤيد لكييف. وبرغم إدانتها للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تعتقد فاجنكنيخت أن اندلاع الحرب كان نتيجة مخاوف روسيا الأمنية بشأن توسع حلف الناتو، وتلقي جزءاً من المسؤولية على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي تتهمه باتخاذ "موقف متصلب" يزيد من حدة النزاع.

وتدعو فاجنكنيخت إلى ضرورة منع انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو كجزء من الحل السياسي للأزمة، مفضلةً أن تأتي الضمانات الأمنية لأوكرانيا من دول مثل الصين وتركيا بدلاً من الناتو، في إشارة إلى قلق روسيا التاريخي من توسع الحلف باتجاه حدودها. كما تعتقد أن ألمانيا كان من الأنسب أن تلتزم بدورها الوسطي في التوسط بين روسيا وأوروبا الشرقية والولايات المتحدة، بدلاً من إرسال الأسلحة والدبابات إلى أوكرانيا، معتبرةً أن هذه السياسة كانت ستكون أكثر حكمة.

وبسبب مواقفها غير التقليدية، تعتبر المؤسسة الألمانية فاجنكنيخت "سامة للغاية" في الأوساط السياسية التقليدية، فيما تستغلها وسائل الإعلام الروسية، التي تقدمها كرمز للمعارضة الألمانية ضد دعم أوكرانيا، مما يجعلها في نظر بعض المراقبين امتداداً لخطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ولدت فاجنكنيخت في ألمانيا الشرقية الشيوعية، وتبنت الأفكار الشيوعية حتى بعد سقوط جدار برلين، لتنضم بعدها إلى حزب "دي لينكه" اليساري المتشدد، حيث أصبحت شخصية بارزة في الحزب وظهرت بشكل متكرر في البرامج الحوارية كمتحدثة معروفة. وفي العقد الأول من الألفية الجديدة، قادت المجموعة البرلمانية لحزب "دي لينكه"، مما عزز من شعبيتها. ولكن، بعد اندلاع خلافات داخل الحزب حول قضايا الهجرة ومع تزايد شعبية علامتها السياسية الخاصة، كان انفصالها عن الحزب أمراً متوقعاً. وفي النهاية، أعلنت عن نيتها تغيير السياسة الألمانية على مدار عقود قادمة، وليس فقط لفترة قصيرة.

وفي أول ظهور سياسي لحزبها الجديد، حقق الحزب نتائج مدهشة، إذ حصل على أكثر من 6٪ من الأصوات في انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران الماضي. ولم تتوقف النجاحات هنا، إذ استطاع الحزب أيضاً الفوز بمقاعد في الانتخابات المحلية في ثلاث ولايات شرقية، وهي ساكسونيا وتورينجيا وبراندنبورغ، حيث تتمتع فاجنكنيخت بشعبية واسعة بفضل مواقفها.

ورغم تفوق حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني في تلك الولايات الشرقية، إلا أن حزب فاجنكنيخت الذي لم يكن موجوداً قبل عام فقط، بات الآن مستعداً للمشاركة في السلطة في ثلاث ولايات من أصل ست عشرة ولاية ألمانية. وبينما تدعو فاجنكنيخت للتسوية في أوكرانيا، فإنها تخوض مفاوضات قوية لتشكيل ائتلافات حكومية في الولايات الشرقية، ما يشير إلى أنها قد تصبح رقماً صعباً في الانتخابات الفيدرالية القادمة.

باختصار، استطاعت سارة فاجنكنيخت تحويل نفسها من شخصية مثيرة للجدل إلى قوة مؤثرة في السياسة الألمانية، ويبدو أن طريقها السياسي قد يكون محط الأنظار في السنوات المقبلة، خاصة في ظل استقطابها لجماهير جديدة وتحديها للنهج التقليدي السائد.