اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون رئيس التحرير محمود نفادي

الزلزال السياسي.. أصداء صعود اليمين المتطرف تهز أركان أوروبا

اليمين المتطرف في أوروبا
اليمين المتطرف في أوروبا

الزلازل السياسية، على غرار الزلازل الطبيعية، لها تداعيات تمتد أبعد من موقع الضرر الأول، حيث تعيد تشكيل الحاضر وربما المستقبل. في هذا السياق، وصف المستشار الألماني أولاف شولتز النتائج البارزة لحزب "البديل من أجل ألمانيا" في الانتخابات الإقليمية بشرقي البلاد بأنها "مريرة" و"مقلقة".

القلق يتجاوز حدود ألمانيا ليصل إلى الاتحاد الأوروبي، الذي يواجه مشاكل وجودية عديدة، من الحرب الروسية الطاحنة على أوكرانيا إلى أزمة المناخ، وذلك بينما يبدأ دورة جديدة مدتها خمس سنوات بعد الانتخابات الأوروبية التي جرت في الصيف الماضي.

وفي تعليقها، وصفت زعيمة حزب الوسط الفرنسي فاليري هاير يوم الانتخابات بأنه "يوم مظلم لألمانيا وأوروبا".

على الرغم من أن نتائج الانتخابات في ولايتي تورينغن وساكسونيا الشرقيتين لم تكن مفاجئة بعد الأداء القوي الذي حققه حزب "البديل من أجل ألمانيا" في الانتخابات الأوروبية السابقة، إلا أنها تعزز الصعود المستمر للأحزاب التي كانت تعتبر في السابق هامشية.

توجد أحزاب يمينية متطرفة في الحكومات أو تدعمها في دول مثل كرواتيا وفنلندا والمجر وإيطاليا وهولندا وسلوفاكيا والسويد، وقد تنضم النمسا قريبًا إلى هذه القائمة، مع تقدم حزب الحرية اليميني المتطرف في استطلاعات الرأي قبل الانتخابات المقبلة في 29 سبتمبر/أيلول.

في هذه الأثناء، لا تزال فرنسا تعاني من الشلل السياسي بعد حوالي شهرين من دعوة الرئيس إيمانويل ماكرون لإجراء انتخابات مبكرة ردًا على فوز التجمع الوطني اليميني المتطرف في الانتخابات الأوروبية.

في حين أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة في بولندا وإسبانيا إمكانية هزيمة القوى القومية واليمينية المتطرفة، تظل الصورة العامة قاتمة بالنسبة للاتحاد الأوروبي.

في ألمانيا، يبدو أن الحكومة الائتلافية، التي تُعتبر ضعيفة بالفعل في بروكسل، ستعاني من ضعف إضافي بعد النتائج السلبية للأحزاب الحاكمة في الولايتين الشرقيتين.

صحيفة "الغارديان" البريطانية أوردت أن ضعف فرنسا وألمانيا - المحركين الرئيسيين للتكامل الأوروبي - في مواجهة القوة المتزايدة للأحزاب اليمينية المتطرفة يمثل تهديدًا كبيرًا للمشروع الأوروبي القائم على التوافق واحترام سيادة القانون.

وأضافت الصحيفة أن التشرذم الحالي في الاتحاد الأوروبي وصعود أقصى اليمين قد يؤثران على القرارات السياسية المهمة، ويعرضان الدعم لأوكرانيا للخطر، في ظل التكاليف المتزايدة لإعادة التسلح المحلي والدعم العسكري المستمر لأوكرانيا. كما أن الأجندة البيئية التي دخلت مرحلة التنفيذ الحاسمة معرضة للخطر، حيث أظهرت الأحزاب التقليدية تحت ضغط اليمين المتطرف استعدادها للتصويت ضد السياسات الطموحة لحماية المناخ.

وكان الاتحاد الأوروبي قد وافق في وقت سابق من هذا العام على حزمة شاملة لإصلاح قواعد الهجرة، بما في ذلك تدابير لتسريع عودة الأشخاص الذين يُرفض طلبهم للجوء، وتوزيع تكاليف رعاية الأشخاص المتنقلين. وقد نددت المجر بالاتفاق، معتبرة أنها سترفض أي شرط "تضامن إلزامي" بشأن إيواء طالبي اللجوء أو تقديم مساهمات مالية.

إذا رفضت المجر الاتفاق، فقد تتبعها دول أخرى، مما قد يؤدي إلى تفكيك نظام التعاون الأوروبي في هذا الشأن. مع إضافة التوترات الاقتصادية والضغوط على ميزانية الاتحاد الأوروبي، التي ستحتاج إلى إعادة التفاوض قبل عام 2028، فإن المشروع الأوروبي يواجه سنوات صعبة.

في الوقت نفسه، قد تؤدي المفاوضات حول طاولات صنع القرار في الاتحاد الأوروبي إلى جذب قادة مناهضين للاتحاد الأوروبي نحو طرق تقليدية في عقد الصفقات، ما قد يعوق ثورتهم الأيديولوجية.

الزعيمة الإيطالية جورجيا ميلوني تُعد نموذجًا على هذا التحول، حيث تتبع نهجًا براغماتيًا مع الاتحاد الأوروبي بينما تتبنى سياسات "أيديولوجية" محليًا. وفي المقابل، يظهر رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان كأحد أكثر القادة تعطيلًا لقرارات الاتحاد الأوروبي، رغم تراجعه أحيانًا عن قراراته.

إذا استمر صعود اليمين المتطرف في الانتخابات، مدعومًا بفوز محتمل لدونالد ترامب في الولايات المتحدة، فقد يصبح احتواء هذا الاتجاه أكثر صعوبة. وفي هذه الحالة، قد يشهد الاتحاد الأوروبي المزيد من قادة على غرار أوربان، بدلًا من أولئك الذين يتبعون استراتيجية ميلوني البراغماتية.

لذلك، شدد باحثو مركز كارنيغي للأبحاث على ضرورة التعامل مع تحديات اليمين بجدية أكبر.