ألمانيا بين التزام القانون وموازنة التاريخ.. هل تُنفذ مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو؟
أربكت مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، الحكومة الألمانية التي لم تحسم موقفها من كيفية التعامل مع هذه المذكرات في حال زيارة نتنياهو إلى ألمانيا.
في تصريحات متناقضة، قال شتيفن هيبشترايت، المتحدث باسم الحكومة الألمانية، إن برلين ستدرس بعناية مذكرتي الاعتقال، لكنها لن تتخذ أي خطوات إضافية حتى يتحقق وجود زيارة فعلية من قبل نتنياهو إلى ألمانيا. وأكد هيبشترايت أنه يجد صعوبة في تصور تنفيذ الاعتقالات بناءً على هذه المذكرات، مشيرًا إلى أنه من الضروري توضيح المسائل القانونية المتعلقة بها. ومع ذلك، لم يوضح ما إذا كان نتنياهو سيكون موضع ترحيب في ألمانيا بعد صدور مذكرات التوقيف.
التحديات بين السياسة والقانون
فيما يواجه المسؤولون الألمان هذه المعضلة، يبرز التداخل المعقد بين المسائل السياسية والقانونية. على الصعيد القانوني، تعتبر ألمانيا دولة ديمقراطية تحترم القانون الدولي وتلتزم بمبادئ حقوق الإنسان، وتدعم المحكمة الجنائية الدولية التي لها عضوية في 124 دولة، بما في ذلك ألمانيا.
ورغم أن مذكرات الاعتقال التي تصدر عن المحكمة الجنائية الدولية لا تمتلك الوسائل لتنفيذ أوامرها بنفسها، فإن الدول الأعضاء، بما في ذلك ألمانيا، ملزمة بموجب التزاماتها القانونية بتنفيذ هذه الأوامر إذا دخل المطلوبون أراضيها.
ولكن السياسة تعيق هذه العملية، حيث تواجه الحكومة الألمانية معضلة تاريخية ومعنوية تتمثل في المسؤولية التاريخية تجاه إسرائيل. بالنظر إلى ماضي ألمانيا النازي في التعامل مع اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، تعتبر برلين أن أمن إسرائيل جزء أساسي من سياستها الخارجية. وقد عبّرت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عن هذا الموقف بالقول إن أمن إسرائيل جزء من التزامات ألمانيا الحديثة بعد دورها في المحرقة النازية.
تأثير العلاقات مع واشنطن
علاوة على ذلك، فإن ألمانيا تجد نفسها مضطرة للتعامل مع العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، خاصة مع احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في العام المقبل. ترامب كان قد فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية عندما كانت بصدد التحقيق في ممارسات الولايات المتحدة في أفغانستان، كما هدد بفرض عواقب إذا باشرت المحكمة تحقيقًا في جرائم الحرب المرتكبة في الأراضي الفلسطينية. هذه التوترات قد تجعل الحكومة الألمانية حذرة من تنفيذ مذكرات الاعتقال ضد نتنياهو، خوفًا من التأثير على علاقاتها مع واشنطن، خاصة في ظل المخاوف من صفقات محتملة بين ترامب وروسيا.
القرار في أيدي الدول الأعضاء
ومن الجدير بالذكر أن المحكمة الجنائية الدولية تضم أعضاء من دول الاتحاد الأوروبي وعدد من دول العالم الكبرى، لكنها لا تشمل إسرائيل أو الولايات المتحدة أو روسيا. وبذلك، فإن ألمانيا وغيرها من الدول الأعضاء في المحكمة ملزمة قانونيًا بتنفيذ مذكرات الاعتقال في حال دخول المطلوبين أراضيها، رغم أن العقوبات التي قد تواجهها الدول التي لا تنفذ هذه الأوامر تقتصر عادة على التنبيه الدبلوماسي.
في هذا السياق، يظل الموقف الألماني ضبابيًا، ويعتمد بشكل كبير على كيفية موازنة برلين بين التزاماتها القانونية تجاه المحكمة الجنائية الدولية وحساسياتها السياسية تجاه إسرائيل والولايات المتحدة.